فن البديع فيه ظرف عجيب
ومن أنواعه في البلاغة ما يسمى ( التورية )
وهي ليست كذبا , بل تخفي حرجا قد يقع فيه المتكلم أو الكاتب .
لأن اللفظ فيها يحتمل معنيين أحدهما قريب إلى الذهن , وهو غير مقصود
والمعنى الآخر بعيد وهو المراد عند القائل أو الكاتب . وفيه لطف بلاغي .
ومن أجمل ما قرأت في ذلك :
محمد إمام العبد: شاعر مجيد طبع على المرح، وكان حاضر البديهة .
قابله ذات يوم الشاعر خليل مطران فقال له خليل مطران: يا محمد إمام؛ لماذا لا تتزوج ؟
فأجاب على البديهة:
يا خليلي وأنت خير خليل = لا تلم زاهداً بغير دليل
أنا ليل وكل حسناء صبح = فاجتماعي بها من المستحيل
ومرة طلب منه الأديب سعد ميخائيل صورة ليضعها في مقدمة ترجمته التي كان يزمع نشرها في كتاب (آداب العصر)،
فقال له محمد إمام العبد، يا سعد: ماذا تصنع بصورة سوداء مشوهة , ولكن ما دمت تصر على ذلك فهذه صورتي أقدمها إليك ؛ على شرط أن تكتب تحتها هذين البيتين:
نسبوني إلى العبيد مجازاً = بعد فضلي واستشهدوا بسوادي
ضاع قدري فقمت اندب حظي = فسوادي على ثوب حداد
ودخل ذات يوم مجلس محمود سامي البارودي , وكان للبارودي جلسة بعد عصر كل يوم , يرتادها الأدباء الوجهاء بعد الإفراج عنه , وعودته من المنفى.
فقالوا له هذا محمد إمام العبد قد أقبل، وكان البارودي في أواخر حياته قد كف بصره فقال مداعباً لإمام العبد:
لا تشترِ العبد إلا والعصا معه = إن العبيد لأنجاس مناكيد
فأجابه محمد إمام العبد على البديهة:
أنا لا أرد عليك، ولكن يردعليك أبوالطيب المتنبي في نفس القصيدة , بل البيت الذي يلي البيت الذي أوردته ؛ ففزع الحاضرون إلى مكتبة الشاعر محمود سامي البارودي , يتصفحون القصيدة التي استشهد بها الشاعر البارودي ببيت منها، وإذا بالبيت الذي بعده يقول:
ما كنت أحسبني أبقى إلى زمن = يسىء بي فيه كلب وهو محمود