انعتاق ذاكرة
بقلم ملكة أحمد الشريف
ينفض ما علق بثيابه من غبار الطريق، تمنى لو استطاع أن ينفض ذاكرته أيضا من كل ما علق بها...
شيء ما في داخله يوقظ تلك الذاكرة النائمة من سباتها.
تتراءى له من بعيد، وتطل عليه بملامحها... تلهب جوارحه من جديد، وتلهمه عيناها بريق من أمل...
جالت ذاكرته بعناد...
يبحث عن الجميزة العجوز وقلبه المحفور عليها...
تُسافر روحه على أوتار أرجوحةٍ بالية...
سهمٌ غرز في ذاك القلب ليكتبا أول حرف من اسميهما
ولكن ذلك السهم أصاب قلبيهما؛ ليقطرا دما...
ساقته قدماه إلى تلك الشجرة...
تبحث أنامله عن ذلك القلب المحفور منذ زمن...
ينفض الغبار عن تلك الأغصان كما نفضها عن ذاكرته...
تتراءى له قلوب كثيرة محفورة على جذع الشجرة العجوز
يدور حول الجذع بفضول
يبحث عن قلبه هناك...
هناك أوراق وأغصان تزفها بقايا حلم
وما بين هنا وهناك ترقص مترنحة بلا إيقاع
وبلا أُذن تستجيب لصدى صوتها...
ولكن قلبه ضاع بين المئات من القلوب
كلها غرزت بسهام...
تاه... أين قلبه بينها؟؟
ولكنه جلس تحت أغصان العجوز
يتنفس عبق عطر حبه المنعتق من الذاكرة
اشتم من الأفق ضحكات الصبا
ورائحة خبز طابون...
وصباب قهوة عربية ينتظره
ضحك من نفسه... وعليها
ضحك... وضحك...
ثم قهقه قهقهة هستيرية حتى بانت نواجذه...
ثم صمت.
انتابه إحساس بألم غريب، وراودته وحشة من المكان...
تمنى لو أنه لم ينفض غبار تلك الذاكرة.