ستبدي لك الأيام :
أسبل الموت إزاره على الأرض المغشي عليها من الألم ، حاملاً أشلاء أطفال و أمهات و شيوخ .
رأى من بعيد شيخاً يجلله البياض ، واقفاً على طرف الطريق الرملي ، يرنو إليه بنظرة عجيبة ، يجتمع فيها الابتسام بالعبوس .
شعر بالخجل كما لم يشعر يوماً ، فاتجه إلى الرجل على استحياء ، و لما وصل إليه قال و عيناه مرخيتان نظرهما : لا تنقم مني يا سيدي ، فما أنا بالذي أتيتهم من تلقاء نفسي .
- أعلم ، فما أنت إلا عبد مأمور .
- حسبت في نظرتك لوماً و تقريعاً لي
- لا يا صاحبي ، بل هو إشفاق على من فعلوا ذلك بهم ، فما سيرونه من ربهم اليوم و غداً و بعد غد شر مما فعلوه ، بل سيتمنون لو كانوا هم ضحايا اليوم .
نظر الموت نظرة استغراب عميق إلى الشيخ يسأله بها عن كلامه ، فحضنه بابتسامة شفافة بها من معاني التسامح و المحبة ما لا ينتهي ، ثم اختفى كأنْ لم يظهر من قبل .
أكمل الموت طريقه و هو يردد بصوت عالٍ كادت الجبال تردد صداه :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ............. و يأتيك بالأنباء من لم تزوِّد
و يأتيك بالأنباء من لم تبع له بتاتاً ............ و لم تضرب له وقت موعد