قصص فلسطينية قصيرة جدّاً
د. يوسف حطّيني
1 ـ قرب الجدار
متقمّصاً ظلّ محرقة مزيفة وقف أمام الناس، اعتمر قبعة صغيرة فوق رأسه، وراح يبكي قرب جداري، ذرفَ دموعاً غزيرة.
كان يخفي خلف ظهره سكّيناً.
2 ـ بلفور
في ليلة داكنة السواد، دخل اللصُّ بيتي، قتل أبي وجدي، وسرق قمصاني وأشجاري ومواويلي العاشقة.
وفي ليلة داكنة أخرى أهدى حزني وقصائدي وترابي إلى لصّ آخر، من شذاذ الآفاق.
ها أنا ذا أبحث، بين ليالٍ سود، عن فجر جديد..
3 ـ وجهاً لوجه
جلسنا متقابلين تحت ضوء الشمس، كان عيناه تشبهان عيني ذئب، وهو يتكئ على بندقيته التي يلتمع نصلها. بينما اتكأتُ على زوادة من قمح وذكريات وموالٍ حزين..
كنتُ أشعر باطمئنان لا حدّ له، أما هو فقد كان يخفي خلف ملامحه القاسية قلباً مذعوراً.
4 ـ غيمة
حمل جدي أعوامه السبعين على كتفيه، وهو ينقّل بصره بين حقله المتعطش لقطرة ماء، وغيمة شاردة في سماء فسيحة.
مرّت الغيمة فوق مستوطنات متعددة، ثم وقفت فوق حقله تماماً، وراحت تذرف دموعاً سخيّة.
5 ـ أحمد ياسين:
داهمه صاروخ مبكّر، باغتَ المؤذن والمصلين والشيخ الجليل. انتفض كرسيُّه مثلما انتفضت فلسطين، ها هو ذا يطلّ على نهار غزة محمولاً على الأكتاف، يمشي فوق الغيم، ويوزع بسمته الخضراء من النهر إلى البحر.
الصواريخ المبكرة تهطل كالمطر بين وقت وآخر، تباغت أطفالاً ونساءً وشيوخاً.. ولكنّ كراسيَ أخرى كثيرة لم تنتفض مثلما انتفضت فلسطين.
6 ـ صبرا وشاتيلا
حاصر الأعداء مخيمي صبرا وشاتيلا، أربعة آلاف روح ذرفَها المخيمان في ثلاثة أيام.
كانت الأرواح تشق عنان السماء، وهي تطلب الثأر، بينما تصرخ الهامات في ألمٍ:
"اسقوني.. اسقوني".
جاءت هامات أخرى من بلد الشيخ والعباسية والشيخ بريك ويازور والطنطورة والرملة والمجدل ووادي شوباش ورفح وكفر قاسم ودير ياسين وجنين وغزة، صرخت معترضة:
بالدور يا شباب، فنحن ننتظر قبلكم..
7 ـ العلم نور
قال المعلم: أهلاً بكم في العام الجديد.
قال الجنود: تغلق المدرسة حتى إشعار آخر.!
8 ـ إصرار
البنت الصغيرة لا تعرف اليأس، حملت عكازها، ذكرى قدمها الراحلة، وانطلقت تلعب مع الأطفال.
9 ـ دموع مؤجلة
حين جاؤوا لاعتقاله لم تذرف دمعة واحدة.
في الليل: عانقت طفلهما والوسادة المبللة!
10 ـ حرية
حين أخذوه إلى السجن، قال لأمه العجوز: أخرجي العصفور من القفص. —