خارجاً من حي التجارة حيث كانت لي حاجة، اخترت أن أكمل طريقي نحو منزلي في حي الشيخ محيي الدين سيراً.
اخترت المسير على الطريق العريض الذي عن يمين سالكه نحو قلب دمشق ما تبقى من بساتين الصالحية حياً أخضر، وعن شمال سالكه نحو الغاية نفسه ما آل من تلك البساتين أبنية وحياً جديداً حمل اسم العائلة التي كانت تملك أكثر تلك الأراضي (العدوي)، وفي مقابلي كان قرص الشمس محمراً حمرة الدم يجنح إلى المغيب.
كانت الشاعرية تلقي بروعتها على الأرض ومن عليها معاً، وكان صدري يستلهمها بين جانحَي استلهاماً أراني فقدته منذ أمد.
الطريق مستو تظهر منه علائم حينا الجبلي ، بل معظم أحياء الصالحية العليا، والشمس تسكب دلاء ألقها الغروبي على السماء، ومنها على الجو بتفاصيله كبيرها وصغيرها، حتى المركبات العابرة الطريق.
غاب عني كل إحساس غير إحساس الجمال ، وغمرني شعور استعادة إنسانيتي بعد طول جوع وقفر وحرمان، فلم يغمرني بسحر جديد إلا الأذان مرتفعاً من جامع الإيمان : الله أكبر .. أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله، فأدركت أني عبرت أكثر الطريق، وأني ودعت سيمفونية الجمال في باصرتي، وأودعتها قلبي.