د. بوبكر جيلاليفلسفة العلم مشهورة في الفكر الفلسفي المعاصر والحديث بالابستمولوجيا، روادها فلاسفة القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين، من المثاليين والعقلانيين والتجربيين وغيرهم، انبثقت فلسفة العلوم عن التيار العلمي الذي غزا الفكر الغربي عامة في العصر الحديث الذي قلب أوضاع أروبا عامة رأسا على عقب، وعلى إثر انفصال العلوم عن الفلسفة تباعا ابتداء من العلوم الدقيقة ثم العلوم التجريبية وبعدها محاولات العلوم الإنسانية المتكررة للاستقلال عن الفلسفة والتفلسف مثل علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الأخلاق وغيره، والسعي في مسعى العلوم التجريبية والاستفادة من التقدم الذي حققته العلوم الدقيقة والتجريبية وانعكاس ذلك على علاقة الإنسان بالطبيعة وبوسائل وأدوات السيطرة عليها وتسخيرها وتحويل موادها من صورة غير نافعة إلى صورة نافعة.
قبل النهضة الغربية الحديثة وفي الوقت الذي كانت فيه الفلسفة أما للعلوم تحتويها وتحتضنها جميعا تمدها بالمفاهيم وبالمنهج وترسم لها الطريق والأهداف، والعلوم ككل دقيقة وتجريبية وإنسانية واجتماعية ومادية وروحية، وفي كل مراحل الفكر البشري التاريخية، لدى اليونان ولدى الرومان ولدى المسلمين، لم يكن هناك ما يعرف بفلسفة العلوم أو الابستيمولوجيا، لأن السيادة كانت للفلسفة وليس للعلم وللتفلسف والمنهج الفلسفي وليس للمنهج العلمي، وارتبطت في الماضي الفلسفة بفرع فلسفي بحت يهتم بالدراسة الفلسفية للمعرفة الإنسانية بمختلف فروعها وموضوعاتها ومناهجها وأهدافها فرع انبثق عن الفلسفة كما كانت أما للعلوم والمعارف جميعا، يعرف هذا الفرع بنظرية المعرفة وهي تختلف تماما عن فلسفة العلوم ويمكن تسميتها بفلسفة المعرفة عامة لأن الابستمولوجيا أو فلسفة العلوم تختص بالعلم لا غير فطابعها خاص لأن العلوم استقلت عن الفلسفة ونظرية المعرفة بطابعها العام لم تعد تتناسب مع الوضع الجديد للعلوم بعد استقلالها وللفلسفة بعد فقدانها لفروعها العلمية والعملية.
نظرية المعرفة فرع من فروع الفلسفة في صورتها الكلاسيكية، وكانت تهتم بدراسة المعرفة لدى الإنسان دراسة فلسفية من حيث مصدرها وموضوعها ومنهجها ووسائلها وغايتها ومعيار صدقها ويقينها، تبحث في التساؤلات التالية: ماذا نعرف؟ ومن أين المعرفة؟ وكيف نعرف، وبماذا نعرف؟ ولماذا نعرف؟ وما معيار اليقين في المعرفة؟ تساولات يطرحا الفلاسفة في كل فروع المعرفة، ومن ذلك البحث تعددت النظريات الفلسفية، بين مثالية وعقلانية وتجريبية ومادية وتوفيقية وغيرها، لما استقلت العلوم عن الفلسفة وازدهرت نتائجها وحققت نتائج نظرية وعملية تقنية مادية للإنسان، لم تعد نظرية المعرفة ذات الطابع المعرفي والفكري العام تفي بالغرض الفلسفي والفكري والنقدي للعلوم ذات الطابع الخاص والمادي العملي بالدرجة الأولى.
في ظل الوضع الجديد الذي عرفته العلوم والمتميز عن الفلسفة في صورتها الكلاسيكية بالاستقلال وبالازدهار وبقدرتها على تغيير حياة الإنسان اليومية في اتجاه الراحة والرفاه المادي والاجتماعي، وفي الوقت ذاته جلبت له العديد من المشكلات التي لا عهد له بها، فتعطلت نظرية المعرفة لعدم مسايرتها للركب العلمي والتكنولوجي الحديث، وصار من الضروري قيام فرع فلسفي جديد يهتم بدراسة العلوم دراسة فلسفية تحليلية نقدية، فقامت فلسفة العلوم والمعروفة في عصرنا بالابستمولوجيا لتتولى هذا الدور تضطلع بمهمة تحليل ونقد العلم.
كثيرا ما تُعرّف فلسفة العلوم بما يلي:"فرع فلسفي يهتم بدراسة الأسس الفلسفية والافتراضات والمضامين الموجودة ضمن العلوم المختلفة، بما فيها العلوم الطبيعية مثل الفيزياء والرياضيات والبيولوجيا، والاجتماعية مثل علم النفس وعلم الاجتماع والعلوم السياسية. بهذا المفهوم تكون فلسفة العلوم وثيقة الصلة بالابستمولوجيا والانتولوجيا فهي تبحث عن أشياء مثل: طبيعة وصحة المقولات العلمية، طريقة إنتاج العلوم والنظريات العلمية، طرق التأكد والتوثيق من النتائج والنظريات العلمية، صياغة وطرق استعمال الطرق العلمية المختلفة أو ما يدعى بالمنهج العلمي، طرق الاستنتاج والاستدلال التي تستخدم في فروع العلم كافة، واخيرا تضمينات هذه المقولات والطرق والمناهج العلمية على المجتمع بأكمله وعلى المجتمع العلمي خاصة"*