بسم الله الله الرحمان الرحيم
القضاء أشد من الإفتاء
يحكى أن هناك، في بلاد العربان، رجلا أتى بعنزة مذبوحة إلى جزار ليسلخها له ويقطعها، فقال له الجزار: إرجع بعد ساعة تجدها جاهزة، وافق الرجل وذهب لقضاء بعض حوائجه..
في الأثناء مر قاضى المدينة على صاحب محل الجزارة وطلب منه خروفا مذبوحا مقطعا.
قال الجزار: ليس عندي خرفان.
قال القاضي وما تلك بين يديك؟
قال الجزار: عنزة، وهي لرجل سيرجع ليأخذها.
قال القاضى: أعطني إياها وإذا جاءك صاحبها قل له العنزة طارت..
قال الجزار: كيف تطير العنزة، والرجل أتى بها مذبوحة؟ ثم متى يطير الماعز؟
قال القاضى: أسمع الكلام، وقل له ماقلته لك.. أتركه يشتكي ولا يهمك من الأمر شيء.
أعطاها إياه الجزار خوفا، وهو يستعيذ من شايطين الإنس والجن..
رجع صاحب العنزة بعد الساعة بقليل يريد عنزته كما طلبها..
قال له الجزار: العنزة طارت..
استشاط الرجل غيضا وقال له: كيف تطير العنزة؟؟
ودار بينهما شد في الكلام وشجار، اتفقا في الأخير على أن يحتكما للقاضي لينصفه من هذا الإفتراء..
فذهبا إلى القاضي، وكان في طريقم سوق لابد أن يمرا عليه.
في ذلك السوق رأوا اثنين يتخاصما ويجر أحدهما الآخر، فأراد صاحب الجزارة أن يفرق بينهما، ولكن إصبعه دخل في عين رجل منهما ففقأها، عرف فيما بعد أنه نصراني.
تجمع الناس على الجزار، أفلت منهم وهرب خوفا من أن يفعلوا به الأفاعيل، قفز من فوق جسر صغير، وارتمى على شيخ عجوز مارا على حماره من هناك، فسقط الشيخ ومات.. فأصبحت القضية ذات أبعاد ثلاثية.
أمسكته الشرطة وذهبت به إلى دار القضاء.. فلما رآه القاضي ضحك مفكرا بسالفة العنزة ولم يدري أنه متهم في ثلاث قضايا..
عندما علم هذا الأخير بما وقع، جلس يفكر، وقال للحاضرين: نأخذ كل قضية على حدة لنحكم فيها..
نادى القاضي أولا على صاحب العنزة، وقال له: ماذا تقول في دعواك على صاحب محل الجزارة؟
قال الرجل: سيدي القاضى، هذا أخفاني عنزتي المذبوحة التي أتيت بها له ليسلخها ويقطعها، وقال: إنها طارت.. كيف يحدث هذا يا سيادة القاضى؟؟
قال القاضي: هل تؤمن بالله
قال الرجل: نعم أؤمن بالله
قال له القاضي: ألا تعرف إذا، أنه يحيي العظام وهى رميم؟ قم، فمالك عنده من شيء.
تقدم النصراني وقال: هذا ياسيدي القاضى فقأ عيني، وأريد أن أفقأ عينه مثل ما فعل بي.
فكر القاضي قليلا ثم قال للمسيحي: دية المسلم للكافر النصف.. يعني يفقأ عينك الثانية حتى تفقأ عين واحدة له.
قال النصراني: تنازلت.. لاأريد شيئا منه.
دخل أبناء الشيخ العجوز، وقالوا: سيدي القاضي، هذا الرجل ارتمى من فوق الجسر، فارتطم بالحمار الذي كان يمتطيه والدنا المار من تحت الجسر، فجفل الحمار وأسقط والدنا، فمات.
أشار القاضي على الجزار بأن يركب الحمار، ويقفز أحد أبناء الشيخ العجوز نحوه من فوق نفس الجسر ويصدمه ليسقط..
فقال الولد للقاضي: إذا لم يسقط من الحمار، أو تحرك يمينا أو يسارا ولم يمت؟
قال القاضي : وماذا تريدني أن أفعل، لماذا لم يتحرك أبوك يمنة أو يسرة..؟