هامش على : غير (زاوية ) الرؤية .. ماذا ترى؟!!
تعثرت أثناء بحثي في أرشيفي بكُليمة عنوانها ( غير"زاوية"الرؤية .. إلخ) .. وطرفة تصب في نفس الباب فبيتُ النية أن أكتب هامشا على تلك الكُليمة .. وقبل أن أشرع في ذلك توقفت عند تغريدة لإحدى أخواتي الكريمات .. حيث غردت بصورة لمكة المكرمة .. من صلاة التراويح ليلة 27 – أي من رمضان 1436هـ - أصابتها بقشعريرة .. نظرت إلى الصورة .. فأصبت بالأمر نفسه .. ولكن لسبب مغاير .. لأنني نظرت من زاوية أخرى.
عادت بي الذاكرة إلى سنوات مضت .. حين عدت متأبطا أوراقي لأسافر في مهمة عمل،فوجدت امي رحمها – ورحم أبي - قد وافقت على دخول المستشفى،وكانت ترفض ذلك .. فأدخلناها المستشفى،وسافرت وعدت في نفس اليوم .. ولم أخرج من المدينة المنورة طيلة مرضها حتى توفيت – رحمها الله ورحم أبي – بعد ذلك بثماني سنوات .. تقريبا .. وحين غرقتُ في لج الشوق لمكة المكرمة .. أسرجنا السيارة .. حتى أناخت بنا في البلد الحرام .. وحين دنت لحظة عناق البصر للمسجد الحرام .. قبل رؤية الكعبة المشرفة .. وتركزت كل المشاعر والأحاسيس في العينين .. كانت الصدمة .. فقد عهدت منارات الحرم سامقات .. يطاولن أبا قبيس .. دانيات من عناق السماء .. فإذا بي أرى "غولا"اسمنتيا أسود .. يكاد أن يجثم على المسجد الحرام فيلتهمه!! كان ذلك قبل إجراء عملية"الماكياج"لذلك الغول الخرساني – التشطيبات - .. لم يختلف الأمر كثيرا مع الصورة التي شاهدتها الآن .. إلا أنني كنت أتوقعها.
أعود إلى الطرفة التي كنت سأجعلها مدخلا لهذا الهامش .. و تقول .. أن رجالا كان يجلس مع زوجتيه،فرغب في كاس ماء،ومن باب احترام زوجته الكبيرة طلب الكاس من الصغيرة .. فذهبت .. وحين خرجت قالت الكبيرة :
كلنا نعرف نجيب مويه ,, واللي تبغا تشوفها وهي تمشي؟!
فلما عادت الصغيرة قالت :
آه .. خلصتو السر حقكم؟!!
فالزوج نظر من زاوية .. وكل زوجة نظرت هي الأخرى من زاوية مختلفة .. وإن جمع بينهما "سوء الظن"إن صح التعبير.
بمأنني أطلت أكثر مما ينبغي فإلى :
غير (زاوية ) الرؤية .. ماذا ترى؟!!
سئل أبو حازم :
لماذا نكره الموت؟!
قال : لأننا عمرنا الدنيا،وخربنا الآخرة،فكرهنا الانتقال من (العمار) إلى (الخراب).
لابد لي أن أشكر من يقرأ لي – إن وجد - لتحمله (شطحاتي)!!
سوف أحدثكم بقصة (مفترضة) – وقد تناقلت الصحف ،والمواقع كثيرا مما يشبهها،مصحوبا بالاستنكار والشجب .. وكاد البعض أن (يندد) – رجل توفيت زوجته،أو مرضت فذهب في اليوم الثاني وتزوج!!!!!!!!
يحتاج الحدث – أو الحادثة .. أو حتى "الجريمة" – إلا أكثر من علامات التعجب التي وضعتها.
فكيف ستكون ردود أفعال الناس؟!
عفوا .. هذا ليس (المثال) المقصود،بل لنفترض أن امرأة (هلك) – ولا فرق بين هلك ومات،فقد وصف ربنا سبحانه وتعالى سيدنا يوسف،عليه وعلى نبينا السلام،بأنه (هلك) - لها قريب، أب أو أم فلما (جن) الليل طالبها بما يسمى بـ(الحق الشرعي)!!!!!!
كيف تصوركم لردود أفعال الناس؟!!! ألن يقذف ذلك الرجل – المتخيل – بأنه عديم الإنسانية .. عديم الإحساس ..إلخ؟!!
فيما تخمنون ردود الأفعال - لا نستبعد أن يكون من بينها تدخل منظمات (حقوق الإنسان) - أنقل،أو أذكركم، بهذا القصة .. صحابي .. وصحابية .. – رضي الله عنهما - .. وعرضت القصة على من؟! على الحبيب صلى الله عليه وسلم:
((عن أنس رضي الله عنه قال: مات ابن لأبى طلحة من أم سليم فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه، قال: فجاء فقربت إليه عشاء فأكل وشرب، فقال: ثم تصنعت له أحسن ما كان تصنع قبل ذلك، فوقع بها، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم قال لا. قالت فاحتسب ابنك. قال: فغضب وقال: تركتنى حتى تلطخت ثم أخبرتنى بابنى، فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « بارك الله لكما في غابر ليلتكما ».))
لاحظوا .. امرأة – رضي الله عنها وأرضاها – هي التي فعلت تلك الفعلة!!!!!!!
هل تعلمون لماذا؟!!
لأن الحاجز – عند ألئك القوم – بين الدنيا والآخرة،شفاف،بل شفاف جدا ... لم يكن الموت في نظر سيدتنا رضي الله عنها،سوى (سفرة) .. أو انتقال من (دار) إلى (دار) .... فقط غيرت سيدتنا – رضي الله عنها – زاوية الرؤية .. فتعاملت مع الأمر من (زاوية) مختلفة.
لن ينسينا هذا الموقف،أن (الحزن) على الميت جزء من تركيبة الإنسان – مسلما وغير مسلم – وقد حزن – بل وبكى – سيد العارفين بالله صلى الله عليه وسلم .. بكى على ولده .. و بعد معركة أحد قال كلمته التي تهز الضلوع : حمزة لا بواكي له.
لم ننس كل ذلك،ولكننا نُذكّر – فقط – بأن تغيير زاوية النظر،قد يعطي ردة فعل مختلفة .. لذلك سنحاول لفت النظر إلى اختلاف (زاوية النظر) بيننا وبين بعض إخوتنا،في حلقة قادمة ... إذا أذن الله.
تلويحة الوداع :
ماتت زوجة أحد السلف الصالح،فسئل عن ذلك فقال :
خشيت أن أموت الليلة فألقى الله عزبا.
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة في 29 / 9 / 1431هـ