صَفَاءٌ
... وأخيراً خلص إليها وخلصت إليه، ثم إنها بقدر ما جدت في السعي إليه مذ خبرته، لم يكن هو الآخر أقل شوقاً منها إلى ما بادرت إليه قاصدة، إذ ألمت جيداً بالذي أحاط به، وفقِه بوضوح تامٍّ ما ألمَّ بها عندما كانت تعد الأيام عدَّا، وتحصي الليالي جمعاً وفرداً ...
لم يكن نأي أحدهما عن الثاني بالأمر الهين، بل إنه لم يكن من قبيل ما يُنسى أو يُمحى من الذاكرة، ولا هو من طينة ما يرمى بحركة بسيطة وراء الظهر، وإنما كان تجربة قاهرة، ووشماً ظل يلوح لهما معاً من بعيد، وزفرة يتيمة متبادلة بين الإثنين تخالط أنفاسهما، وعلى رثاء حالهما تبعثهما بعثاً شديداً ...
اتخذا الشجن العميق جليساً لهما وأنيساً في غربتهما العنيدة القاسية، حتى إذا لقيها ولقيته، نظر كل منهما إلى صاحبه في ذهول، فلفهما السكون من كل جانب، وما عادت مسامعهما تلتقط سوى نبضات فؤادهما السريعة المتلاحقة، فسال الدمع غزيراً على خديهما، وشاد اللقاء فوق جبينهما إشراقة، سرعان ما أضاءت ما حولهما، فإذا بذكرياتهما تنبعث من مرقدها مباركة مهنئة، وتحلق رشيقة كالفراشات في سماء مقامتهما الباهرة ...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.net