غناء القبرات

هذا موسمُ الفَرْحِ
فحَلِّقِي يا قُبُّراتُ...غني الأناشيدَ
وزغردي للربيعِ

يا حارساتِ الحقولِ
أغفى أخيفُ العَراءِ نَبِّئي اللوزَ
مضى وقتُ الهُجوعِ

وَسَرى في الرُّبى دفءُ الحياةِ
فهوى الجليدُ
رِغامَ الشِّتاءِ الصَّريعِ

وَصَحَا سَلسَلُ البقاءِ فَهُبِّي
رَدِّدِيْ الرَتْمَ مُنَغَّمَ التَّوقيعِ

أيقظي النَّورَ تولَّى شتاءٌ
زمجرتْ فيه العواصفُ
واستسلمتْ قطراتُ النَّدى للصقيعِ

مُدِّيْ الجوانح واغتسلي بشعاعٍ
تسللَ قبلَ انصرامِ الدياجيرِ
في راحلاتِ الهزيعِ

حلقي إلى سامِقاتِ الأماني
غَنِّي أنشودَةَ الوَجدِ دِفئاً
وطلاً يُضَمِّخُ وَجْهَ الصَّباحِ البديعِ

أيتها القُبُّراتُ تعالينَ نُنْشدُ لحناً
توضَّأ بالفرحِ تحيى له
نازفاتُ الوجيعِ

أقبلنَ نرتادُ حُضنَ الحُقولِ
نقبسُ من عابقاتِ الأزاهيرِ
سِرَّ الذُيوعِ

غَرِّدْنَ للأقحوانِ
فيضحكُ بعدما أطبقَ فَرَقاً
من قُطْرُبِ الداجياتِ المُريعِ

وقهقه من ضِحْكِهِ كَرَوانٌ
توارى استراقَ الخميلِ
تَعَانَقَ في صَفحَةِ اليُنبوعِ

يا عاطرَ اللوزِ هذا أوانُ الغِواية
فاغوِ الصبايا يغنينَ
للقمحِ والأمنياتِ
فتهفو السنابلُ شوقاً
إلى الأنجمِ الواعداتِ
تميس ممالَ الهوى و الولوعِ

وضِعْ يا بنفسجُ حزناً
كلونِ التياعِ المَشُوقِ
ونَوْحِ القماري
على غُصْنِ سِدْرٍ نضِيْدٍ
وأيكٍ خَضِيدٍ
بِشَظْفِ الصّحاري
ولونِ اختضابِ الاماسي
بَكَتْ آفلاتِ النهارِ
وصمتِ الدياجير بينَ الربوعِ

واعبقْ أيها المنثورُ دلاً
كغيدٍ كساها الدلالُ افتتاناً
فأضفتْ على الدَلِّ حُسْنَ الصَّنيعِ

يا زنبقُ اشمخْ و تِهْ كالصبايا
يناجينَ في الأمسياتِ المرايا
لعلَّ الحكايا ...تُصَفِّدُ نَبْضَ الثواني
وتمضي بفيفِ الأماني
بجنحَي خيالٍ مطيعِ

ويا (بَخْتَرِيُّ) برَوَّاسِ حسنك
باها نَوارٌ و باها جوارٌ
تبخترتَ ميلَ الهوى
أم تَخَلَّعْتَ بالحسنِ مَيْلَ الخليعِ!

ويا نرجِسُ ازهُ نقاءً ونسكاً
تَبَتَّلْتَ حتى عَلاكَ اصفرارٌ
تُحدِّثُ عنكَ الحكايا
وتختال بين الصبايا
رسولَ الهوى بين رعشة جنحٍ
وخَفقِ ضُلوعِ

وها مُتَّ عِشقاً
أأغواكَ نَهدٌ وأخفاك حنواً ؟
وما كانَ ذَنبُك في العِشْقِ
غَيْرَ الشُرُوعِ!

ويا (عاشقَ الشَّمسِ) أبْلَيْتَ نُسكاً
تضوعْتَ طيباً وأشرقتَ صُبحاً
مُحِبٌ تَبَتَّلَ عِشقاً
فأهدى له الرَّبُّ حُسنَ الحبيب
وقد شاخ وجداً بمحرابِ عشقٍ
أسيرَ الركوعِ

وما الجُلُّنارُ سوى الغيدِ لما
عَشِقنَ استراقاً وذُبْنَ اشتياقاً
فطافَ على الخَدِّ حَرُّ النَّجيعِ

وما زلتَ يا نَوْرُ تغري
فمالَ الفؤادُ وذابَ التياعاً
كما ذابَ في النارِ
صَبُّ الشُّموعِ

وها جِئتُ يا قُبُراتُ
أغني المواجيدَ بين الضُلوعِ

لكنه لا جناحَ لديَّ
فرفَّ القصيدُ بجنحٍ تغنى
وَرَعْشَةِ رُوحٍ تُحَلِّقُ
في ساكناتِ الهجوع.