هذه القصة الظريفة قرأتها في كتاب "الروض العاطر في نزهة الخاطر" للشيخ النفزاوي (من الجزائر) فأحببت أن أنقلها لكم وهي تتحدث عن البهلول والذي شُوهت صورته إعلامياً ومن باب العلم البهلول يعتبر من أذكى رجالات عصره، وإليكم القصة


( حكي ) أن المأمون كان في زمانه ومملكته رجل مسخرة يقال له بهلو ل. وكان كثيرا ما
يتمسخر عليه ا لسلطان والوزراء والقوا د. فدخل ذات يوم على المأمون وهو في حكومته فأمره
بالجلوس. فجلس بين يديه فصفع عنقه وقال له ما جاء بك يا ابن الزانية. فقال بهلول أتيت لأرى مولانا نصره الله. فقال له المأمون ما حالتك مع هذه المرأة الجديدة ومع القديمة ؟ وكان بهلول قد تزوج امرأة على ام رأته الجديدة، فقال لا حاجة لي مع القديمة ولا حاجة لي مع القديمة. ولا حالة لي مع الفقر فقال المأمون يا بهلول فهل قلت في ذلك شيئا ؟ فقال نعم. فقال المأمون أنشدنا ما قلت في ذلك. فقال:
الفقر قيدني والفقر عذبني
والفقر صيرني في أشد الحال
والفقر شتمني والفقر أهلكني
والفقر شمت بي بين أجيال
لا بارك الله في فقر يكون كما
فقري فقد شمت في جميع عذالي
إن دام فقر وكابدني ومارسني
لا شك يترك مني منزلي خال
فقال له وإلى أين تذهب ؟ قال إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وإليك يا أمير المؤمنين فقال
له أحسنت فمن هرب إلى الله ورسوله قبلناه ثم قال فهل قلت في زوجتك وما وقع بينكما شعرا ؟ قال
نعم. فقال المأمون اسمعنا فأنشد:
تزوجت اثنتين لفرط جهلي
فما أشقاك يا زوج اثنتين
فصرت كنعجة تضحي وتمسي
تعذب بين أخبث ذئبتين
فقلت أكون بينهما خروف
أنعم بين ثدي نعجتين
لهذه ليلة ولتلك أخرى
عتاب دائم في الليلتين
رضي هذه يهيج سخط هذى
وما أنجو من إحدى السخطتين
فإن شئت أن تعش عبدا كريما
خلي القلب مملوء اليدين
فعش فردا فإن لم تستطعه
فواحدة تقوم بعسكرين
فلما سمع المأمون شعره ضحك حتى استلقى على ظهره. ثم أحسن إليه وخلع عليه ثوبا مذهبا.
فسار بهلول مشروح الخاطر فاجتاز في طريقه على منزل الوزير الأعظم وإذا بجارية تنظر من أعالي قصرها وعندما رأت بهلولا قالت لوصيفتها هذا بهلول ورب الكعبة! أرى عليه ثوبا مذهبا، فكيف أحتال عليه وآخذه منه ؟ فقالت لها وصيفتها يا مولاتي إنك لا تستطيعين أخذه. فقالت للجارية أحتال عليه وآخذه. فقالت الوصيفة يا مولاتي إنه رجل حازم، فالناس يزعمون أنهم يضحكون عليه وهو يضحك عليهم. اتركيه يا مولاتي لئلا يوقعك في التي تحفر له. فقالت الجارية لا بد من ذلك ثم إنها أرسلت إليه الوصيفة فقالت له إن مولاتي تدعوك. فقال على بركة الله فمن دعاني أستجيب له.
ثم قدم عليها فسلمت عليه وقالت: يا بهلول إني فهمت عنك إنك أتيت لتسمع الغناء. فقال أجل.
وكانت الجارية مغنية عظيمة. فقالت له وفهمت عنك إنك بعد سماع الغناء تريد الطعام. فقال نعم. فغنت له صو تا عجيبا ثم قدمت له الطعام والشراب. فأكل وشرب. ثم قالت له يا بهلول فهمت عنك إنك تريد أن تنزع الحلة التي عليك وتهبها لي. فقال بهلول يا مولاتي على شرط لأنه فات مني يمين لا أهبها إلا لمن أفعل معه ما يفعله الرجل بأهله. فقالت له أتعرف هذا يا بهلول ؟ فقال لها وكيف لا أعرفه! فوا الله إني لأعرف الناس به وأنا أعلمهم وأعرفهم بحقوق النساء وبنكاحهن وحظهن وقدرهن، ولم يعط يا مولاتي للمرأة حقها في النكاح غيري.
وكانت حمدونة هذه بنت المأمون زوجة الوزير الأعظم وحاجبه صاحبة حسن وجمال وقد
واعتدال وبهاء وكمال لم يكن في زمانها أفيق منها في حسنها وكمالها إذا رأتها الأبطال تخشع وتذل وتخضع أعينهم في الأرض خوف فتنتها لما أعطاها الله من الحسن والجمال، فمن حقق نظره من الرجال فيها أفتتن. وهلك على يدها أبطال كثيرة. وكان بهلول هذا يكره الاجتماع معها فترسل إليه ويأبى خوفا من الفتنة على نفسه. فلم يزل كذلك مدة من الزمان إلى ذلك اليوم حين أرسلت إليه فأتاها كما ذكرنا أول مر ة. فجعلت تخاطبه ويخاطبها وهو مرة ينظر إليها ومرة يقع بصره في الأرض خوفا من الفتنة. فجعلت تراوده على أخذ الثوب وهو يراودها على أخذ ثمنه فتقول وما ثمنه ؟ فيقول الوصال فتقول له أتعرف هذا ؟ فيقو ل: أنا أعرف خلق الله تعالى به وحب النساء من شأني ولم يشتغل بهن أحد مثلي. وقال يا مولاتي إن الناس تفرقت عقولهم وخواطرهم في أشغال الدنيا، فهذا يأخذ وهذا يعطي وهذا يبيع وهذا يشتري إلا أنا ليس لي شغل أشتغل به إلا حب الناعمات أشفي لهن الغليل. فتعجبت وقالت له هل قلت في ذلك شعرا ؟ فقال نعم قلت في ذلك. وأنشد يقول :
تفرقت الناس في شغل وهي شغل
وفي انبساط وفي قبض وفي جسم
وفي اضطراب وفي فقر وثمت وفي
غناء مال وفي أخذ وفي نعم
إلا أنا ليس لي في ذاك منفعة
في التركان ولا في العرب والعجم
ولا غرامي إلا في النكاح وفي
حب النساء بلا شك ولا هم

ان شاء الله أعجبتكم القصة
ودعائي ربي يفرحني بكل عازب بزوجة صالحة وكل عازبة بزوج صالح ويجعلكم من ورثة جنة النعيم
آمين يا أرحم الراحمي

منقول