ضرورة العروض للمطرب والملحن والشاعر
http://www.fnkazem.net/vb/showpost.p...22&postcount=1
عبدالغني طليس الحياة - 04/11/07//

مشكلتان في أغنية «مدينة الحب» لكاظم الساهر: الأولى في النظم الشعري الذي وَضَعَه كريم العراقي. والثانية في اللحن الذي وضعه كاظم نفسه. فكريم شاعر باللهجة العامية وله أغان جميلة جداً ملأى بالصور المقطوفة من عاطفة عميقة ورؤى شعرية، وقد يكتب بعض القصائد باللغة الفصحى، أما في قصيدة «مدينة الحب» التي أرادها كلاسيكية على وزن البحر البسيط فقد ارتكب عدداً من الأخطاء العروضية التي لا تجوز لا في جوازات البحر الشعري المذكور ولا في أصوله. ولعل أكبر الأخطاء كان في اعتماد تفعيلة «متفاعلن» مكان «مستفعلن» أو مكان «مفاعلن» سواء في أول الشطر أو حتى في متنه مرات وفي عدد من الأبيات، بصورة يبدو الأمر فيها خطأ غير العارف بما يكتب من الكلمات وبما هي موسيقاها اللفظية أكثر مما هو خطأ يبحث صاحبه عن جوازات معينة لتفعيلات البحر البسيط.

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

فهل كان ينبغي ان يعرض كريم العراقي قصيدته على شاعر متخصص بالشعر العمودي قبل ان يسلمها إلى كاظم الساهر؟.. أم كان على الساهر ان يعرض القصيدة على متخصص بمعرفة العروض الشعري قبل تلحينها أو تسجيلها؟! ببساطة: كان على كريم العراقي ان «يتواضع» فيطلع شاعراً عمودياً على ما كتب تلاقياً للأخطاء العروضية المتكررة في «مدينة الحب»، وهو لم يفعل ربما لأنه لم يرغب في «كشف» قلّة معرفته بالشعر الكلاسيكي العربي أمام شاعر «زميل»، فكانت النتيجة انه كشف قلّة معرفته تلك أمام ملايين الأشخاص الذين سمعوا الأغنية – القصيرة، ثم رأوها على فيديو كليب، فكانت مشكلته أكبر وأوسع.

وببساطة أكبر: كان على مغن كبير مثل كاظم الساهر، وعلى رغم ثقته العميقة بشاعرية صديقه كريم العراقي، أن يسأل من لديهم خبرة في كتابة القصيدة العمودية ولو على سبيل المشورة، لا أن يكتفي بمعرفته الشخصية بشاعرية العراقي وقد تبين انها في حاجة إلى تدقيق أكبر على الأقل في الأوزان الشعرية لا في الصور ولا في الأفكار...

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

ومن دون ان يدري الساهر ولا العراقي وقع الاثنان في خطأ، غير مقصود طبعاً، لكنه يحمل طابع التكرار الغريب وفي أكثر من بيت في قصيدة واحدة ذات مضمون وطني وإنساني رقيق كان من الطبيعي توقع اهتمام الإعلام بها ليس مضموناً فقط لموضوع وصورة، بل أيضاً كشكل وتركيب لفظي. وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فإن قصيدة «مدينة الحب» لا بد من أن تقارن، ومن دون أي تعمد، بقصيدة «ليلى» مثلاً، وتحديداً في الشأن العروضي، لتبرز حرفية شاعر قصيدة «ليلى» أمام ركاكة شاعر «مدينة الحب» – وتكراراً – في الشأن العروضي لا في أي مجال آخر – ذلك ان هذه المقالة لا تناقش النص الشعري ككل لـ «مدينة الحب» بقدر ما تعرض مشاكل «النص» العروضي فيها بما «جرح السياق الموسيقي الداخلي للأبيات...

ان هذا النوع من الأخطاء ليس جديداً في الأغنية العربية، وأحياناً يتم ارتكابه من فنانين كبار، بل كبار جداً، ومن دون انتباه، مثل ما حدث مع الفنان محمد عبدالوهاب عندما لحّن وأدّى قصيدة غنائية بعنوان «أغار من قلبي» وفيها أخطاء عروضية وحتى أدبية، ومع ذلك احتلت الأغنية – القصيدة مكاناً واضحاً في تجربة عبدالوهاب – كمغن وملحن معاً.

هل ينتبه الجمهور ، بغالبيته، لهذه الأخطاء؟!

طبعاً لا، لأنها أخطاء لا يدركها إلاّ العارفون بالبناء الشعري العمودي وهم قليلون في مقابل الكثرة الساحقة التي تتعامل مع القصائد الغنائية بفطرة أو بعمق من دون دراية بالأوزان. لكن مسؤولية الشاعر والملحن والمغني، خصوصاً عندما يكونون على شهرة ونجومية ألاّ يسجلوا على أنفسهم و «للتاريخ» سقطات من هذا الوزن.