هكذا تكف الولايات المتحدة عن عدوانها

محمد اسحق الريفي

لم تغير إدارة أوباما السياسية الأمريكية تجاه قضية فلسطين، وهي سياسة عدوانية تنكر حقوق الشعب الفلسطيني، وتدعم الكيان الصهيوني في عدوانه المتواصل عليه، ولن تغير الولايات المتحدة هذه السياسة ما لم نغير نحن العرب والمسلمين نظرتنا إليها وتعاملنا معها، بطريقة تضر بمصالحها وتضعضع نفوذها في منطقتنا.

في البداية، أحث القارئ الكريم على قراءة مقال مهم كتبه أستاذ الإنسانيات ومدير الدراسات العربية في جامعة سفك–بوسطن، منير العكش، بعنوان "أنكل أوباما ولسانه المشقوق"، والذي سلط فيه الضوء على شخصية أوباما ونهجه السياسي، وبين فيه بموضوعية أن السياسة التي ينتهجها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني هي السياسة ذاتها التي ينتهجها الأمريكيون ضد الهنود الحمر، وهي سياسة عنصرية استعمارية تقوم على أساس التطهير العرقي للهنود الحمر، تماماً كما تقوم السياسة العنصرية الصهيونية على أساس إنكار وجود الشعب الفلسطيني وتهجيره من أرضه بالعنف والإرهاب. وبين الأستاذ العكش في مقاله المذكور، بما لا يدع مجالاً للشك، أن أوباما ينتهج سياسة جورج بوش الصغير تجاه قضية فلسطين.

ومما ورد في المقال ما يرويه أوباما أنه كان في جنوب أفريقيا حين اعتدت (إسرائيل) على لبنان عام 2006، فألقى خطاباً بتلك المناسبة جاء فيه: "لا يخطرن ببال أحد أن أميركا ستقف موقفاً ألطف من موقف جورج بوش عندما يتعلق الأمر بأمن (إسرائيل)... ولا يتوهمن أحد بأنه سيجد في ظل رئاستي أي موقف أقل صلابة بأمن (إسرائيل)." هذا ما يرويه أوباما عن توجهاته ومواقفه السياسية، وهو ما تصدقه مواقف والولايات المتحدة وسياساتها وممارساتها المعادية للشعب الفلسطيني. وهو ما تصدقه مشاركة الولايات المتحدة للعدو الصهيوني في التخطيط لجرائمه التي تستهدف الشعب الفلسطيني، والتي ليس آخرها مذبحة مرمرة، ومحاصرة غزة، والتنكيل بالضفة. وقبلها حرب الرصاص المصبوب على غزة (2008) والحرب الصهيونية على لبنان (2006)، ناهيك عن حروب الولايات المتحدة وحلفائها في حلف الناتو ضد العراق وأفغانستان، ولا تزال قوات الناتو تبطش بالأفغان إلى هذا الوقت.

تؤكد هذه الغطرسة والسياسة العدوانية الأمريكية على ضرورة تغيير نهجنا في التعامل على المستوى الشعبي مع الولايات المتحدة، وعلى ضرورة التخلص من نظرتنا التقليدية إليها على أنها دولة صديقة للعرب والمسلمين، فالولايات المتحدة أصبحت اليوم العدو الأول لنا، والكيان الصهيوني يليها في العداوة، لأنه يمثل قاعدة عسكرية غربية في قبل العالم العربي، ثم تأتي بعد ذلك في العداوة الأنظمة الرسمية المتواطئة مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.

وحتى يتسنى لنا التغيير المطلوب، لا بد من التخلص من الفكرة المخدرة للعقل وهي أن الأنظمة العربية الخانعة للولايات المتحدة ترفض السماح بتنظيم فعاليات شعبية مناهضة للأمريكيين والصهاينة، وأنها تقمع كل من يحاول ذلك. هذه الفكرة شلت القوى السياسية والدينية في العالم العربي، التي اتخذتها ذريعة لتخاذلها، وهي ذريعة قبيحة، لأن فيها تنصل من المسؤولية، وتبرير للتقاعس عن نصرة فلسطين، وتكريس للعجز العربي. إن مناهضة الولايات المتحدة ومحاربتها في كافة الميادين ضرورة ذاتية وفريضة شرعية، فهي الداعم الأكبر للكيان الصهيوني والحامي لأمنه، وهي التي تعطل القرارات الدولية الصادرة ضده، وتميع لجان التحقيق في جرائمه، وتحبط أي محاولة أممية للتنديد به أو فرض عقوبات رادعة له.

حركت الولايات المتحدة في الأسبوع الماضي قطعاً نووية من أسطولها في مياه منطقتنا، لطمأنة الكيان الصهيوني وتهديد تركيا وإيران وسوريا ولبنان، وللتأكيد عملية على أهمية أمن الكيان الصهيوني لها. أليس هذا إمعان في الغطرسة والاستهتار بأمتنا؟ إن الولايات المتحدة لا تكف عن التأكيد بشتى الوسائل على أن الكيان الصهيوني هو الحارس لمصالحها في منطقتنا، وأنها تعد المساس بأمنه خطاً أحمر يستوجب تدخلها العسكري، غير أنها لن تستطيع فعل ذلك، فأمريكا اليوم ليست أمريكا الأمس.

الولايات المتحدة ضعيفة الآن، وهي كاللص المحتال الذي انكشف أمره، وأُدميَ أنفه، وخسر أمواله، وانهارت قواه، فأسند ظهره على حائط العرب (الرسميين) المعتدلين، ليلتقط أنفاسه، عله يسترد عافيته، ويجد من يقف معه ويبرئه من جرائمه ويجمل وجهه القبيح. أما كلبه (إسرائيل)، فقد ملأ الرعب كيانه، وأصبح طريداً مشرداً، وتنهال الحجارة عليه من كل اتجاه، وعاجز عن الدفاع عن نفسه، وأصبحت حمايته عالة على اللص المحتال. لقد بدأ أحرار هذا العالم يجدون في التنديد بالكيان الصهيوني على جرائمه وسيلة للتعبير عن رفضهم للسياسة الإمبريالية الأمريكية، ولتورط الدول الغربية في دعم العصابات الصهيونية المجرمة.

إن الحل الأمثل من وجهة نظري للتخلص من الكيان الصهيوني ليس بمواجهته عسكرياً في حرب إقليمية الآن، بل هو تهشيم أنف الولايات المتحدة، ووضعها على رأس قائمة أعدائنا، والعمل بكل الوسائل على محاربة مصالحها ونفوذها في منطقتنا. وبهذه الطريقة يتحول الكيان الصهيوني إلى عبئ ثقيل على الولايات المتحدة، ونقمة على الغربيين الذين زرعوه في قلب العالم العربي والإسلامي، فيضطرون إما إلى خوض حروب هم فيها الخاسر الوحيد، وإما تغيير سياستهم العدوانية ووقف دعم الكيان الصهيوني المجرم.

وهناك محفزات تشجعنا على محاربة النفوذ الأمريكي في منطقتنا، وهي صحوة العملاق التركي، وتمرد إيران، وصحوة الضمير العالمي، وصحوة أمتنا، ووجود حالة مقاومة عصية على الانكسار في غزة (حماس) وفي لبنان (حزب الله)، وتفاقم أزمة العلاقات العامة للكيان الصهيوني وفقد جيشه قدرته على الانتصار.

24/6/2010