هشام سليمان**
غطاء الخرز الكهروشمسي
هل يأتي اليوم الذي لا تدفع فيه فاتورة كهرباء للمنزل أو للشركة؟ أو تسير بسيارة شمسية عملية وأنيقة وسريعة ولا تشبه لعب الأطفال؟ أو تسمع الكاسيت في الخلاء أو حتى تستخدم حاسبك المحمول، وأنت خالي البال من هم البطارية ومصدر الكهرباء؟ الإجابة الأقرب على كل هذه التساؤلات هي: نعم، فما زال في جعبة تطبيق التقنية التي تلبي وتحقق هذه الأماني الكثير.
وعن قريب ستكتسي المباني بغطاء مرن يشبه قماش الدينم "Denim" الذي تصنع منه ملابس الجينز، يحول الطاقة الشمسية لكهرباء تنير تلك البنايات، وتزودها بالكهرباء اللازمة لتشغيل الأجهزة الكهربية التي بها.
وحسب الشركة Spheral Solar الكندية التي تنتج ذلك الغطاء "المنتج للكهرباء" فإنه يمكن أن يلف ويدور حول أي سطح؛ ما يعني أنه قد يكسو عددا لا حصر له من الأجهزة الكهربية ويمدها بالطاقة اللازمة لتشغيلها في الخلاء دون الحاجة لبطارية، أو أي مصدر آخر للكهرباء.
طبعا، فكرة الخلايا الشمسية ليست جديدة، لكن التطبيق هنا مختلف وثوري؛ لأنه يقلب مفاهيم التصقت بتوليد الطاقة الكهربية وصارت لازمة لها، وتستدعي للذهن على الفور شكل الخلايا الكهروشمسية المسطحة الزجاجية الهيئة، ذات الزوايا الحادة، وفي النهاية المعملية الطابع، بمعنى أنها تصلح للتطبيق في المعامل والمختبرات، ولا يقبل المستخدم العادي على تطبيقاتها المتاحة حاليا لتكلفتها المرتفعة وغرابة أشكالها، فضلا عن ضيق مدى الاستفادة من هذه التطبيقات في حياتنا العملية.
فالخلايا الكهروشمسية التقليدية ذات طبيعة صلبة "rigid" قابلة للكسر، وعادة ما تتكون من رقائق سيليكون مرتبطة بطبقة زجاجية، وليست هشاشتها هي القيد الوحيد الذي تفرضه على أي باحث يريد دمجها في أي تطبيق، ولكن وزنها الثقيل، وسطحها المستوي يزيدان من هذه القيود.
أما المادة الجديدة فعلاوة على قابليتها للطي والالتفاف حول أي سطح، فهي رخيصة التكلفة، ومرنة وبالتالي لا تحتاج لعناية خاصة أو رعاية فائقة لتجنيبها الكسر، ويرجع ذلك لاستبدال رقائق السليكون الصلبة بآلاف من الخرز السيليكوني "Silicon Beads" الصغير جدا، مرصوصة في شكل صفوف متتالية؛ يشبه الصف منها عقدا من الخريزات الدقيقة، يضمها لبعضه البعض ويحصرها من أعلى وأسفل طبقتان رقيقتان للغاية من ورق الألومنيوم "Aluminium Foil".
هذه الصفحة غير المتماسكة من العقود المرصوصة بجوار بعضها البعض يقيها من الانفراط طبقتان رقيقتان من البلاستيك الشفاف المنفذ للضوء، والمرن في نفس الوقت، ويغلفان طبقتي الألومنيوم.
هنا تعمل كل "خريزة سليكونية" كخلية شمسية صغيرة جدا، تمتص ضوء الشمس وتحوله لكهرباء، ويقوم الألومنيوم بتجميع هذه الكهرباء وتوصيلها في نهاية الأمر لمجمع لها، يعد المقبس الذي يزود الجهاز الكهربي أو المبنى بالكهرباء.
وغني عن البيان أن شركة Spheral Solar تتحرق للعام المقبل، حيث ينتظر أن تطرح باكورة إنتاجها من هذا "power Denim" لتجني مكاسب سنوات طويلة -نسبيا- من تنفيذ تلك الفكرة وتنقيحها، بعد أن فازت ببراءة "المفهوم" الخاص بها عام 1997، وهي تتغنى برخص وتجدد الطاقة التي توفرها تلك التقنية، ومتانة المنتج نفسه وطواعيته في الاستخدام لأي غرض، والحق أنها في ذلك محقة.
تدوير للسيليكون
وتأتي ميزة رخص تكلفة التصنيع لهذه التقنية من اعتمادها على نفايات صناعة رقائق السيليكون المستخدمة في الأجهزة الكهربية والإلكترونية، واستخدام مواد أولية رخيصة مثل السيليكون والألومنيوم والبلاستيك، وعدم استخدام أي عناصر نادرة أو مرتفعة التكلفة، إضافة لاعتماد أساليب غير مكلفة في التصنيع.
ومن خلال الجمع بين الطرق الكيماوية والميكانيكية، يتم إذابة السليكون الذي تم فرزه من تلك النفايات وتنقيته، ثم إعادة تشكيله مرة أخرى في شكل كرة قطر الواحدة منها ملليمتر فقط "خريزة"، يغطي ثقب لب هذه الخريزة بذرات عنصر البورون "Boron"، ليتكون القطب الموجب للخلية، وبصب غلالة رقيقة من ذرات مادة فوسفورية على السطح الخارجي السفلي للخريزة، يتكون القطب السالب لها.
وفيما يتدفق فائض الإلكترونات من القطب السالب للخلية إلى قطبها الموجب، ينشأ مجال كهربي يجذب بدوره الإلكترونات التي تنتج عن تحلل الفوتونات الضوئية التي قام السيليكون بامتصاصها عند وقوع ضوء الشمس عليها.
وحيث تؤدي آلاف الخلايا نفس العمل، تقوم طبقة الألومنيوم بتوصيل هذه الإلكترونات ببعضها البعض وينشأ تيار كهربي، يتم تجميعه للاستخدام في أي غرض. هنا ينبغي الإشارة إلى أن السطح المستدير للخلية وغير المستوي لإجمالي الصفحة "photovoltaic sheet"، يزيد إلى حد كبير السطح المتعرض للشمس، ما يعني أن التقنية تستخلص بذلك الأسلوب أكبر طاقة ممكنة من خلية كهروشمسية.
يتبع
تطبيقات المستقبل
مبنى شمسي
غالبا ما يبتعد تصورنا للأشكال المعتادة للبنايات التي تستمد طاقتها الكهربية من الخلايا الكهروشمسية، عما ألفه الإنسان في أنساق المباني على اختلاف العصور والأماكن، وتقترب من فانتازيا أفلام الخيال العلمي، أو واقعه الماثل في الصوب الزجاجية كما هو واضح بالصورة التي على الشمال، لكن باستخدام الخرز الكهروشمسي يمكن الاحتفاظ بالطابع الذي يمكن وصفه هنا بـ "الإنساني"، فضلا عن اللمسة الجميلة.
بأي لون، وأي شكل، وأي نسق؛ يمكن أن تكسو ألواح الخرز الكهروشمسي المباني، وساعة أن يشحذ فنانو التصاميم المعمارية أزناد عقولهم قد لا يقف عائد كسوة البنايات بتلك الألواح عند إمدادها بالكهرباء -وهو هدف جليل عند الكثير- بل ستخرج إلى الوجود بنايات ذات واجهات وأسطح جميلة الشكل وأخاذة المنظر تجمع الجمال والعملية.. والتوفير، كما يبدو -في الصورة على اليمين- ذلك المبنى المكسو تماما بألواح الخرز الكهروشمسية الملونة المرنة
أما إذا أصر صاحب البناية أو مصممها على الطابع الذي ألفه الإنسان، فإن قرميد سطح المنزل نفسه قد تكسوه ألواح الخرز الكهروشمسي وتلصق به، وتصبح جزءا لا ينفصل عن شكل القرميد دون أن تلحظه عين، وبالرغم من ظهور المنزل من بعيد عاديا لا جديد فيه، فإنه ينعم بطاقة رخيصة ونظيفة، ومتطورة (الصورة يميناً)، ليس كسابقه الذي كانت تشوه منظر الخلايا الشمسية (الصورة يساراً).
أما في مجال السيارات التي تسير بالطاقة الشمسية فإن معظم المحاولات التي تمت حتى الآن لا تخرجها من حيث الشكل عن دمى الأطفال أو سيارات أفلام الكارتون، والأهم في هذا السياق هو محاولة توفير أكبر مسطح للخلايا الكهروشمسية العادية حتى يمكن ضمان أكبر مساحة معرضة لضوء الشمس؛ ما يعود على شكلها بالهزلية والعبثية.
ومن حيث المضمون فهي بعيدة تماما عن العملية، فليست بأي حال السيارة التي اعتدناها، فلا هي تسع الأسرة حيث تفتقد لمقاعد غير مقعد القائد، ولا حقيبة خلفية بها تحمل داخلها الأمتعة، ثم إنها في النهاية بطيئة، ولا تصلح لقضاء الحوائج، وقطع مسافات الأسفار.
أما باستخدام ألواح الخرز الكهروشمسي فالسيارة كما تبدو في الصورة المقابلة سيارة عادية جدا، وتستطيع الألواح من حيث الشكل المحافظة على خصائص السيارة المعنية بديناميكا الهواء "aerodynamics"، التي يوليها مصممو السيارات عناية فائقة في السيارات الحديثة، وبالطبع هي محل ترحيب من كل المعنيين بالحفاظ على نظافة وسلامة البيئة، وموفرة لأموال صاحبها، وراحة باله من أسعار الوقود ونفاذه، وحل مثالي للنقل في البلاد المشمسة. وهي مميزات تجتمع سويا لتعد بسوق رائجة.
باختصار دعونا ننتظر الوقت الذي تخرج فيه بواكير هذا العمل الخلاق، وسحقا للخلايا الكهروشمسية المتاحة حاليا وتطبيقاتها التي تشبه في طابعها "ماكيتات أفلام الفضاء" السينمائية المستوحاة من الخيال العلمي الجامح، ولتخلو المدن من التلوث البيئي المنغص للحياة بكوكب الأرض، بطاقة متجددة، رخيصة، متينة، ومرنة
من قول من موقع الاسلام اون لا ين
لرؤية الصور تابع المرفق