مقالي في القدس العربي اليوم
لماذا ينتحر السوريون؟… وهل يختلف الانتحار يأسا عن الانتحار حبا؟
القدس العربي - محمد إقبال بلو
لم تعد مجرد حوادث عادية، بل أصبحت حالات متكررة تزايدت وتيرتها خلال العام الجاري. فعدد من الشبان السوريين أقدم على الانتحار مؤخرا، ليكون قتل النفس وإنهاء شخص لحياته بيده، وبعد اتخاذ قرار حاسم بذلك، أمرا غريبا لم يكن ضمن المشاهد التي نراها في المجتمع السوري. ذلك المجتمع الوسطي الذي يحمل مستويات مختلفة من العقيدة الإسلامية التي تصنف الانتحار على أنه إحدى الجرائم الكبيرة التي يرتكبها المرء بحق ذاته، إذ أنه وحسب التعاليم الدينية لا يحق للمرء إنهاء حياته كونها ليست شيئا خاصا به بل هي ملك لله عز وجل.
شهد عام 2015 العديد من حالات الانتحار نفذها شبان سوريون معظمهم يقيم خارج حدود البلاد التي دمرت الحرب مدنها وقراها، واستباح الفقر أهلها، وتحول المشهد برمته إلى مشهد دموي يخلو من الحياة الإنسانية الطبيعية، وغصت دول الجوار باللاجئين السوريين الذين يعيش معظمهم في ظروف من الفقر والعوز ويتعرضون لضغوطات نفسية البعض أصبح عاجزا عن تحملها.
منذ أيام قليلة أقدم أحد الشبان السوريين في مدينة أنطاكيا التركية على الانتحار بإلقاء نفسه في نهر العاصي الذي يمر وسط المدينة ضمن مجرى عميق يزيد عمقه عن 20 مترا، إلا أن مستوى المياه في النهر قد لا يتجاوز في أيام الصيف هذه مترا واحدا. وتواردت أنباء مختلفة ومتباينة الرؤى والتحليلات حول انتحار الشاب، إذ قال البعض أن سبب انتحاره كان خلافا مع حبيبته تطور إلى شجار أدى لأن يقذف الشاب بنفسه إلى النهر منتحرا بعد أن تعرض لانفعال نفسي عنيف. فيما تحدثت أنباء أخرى عن أن سبب الانتحار هو اليأس بعد أن وجد الشاب نفسه مشردا في شوارع أنطاكيا التركية من دون عمل، وعجزه عن تأمين متطلبات الحياة فلم يجد حلا سوى الخلاص بهذه الطريقة.
حالات أخرى مشابهة أشيع أن التوترات العاطفية بين الشبان وحبيباتهم كانت السبب في إقدامهم على الانتحار. إحداها التي حدثت منذ أسبوع تقريبا في مدينة «سلمية» السورية، حيث تحدثت وسائل إعلام سورية عن إقدام طفل لا يتجاوز عمره 14 عاما على الانتحار بسبب تخلي حبيبته عنه، ليفجر نفسه بقنبلة يدوية، ما دفع المتابعين للحادثة للاندهاش حول عمر الطفل العاشق وجرأته على الانتحار. كما كان السؤال الأكثر طرحا عن كيفية وصول طفل بهذا العمر إلى اقتناء قنبلة يدوية. والتفسير للأمر بدا واضحا فالفلتان الأمني في مختلف المناطق السورية سواء كانت تابعة للنظام السوري أو للمعارضة غدا السمة الأساسية السائدة في ظروف الحرب التي تمر بها البلاد.
وفي منتصف آذا/مارس الماضي أقدم شاب سوري على الانتحار في منطقة الجبل الأخضر في العاصمة الأردنية عمان، فشنق الشاب نفسه بعد خلاف حاد مع زوجته وأطفاله كانت أسبابه مادية تتعلق بحالة الفقر والعوز التي تعيشها الأسرة، فكان رب الأسرة من دون عمل وحيث لا مساعدات حقيقية لمعظم اللاجئين السوريين إلا القليل مما تقدمه المؤسسات الإغاثية أو ما تقدمه الأمم المتحدة من مساعدات يتم تقنينها باستمرار.
شاب سوري آخر من حلب قتل نفسه شنقا في منطقة النبعة بلبنان، حيث شنق نفسه احتجاجا على الممارسات القمعية التي يمارسها جنود وعناصر تابعون لحزب الله اللبناني ضد السوريين في منطقة تعتبر من أكثر المناطق إهمالا من قبل الحكومة اللبنانية، يسيطر عليها عناصر الحزب، ويمارسون شتى أنواع «البلطجة» بحسب شهود من المنطقة.
حالات عديدة أخرى لم يتم إدراجها ضمن التقرير لتشابهها مع ما ذكر آنفا، كلها تعبر عن مستويات متباينة من الضغوط النفسية التي يتعرض لها الشبان السوريون، سواء داخل البلاد أو خارجها، وتؤدي في بعض الأحيان إلى وصول الشاب إلى طريق مسدود لا مخرج منه بحسب رؤيته، إلا بإنهاء الحياة للتخلص من المعاناة.
ولكل ما سبق كان لا بد من اللقاء بمختص نفسي يشرح ما يحدث وكيف يحدث، وهل تختلف حالات الانتحار بسبب الفقر والعوز عن حالات الانتحار المرتبطة بالحالة العاطفية، ولماذا لا تشاهد حالات انتحار بين الشابات السوريات، بل تنحصر كلها بالذكور للتخلص من الألم والإحباط.
الاختصاصي النفسي بلال حوا شرح لـ»القدس العربي» بعض الأسباب التي تؤدي إلى ازدياد عدد حالات الانتحار بين الشبان السوريين فقال «لاشك أن الظرف الاستثنائي الذي يعيشه السوريون عامة والفوضى النفسية التي يعيشها الشباب خاصة هي التي بدأت تخلق مثل هذه الحالات. فحالة الضياع عند الشاب السوري بدأت تدفعه إلى ردود أفعال غير محسوبة، وانتشرت حالة العدائية تجاه النفس وتجاه الآخرين، فظهرت الجرائم وكثرت حالات الانتحار.
ويرى الاختصاصي النفسي أنه لا فرق أبدا بين الانتحار حبا، كما عبر عنه وبين الانتحار يأسا، ويؤكد أنه» لا فرق أبدا بين كلتا الحالتين من الناحية النفسية لأن الدوافع مشتركة، وهي الوصول إلى حالة نفسية من الاكتئاب الشديد، وبلوغ أعلى درجات اليأس، في حين قد تبدو الأسباب مختلفة ظاهريا، إلا أنها ترجع للعامل النفسي المتشابه نفسه».
وبحسب حوا، فإن: «عظم الدراسات تشير إلى ارتفاع نسبة الانتحار بين الشباب السوري وهذا يعتبر أمرا طبيعيا في ظروف الحرب وانتشار الدمار على سائر المستويات».
ويعلل الاختصاصي النفسي انعدام حالات الانتحار بين فئة الإناث وانحصارها في الذكور فقط ضمن الحالة السورية بقوله «انتشرت هذه الحالة بين الشبان بسبب الشعور بالعجز الذي يعتبر قاتلا بالنسبة لأي شاب، بينما قد يعتبر أمرا طبيعا بالنسبة للأنثى لأن التكون النفسي للجنسين مختلف تماما عن الآخر، فضلا عن التمييز بينهما في مجتمعاتنا الشرقية التي لا تحمل المرأة مسؤولية أعباء الحياة وتكاليفها المادية».
لا بد أن تبدأ جهود حقيقية فاعلة لاحتواء هذه الظاهرة الجديدة التي بدأت تتغلغل في أوصال المجتمع السوري، قبل ان تنتشر العدوى بسرعة. ويعتقد الشبان، خاصة المراهقين منهم، ان الانتحار هو سبيل النجاة من ألم الحياة ومعاناتها، ويرى حوا أن هذا يحتاج إلى جهود جبارة وتضافر دول لإعادة إعمار النفوس المحطمة قبل المدن والبلدات المدمرة، لأن حجم الكارثة هائل والعودة للصحة النفسية والتخلص من الصدمة تحتاج لفترات طويلة جدا قد تصل إلى سنوات طويلة بحسب الدراسات النفسية العالمية. لكن هناك حلولا سريعة وطارئة تتمثل من خلال دورات إعادة التأهيل النفسي واستثمار طاقات الشباب وإيجاد فرص العمل، للقضاء على حالة الفوضى التي تعتبر منبع المشاكل النفسية في المجتمعات.
محمد إقبال بلو