اغتيال لبنان
بقلم : نيقولا ديب
عندما دخلت سورية مفاوضات مدريد , دخلتها على أساس وحدة المسارات من أجل وحدة الموقف من القضية الفلسطينية ولمواجهة المفاوض الصهيوني بكل أساليبه وطرقه , وقد أثبت آنذاك السيد الشرع ارهابية شامير وبالتالي ارهابية الكيان الصهيوني , لكن الراعي الأمريكي يدرك أن لا تبرير لمغتصب الا بالمناورات واللعب وراء الكواليس , فبدأت آنذاك لعبة فك المسارات , وبدأت أمريكا بنفس الوقت تنفيذ عولمتها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي , ومن تلك الفترة الى اليوم ظهر المفاوض السوري قويا" متماسكا" وممسكا" بالموقف السياسي من القضية المركزية بشكل قوي , لكن المسار القوي الذي بقي مستمرا" دون أن يهتز هو المسار السوري - اللبناني مما شكّل ارباكا" حقيقيا" للمشاريع الأمريكية في المنطقة لأن مركز العولمة وانطلاقتها هو هنا في الشرق الأوسط وسورية لاعبا" أساسيا" فيه , فكان لا بد لهم من فك هذا المسار بالتزامن مع تفريغ انتصارات المقاومة الوطنية اللبنانية من مضمونها وقتل وقتل وقتل تفاهم نيسان وتوطين الفلسطينيين وضرب حق العودة وانهاء الموقف السياسي القومي و الأقليمي لسورية نهائيا" , وهم يدركون أن هذا العمل لن يتم بين ليلة وضحاها , فكان لا بد لهم من بداية ما , فكانت بقتل رفيق الحريري , لكن انتصارات تموز وفشل الجيش الأمريكي في العراق غيّر من الخارطة الجيوسياسية الاستراتيجية في المنطقة مما هدد الكيان الصهيوني وأوقف مشروع الشرق الأوسط الكبير , وبرز بشكل واضح أن الصدام ليس صدام الحضارات بل صدام الاسترتيجيات .
ان الأهداف الأمريكية – الصهيونية لن تتحقق دون استمرار فك المسار السوري - اللبناني , وتجذير هذا الانفكاك بايجاد حالة عدائية دائمة اجتماعية سياسية ضد سورية داخل لبنان , و لن يتحقق هذا بزمن قليل , لذا فان استمرار عمليات الاغتيالات المتقطع تحت هذه الغاية هو لتغيير البنية النفسية في جزء من المجتمع اللبناني وتحويل اتجاهها السياسي ضد سورية وتجذير هذه الضدية , وبالتالي عزل المقاومة الوطنية عن محيطها , وهم يدركون ما يفعلون , يدركون أنهم لا يستطيعون فك رباط التاريخ والعلاقات العائلية المتداخلة بين كلا" من السوريين واللبنانيين وبين السوريين والعراقيين وبين السوريين والأردنيين والسوريين والفلسطينيين , ويدركون أن سورية تشكّل مركزا" هاما" هنا وهناك , وببساطة اذا تابعنا رأي الجنرالات والسياسيين الأوربيين والأمريكان بسورية وشعبها وبتاريخها وبموقعها , وعرفنا أيضا" أن سورية غيّرت المعادلة التي تدّرس في الجامعات العالمية بأنه لا حرب دون مصر ولا سلام دون سورية وأثبتت خطأها , نتيقّن أن سورية هي المستهدفة في النتيجة الأخيرة , فسورية لها حضور ديمقراطي في لبنان دون اغتيالات , وليس لها مصلحة أبدا" بتجذير حالة عدائية ضدها في لبنان , ولكن تجذير العداء هو مصلحة اسرائيلية - أمريكية بالدرجة الأولى ولأن ضرب سورية هو ضرب لصدر العالم العربي ولسيفه وترسه.
استمرت المقاومة قوية صادقة واعية ممسكة بأهدافها وواعية للأهداف المعادية لشعبنا , واستمرت عمليات الاغتيالات داخل لبنان بشكل دقيق ومدروس لاستمرار مناخ اتهام سورية , وآخرها اغتيال النائب أنطوان غانم الذي من أهم صفاته التواصل والسعي الى المصالحة , تلك الاغتيالات التي ستؤدي الى الشرخ الاجتماعي وبالتالي تقسيم لبنان , فتقسيم فلسطين ضرب لحق العودة أما تقسيم لبنان الاجتماعي فهو انهاء لمشكلة التوطين .
لاشك أن 14 آذار قد تم اختراقه من قبل 14 شباط حيث بدأت تقود خلق حالة العداء ضد سورية , ووصلت الأمور الى الدرجة التي لا بد فيها من التأكيد على أن العولمة و الأمركة الصهيونية لا تريد للبنان أن يكون سيدا" ومستقلا" , هذه الشعارات التي تصادرها وترفعها جماعة 14 شباط وأيضا" لا تريد لبنان الديمقراطي كما يدعّون لأن غلبة الحالة التحررية في لبنان ستقود لبنان ديمقراطيا" الى استكمال عملية التحرير , فلا يمكن أن تكون السيادة ضد التحرير ولا أن يكون الاستقلال ضد الأغلبية الشعبية وضد المشاركة في الوطن , وقد أتبتت المعارضة أنها سيدة حرة للاستقلال وأنها هي صاحبة الموقف الوطني الحقيقي .