المؤامرة الكبرى لا بد من الحديث عن مؤامرة كبرى أو تخطيط جهنمي يرجع أساسا إلى بداية الغزو الإستعماري الأوروبي للعالم و الوطن العربي بالذات فكان المستعمرون محكومين بالقانون الرأسمالي أي طغيان قيم الفردية والمنافسة الحرة و الربح المادي و لا شيىء غير ذلك في اعتبارهم فأينما ذهبوا و استولواعلى الأرض و الشعب وحدوا المستعمرات المتجاورة وشعوبها المتنافرة و أقاموا لها إدارة مركزية لتحقيق أفضل الظروف الإقتصادية للربح المادي لفأنقلترا احتلت القارة الهندية فوحدتها إلى أن تحررت فانفصلت دولا و احتلت فرنسا حنوب شرق آسيا ولم تكن موحدة لا سياسيا و لا لغويا فوحدتها تحت اسم الهند الصينية إلى أن تحررت فانفصلت دولا و احتل الإيطاليون الحبشة و أرتيريا و الصومال وجيبوتي و لم تكن موحدة فوحدوها حتى تحررت فانفصلت دولا كل هذا الإتجاه التوحيدي كان خضوعا لقوانين النظام الرأسمالي ولكن الأمر مختلف تمام الإختلاف بالنسبة للأمة العربية وذلك أن الوطن العربي قبل الغزوالإستعماري كان موحدا وتابعا للدولة العثمانية و لكن الإستعمار عمل على تجزئته ففرنسا احتلت تونس و الجزائر و المغرب الأقصى و لكنها لم توحدها كما فعلت في جنوب شرق آسيا و أنقلترا احتلت مصر و السودان و فلسطين و الخليج العربي و لم توحدها كما فعلت في الهند كمااحتلت فرنسا الشام وجزأته .
وقد تكرس هدف التجزئة الإستعماري بشكل آخر عن طريق لجنة خبراء الإستعمار التي اجتمعت بلندن سنة 1907 و قامت بدراسة أفضل السبل التي يجب الأخذ بها في المناطق الخاصة بآسياو إفريقيا لترسيخ قدم الإستعمار فيها وبعد دراسة دامت أكثر من سنة لمختلف المناطق و منها الوطن العربي الذي كان من نصيبه الفقرة التالية ضمن توصيات اللجنة :
" ضرورة العمل على فصل الجزء الإفريقي في هذه المنطقة عن الجزء الآسيوي واقتراح إقامة حاجز بشري قوي و غريب يحتل الجسر البري الذي يربط آسيا بإفريقيا بحيث يشكل في هذه المنطقة و على مقربة من قناة السويس قوة صديقة للإستعمار و عدوا لسكان المنطقة "
فكانت الصهيونية العالمية هي المرشحة للعب هذا الدور فكان وعد بلفور 1917 و إقامة دولة إسرائيل سنة1948 إضافة إلى معاهدات و صفقات برلين 1879 و سايكس بيكو 1916 و سان ريمو 1920 وصولا إلى العدوان الثلاثي 1956 و التآمر على دولة الوحدة بين سوريا و مصر و الإعتداءات الصهيونية و الأمريكية على المنطقة وصولا إلى احتلال العراق بدعوى القضاء على أسلحة الدمار الشامل والغرض من كل ذلك المحافظة على التجزئة و حالة التشرذم بين أقطار الوطن العربي إضافة إلى تشجيع التوترات العرقية و الطائفية كما في لبنان و العراق و السودان والجزائر ومصر وغيرها وهكذا تمكن الإستعمار من ترسيخ التجزئة وأن يخلق منها صيغا للحياة الفكرية و الإقتصادية و الإجتماعية وأن يربط مصير فئات كثيرة في الأقاليم بالتجزئة وجودا وعدما وأن يخلق رموزا لها من الشخصيات الفكرية والإجتماعية والسياسية وغيرها وأن يحرك تيارا فكريا على قدر من القوة يبرز الوجود الإقليمي المستقل و يستند له بالوجود القومي حتى أصبحت الإقليمية ذات مضمون حضاري شعوبي مرتد إلى الطور الإجتماعي السابق .
وهكذا كان الإستعمار الغربي و الحركة الصهيونية و القوى العربية المحافظة السائرة في فلك هذين المعسكرين معاول هدم للحضارة العربية الإسلامية بواسطة التخريب الإقليمي من حيث هي حضارة قومية و بواسطة التخريب العلماني من حيث هي حضارة إسلامية.
الناصر خشيني نابل تونس
__________________
الناصر خشيني نابل تونس
http://naceur56.maktoobblog.com/