جنون البقر وهو عبارة إلتهاب مخ إسفنجي بقري المنشأ (يسبب تثقيب كييسي شبه إسفنجي في دماغ الأبقار) ، ويؤدي إلى سلوك شاذ ، إضطراب حركي ، شلل وأخيرا إلى موت الحيوان . انتشر في أوروبا ولوحظ أولا في الماشية في بريطانيا في 1985 التي تعتمد اعتمادا كبيرا على ثروتها الحيوانية في سهول ومراعي الريف الانكليزي. وعندما أصاب هذا المرض أبقار بريطانيا تم حضر اللحوم والألبان ومشتقاتها من التصدير للخارج وحتى الاستهلاك الداخلي. ومن الإجراءات الهامة في حينه ان المنتجات سحبت من الأسواق وأعدمت. ومن تلك الفترة والأخصائيون مع الجهات الحكومية المختصة لا يألون جهدا في احتواء الأزمة، ومحالة منع تكرارها من إصابة أبقارهم العزيزة مرة أخرى.

بالمقابل ما يحدث في منطقتنا العربية والإسلامية من جنون لم يستطع احد السيطرة عليه. فكلنا نعلم ان حمامات الدم لم تجف بعد، ولا يبدوا ان نهايتها قريبة لا في فلسطين او العراق ولا حتى أفغانستان. على خلاف القرن الإفريقي وسياسة الكر والفر في حروبه المفتعلة. فقد أصبح جنون البقر البشرية بلا رادع ولا وازع حتى مع وجود سياسة الاحتواء الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط وغيرها من الدول النامية.

ومن المفارقات العجيبة أننا أصبحنا نرصد أرقام الجرحى والموتى كل يوم، ونحن نأكل ونشرب ما لذ وطاب ونمارس طقوس أفراحنا في المناسبات الدينية والاجتماعية، على الرغم مما نشاهده من دماء تختلط بأشلاء ودخان الموت. وكأننا أصبنا بغيبوبة المشاعر والأحاسيس الآدمية.

أما جنون البقر البشري على الطريقة الباكستانية فهو ما شاهدناه في كراتشي عند عودة السيدة بناظير بوتو، رئيسة حزب الشعب الباكستاني ورئيسة الوزراء السابقة، فقد قررت العودة لخوض معركة الانتخابات المزمع انعقادها في منتصف شهر يناير القادم، بعد ثمان سنوات من المنفى الاختياري في بريطانيا. قبل سفرها بأيام شاهدت لها برنامج كانت فيه ضيف احد القنوات البريطانية بي بي سي لتتحدث عن عودتها وأمنياتها المستقبلية لبلدها وسياستها المناهضة لسفك الدماء – الإرهاب – ذالك المصطلح الذي أصاب العالم من أقصاه الى أقصاه بجنون من نوع أخر!!

بوتو، استقبلتها باكستان يوم الخميس الموافق 19 اكتوبر 2007م بأكثر من خمسمائة ألف مؤيد ومحب ومرحب بعودتها، فجاب موكبها مدينة كراتشي لأكثر من ثمان ساعات متواصلة لمبادلة الشعب مشاعر الفرحة بعيد الفطر وفرحة عودة الزعيمة السابقة بكل حب ومودة.ولكن في المقابل كان لابد من جنون حيواني في الطرف الأخر لتستكمل سيناريو فيروس الحقد والبغض والكراهية والانتقام المنغرسة في عقول عشقت رائحة الدماء واللحوم البشرية المهترية والمحترقة.

فيروس جنوني أصاب شابان متطوعان غرسا بين الحشود المتراكمة، المهللة والمبتهجة. ليقومان فجأة بتفجير نفسيهما بدون رادع ولا وازع ديني او أخلاقي. وبلا مبالاة تطايرت جسدا الشابان لتلف معها فرحة الحشود لتصبح دماء وأشلاء بريئة. وتحولت ، الفرحة في عيونهم الى عويل وخوف ورعب. وأصبح الكل يصرخ ويبحث عن طريق او سبيل او حبيب او صديق او قريب بين نيران ودخان ورائحة الموت التي انتشرت بين فرحتهم المسلوبة .

يا له من عيد ويا لها من فرحة!!! والسبب محاولة اغتيال فاشلة للزعيمة راح ضحيتها ما يزيد عن 136 قتيل وإصابة أكثر من 500 في ليل كراتشي الدامي.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه، أيعقل ان يقتل العشرات ويصاب المئات وتتشرب الأرض بدماء الحقد والضغينة بين جموع بريئة، ذنبها أنها تعبر عن فرحة او تأييد!! والغرض هو التخلص من شخص واحد أيا كان منصبة.

يا لها من صناعة، ويا له من جنون!!

يا ترى من سيحصل على براءة الاختراع ويكتشف الدواء لهذا الفيروس الخبيث الذي غرس في كل بيت دمعة وآلم وغصة، ذلك الفيروس الذي تفشى في أوصال المنطقة العربية والإسلامية.


ابتسام حسين
19/10/2007م
بريطانيا