هواجس .. دبابيس .. قلق .. لماذا الصمت يخيّم على هذا الكون ؟
1
- بابا.. مات حسني البورظان.
- الله يرحمه
- لماذا مات؟
- خالص عمره.
- يقولون رحلَ بصمتْ، هل كان أخرسَ؟
- نعم
- لكنّي سمعته يتكلّم مع غوّار الطوشي!
ويستمر رحيلُ الصامتين..
2
يرحل نزارُ قباني بصمتٍ أيضاً!
رحلَ والدُه بصمت وما زال يفكّر بسبب هذا الرحيل الصامت.
رحل الشاعر الكبير بصمتْ.. غادرنا بصمت.. رحل عنّا الأديب فلان بصمتْ.. غادرنا الفنان فلان بصمت.. غادر.. رحل.. الله يرحمك يا أبي كم كنت صامتاً!
3
رحل عنّا محمد الماغوط بصمتْ!
لماذا الجميع رحيلهم بصمتْ؟ هل كانوا صمّاً؟ بكماً؟ لا يفقهون؟.
ازداد قلقه من هذه العبارة، لكن من سيسأل هذه المرة وقد رحل والده.. بصمتْ؟.
مازال في هواجسه وقلقه حتى جاءه الماغوط ليلاً مكفهرَّ الوجه، نحيلَ الهيئة، أشعلَ سيجارته وجلس أمام سريره وأومأ له مشيراً إلى قدمه مسائلاً – بالإشارة:
لمن هذه القدم؟ فأجاب: لك.
ثم أشار إلى أنفه المتورّم؟ لك.
ثم الفمّ الفارغ؟ لك.
وكلما سأله عن شيء بالإيماء يهزّ برأسه خائفاّ ويجيب: لك.
استشاط الماغوط منه غضباً وقال:
كل المخلوقات لها أظفار إلا أنا، كل المخلوقات لها أسنان إلا أنا...
وصراخه يملأ الغرفة بعدما كان يتكلّم بالإشارة.
خاف من الماغوط وأصابته الرعشة من صراخه، ومازال يهزّ برأسه ويدمدم: لك.. همْهَمْ. ضاق الماغوط به ذرعاً وبإجاباته المفردة وهزّات رأسه (مثل أبيه تماماً).
فأخرج حزاماً ناسفاً وفجّر نفسه في الغرفة متبعثراً حروفَ استفهام، وإشاراتِ تعجّب....!
تركه يهدس على فراشه ثم ..رحل عنه بصمتْ.