منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    فلسطين - رام الله
    المشاركات
    355

    الدّعاءُُ بين انتفاضتين

    الدّعاءُُ بين انتفاضتين

    حينما ترفع إلى السّموات دعواتُ المظلومين ، وتعجّ جنباتُ الأرض بشكاوى أهل الحقّ المكلومين ، الصابرين المصابرين المرابطين العاملين ، المسلوبةِ أرضُهم ، المدنسّة مقدّساتهم ، المستباحة حرماتهم ، المنهوبة ثرواتهم ، عندها يغدو من ضروب اللغو واللّغط ، ومحض الضلالة والشّطط ، اعتقاد قوى الظلم والبغي والاستكبار أنّ سلطانهم سيظلّ في مأمَنٍ ما داموا مُحْكِمي القبضة على رقاب العباد ، ويغيب عنهم أنّ عزّ ملكهم وديمومة سلطانهم مرهونة بإقامة موازين القسط والعدل ، وليس بالرّكون إلى ما هم فيه من حَوْل وطوْل وكثرة أتباع ، ونصرة أشياع ، وسعة متاع ، ووسائل بطش وتنكيل ...
    وعليه : فإذا فسد أولو الشوكة وأفسدوا وظلموا وتجبّروا ، فراحوا يظلمون الناس ، ويبغون في الأرض بغير الحق ، وينتفخون شرفاً بكراسيّ ملكهم الغائصة قوائمها بدماء الأبرياء والمستضعفين ، عندها سيؤتَى مُلْكُهم من أطرافه ، ويدبّ العطبُ في أواسطه وحوافّه ، وذا يعني أن تباشير تصدّعه قد لاحت ! وأمارات انهياره قد بانت ، فساعة التحرير والانعتاق من قبضة الظلم والظلام وقتئذٍ قد جاء أشراطها ، فللشعوب المستضعفة عزّ وإقبال ، ولقوى البغي والعدوان قهر وإذلال ! بذا جرت مقادير الله الكبير المتعال !
    غير أنّ الشّكاية لربّ العباد،ورفع الحاجات بالدّعوات إلى رفيع الدّرجات لابدّ وأن يكون مقروناً بانتفاضتين اثنتين نحدثهما في أنفسنا ؛ (إنتفاضة نفسيّة وانتفاضة فكريّة ) ومن كلّ سأقصّ عليكم ذكرا :
    أمّا الانتفاضة النفسيّة : فتتمثل في أن نوطّن أنفسنا على أنه لا بدّ للشّعوب المنكوبة المكروبة التي تروم النصر والظفر والتحرّر والتحرير ، لا بدّ لها من الابتلاء والعّناء وهي تؤدّي تكاليف نصرة قضاياها ، كي تعز هذه القضايا على نفوسهم بمقدار ما أدّوا في سبيلها من تكاليف وتضحيات ، وإلا فالقضايا غير الممهورة بدماء أبنائها لا يعزّ عليهم التخلي عنها ولا يعزّ عنهم الانفضاضُ عن نصرتها عند الصدمة الأولى ،وعليه : تكون التضحيات هي الثمن النفسيّ والضريبة النفسيّة التي تعزّ به القضايا في نفوس أهلها قبل أن تعزّ في نفوس الآخرين .. وكلما تجشّم أهل القضايا المشاقّ في سبيلها ، و بذلوا من أجلها، كانت أعزَّ عليهم ، وكانوا أحقّ بها وأهلها ، وكانوا أضنَّ من التفريط بها ، وإلا :
    ومن يستلم البلاد بغير حرب .. يهون عليه تسليمُ البلاد
    أمّا ( الإنتفاضة الفكريّة ) فتتمثل في يقظة فكريّة لدى الشعوب كتلك اليقظة التي نستشفها من قصّة طالوت وجنوده ؛ فلمّا فصل طالوت بجنوده ، رأى جنود طالوت كلُّهم مشهداً واحداً ، مشهد جالوت وجندِه وعددِهم وعُدَدِهم وعدّتهم وعتادهم ، وبأسهم وشدّتهم وشوكتهم ، فانقسموا إلى فئتين: فئة نظرت إلى ظواهر الأحداث وإلى ملابسات الواقع وضغوطاته الثقيلة فقط ، فدبّ الخور في نفوسهم ، وتسرّب الوهن إلى قلوبهم فقالوا ( لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ) ( البقرة 249 ) وفئة أخرى يدركون ما أدركته الفئة الأولى من تحديّات الواقع وضغوطاته الثقيلة لكن تجاوزت رؤيتها بقلبها وبصيرتها الواقع الصغير المحدود ، وامتدت رؤيتها إلى من بيده مقاليد الأمور ، إلى من يدبّر الأمر ويصرّف الدّهر ، فاتصلت قلوبها بالله الكبير المتعال ، فحافظت على سكينتها وأبقت على يقينها فقالت : ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ) ( البقرة 249 ) ثمّ اتجهت إلى ربّها في ابتهالها ودعائها ورجائها ، فرفعت أكفّ الضراعة إلى ربّها وهي في خضم المقارعة والتحدّيات ، ولم ترفع أكف الضراعة وهي قاعدة في بيوتها ، فقالت : ( ربّنا أفرغ علينا صبراً وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ) ( البقرة 250 ) فكانت الثمرة والحصيلة ( فهزموهم بإذن الله ) ( البقرة 251 ) فهي توقن أنّ ميزان القوى الحقيقيّ ليس في يد البشر ، إنما في يد الله ربّ البشر ، فطلبت النصر ، ونالت النصر ، من الجهة التي تملك النصر ( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) ( آل عمران 126 ) وبذا يثبت أنّ التعاملَ مع وعدِ الله الظاهر للقلوب ، أصدقُ من التعامل مع الواقع الصغير الظاهر للعيون ، وإلا فقد يغلب على الأرض جبابرة طغاة بغاة وقد يغلب على الأرض غزاة متبربرون ، لكنهم بموجب سنّة الله ربّ العالمين لن يكونوا سوى غزاة عابرين ولسوف تخلد في الأرض سنة الله رب العالمين ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) فذا وعد الله ( الأنبياء 106 ) ( وعد الله لا يخلف الله وعده ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون ) ( الرّوم 6 ) والمؤمن الفطن الحذق الواثق يتعامل مع وعد الله على أنه الحقيقة الواقعة ، فإذا كان الواقع الصغير في جيل محدود أو رقعة محدودة ، أو زمان محدود ، أو مكان محدود يخالف تلك الحقيقة ، بمعنى إذا شهد الواقع علوّ أهل الباطل على أهل الحق ، فهذا الواقع هو الباطل الزائل ، الذي يوجد فترة في الأرض لحكمة خاصة ، ثم تكون الغلبة لله ورسوله وصالح المؤمنين ، فأبشرواأيها المستضعفون المظلومون وأمّلوا واطمئنوا فهذا هو الكائن – أي انتصارَ الحق وعودةَ الحق السليب إلى أهله - هذا هو الكائن الذي لا بدّ أن يكون ، ولتكن الظواهر غير هذا ما تكون ! لذا علّقوا ثقتكم وآمالكم ورجاءكم ، بمن أمره بين الكاف والنون ، ( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ) ( يس 86 )
    في ضوء ذلك يتضح أنّ استجابة الله تعالى لنا بالنصر والظفر مرجوّة ومتحققة لمن يستجيبون له ( وإذا سألك عبادي عنّي فإني قريب ، أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) ( البقرة 186)
    وعليه: يكون الجرمُ الأكبرُ الذي يفوّت استجابة الله لنا وتأييدَه لنا : هو جرمَ الإعراض عن منهج الله تعالى وخياره الذي اختار لنا : وذلك مثل ثمودَ قومِ صالح : حين اجترأوا على مناوأة خيار الله تعالى المتمثل بآيته البيّنة ( هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكلْ في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذَكم عذاب قريب ) ( هود 64 ) نظروا إلى هذه الآية بعين البصر لا البصيرة ، فكانت النتيجة : ( فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر ) ( القمر 29 ) نادَوْه لأنه مشتهر بينهم بالإقدام وقلّة المبالاة ، وهكذا لا يُغرَى بمناوأة الخيار الرّبانيّ وأهله إلا ضعفاء العقول ، سفهاء الأحلام ، رعاع بين الأنام !
    ( فتعاطى فعقر ) أعطي جُعالة : أُجرة ورشوة وعِوَضا ، رُصِدت لمن يقوم بهذه الفعلة الشنعاء ! فعلة عقر النّاقة ، وهذه حال ودأب الذين يتولّوْن كِبْرَ مشاقّة الخيارات الرّبانيّة والقضايا الإيمانيّة ومحاولة عقرها ، يُغريهم ما يُعطوْن من الحُطام الدنيويّ لاعتراض الخيار الرّبانيّ !
    فتعاطى فعقر وفي هذا السّياق : سياق ( فتعاطى فعقر ) كَمْ مِنْ رَجُلِ سَوْءٍ تعاطى فعقر قضيّة إيمانيّة ! وكم مِنْ مُغرِضٍ تعاطى فلوّث معالمَ الهويّة ! وكم مِنْ خؤونٍ تعاطى فجرّ على أبناء شعبه بليّة ! وكم مِنْ طاغية تعاطى فرهن بلاده لأيدٍ أجنبيّة ! وكم مِنْ سفاحٍ تعاطى فسفك دماءً حرّة أبيّة ! وكم مِن ناقمٍ تعاطى فارتكب مجازر دمويّة ! وكم مِنْ فتّانٍ تعاطى فأفشل جهوداً وحدويّة ! وكم مِنْ مَشّاء بنميم تعاطى فأفسد للودّ قضيّة ! وكم مِنْ زنيم تعاطى فعقر قِيَمَاً خُلُقيّة ! وكم مِن مُريبٍ تعاطى فغيّر ملّته ! وكم من صاحب هوىً تعاطى فباع ذمّته ! وكم مِن أثيمٍ تعاطى فرَهن قلمَه وكلمته ! وكم وكم !! والقائمة تطول ، ولكن لم ولن يفلت من قبضة العدالة الرّبّانيّة أحدٌ تعاطى فعقر ! اللهمّ عليك بكلّّ من تعاطى فعقر !
    وختاماً : ( إن الحكم إلا لله ، يقصّ الحق وهو خير الفاصلين ) ( الأنعام 57 )

  2. #2
    موضوع هام يطرح سؤالا:
    ايهما اكثر نفعا وتاثيرا أبعد؟
    وللموضوع بقية
    رغد
    إذا كنتَ لا تقرأ إلا ما تُوافق عليـه فقط، فإنكَ إذاً لن تتعلم أبداً!
    ************
    إحسـاس مخيف جـدا

    أن تكتشف موت لسانك
    عند حاجتك للكلام ..
    وتكتشف موت قلبك
    عند حاجتك للحب والحياة..
    وتكتشف جفاف عينيك عند حاجتك للبكاء ..
    وتكتشف أنك وحدك كأغصان الخريف
    عند حاجتك للآخرين ؟؟

  3. #3
    محاضر ومسؤول دراسات عليا في جامعة القاضي عياض، المغرب
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    1,497
    (إنتفاضة نفسيّة وانتفاضة فكريّة ):
    نعم هذه الدقة في الوصف تدفع العمل للاستمرار ، وعدم التوقف.
    دمتم مخلصي هذا الوطن المعطاء.
    أَسْرِي سَقَى شِعْرِي الْعُلا فَتَحَرَّرَا = وَرَقَى بِتَالِيهِ الْمُنَى فَتَجَاسَرَا

المواضيع المتشابهه

  1. مقاربة لغوية بين انتفاضتين،القصدية اللغوية
    بواسطة عماد موسى في المنتدى فرسان الأبحاث الفكرية
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 11-23-2014, 06:42 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •