منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1

    أثر المعتقدات البابلية على التوراة

    اثر المعتقدات البابلية على التوراة
    شبكة البصرة إياد محمود حسين
    إن قدر الشعب العراقي قديما وحديثا إنهم يعيشون فى بقعة يجاورها شذاذ الأفاق شرقا ، قطاع الطرق شمالا، وسراق التراث والحضارة غربا، وهذه صنعتهم وديدنهم على مر التاريخ ، منذ إن وجدوا والى إن ينتهي مصير العالم بيد الرحمن . وهذه الحقيقة لايمكن إخفاؤها ، والشمس لأتغطى بغربال . فقد خلق أجدادنا العراقيون القدماء من التراث العميق حضارة عظيمة على ارض الرافدين) مابين النهرين (بقي مصونا فى تربة وطننا ، وكأنهم كانوا يدركون إن زمنا ماسيأتى والأدعياء ينسبون هذا التراث العظيم لأنفسهم ، ويدعون انه من قريحتهم . لقد اعتاد جل المؤرخين الغربيين وأحبار اليهود وأرباب الفكر والسياسة مدى قرون طويلة وحتى ألان على اعتبار كتاب العهد القديم التوراة مصدرا تاريخيا لا يعتريه شك ينهلون منه كل ما يتعلق بالتاريخ القديم لليهود دون تمحيص او تحقيق او بحث لاى مما ورد فيه من أحداث تاريخية بعناصرها) أماكن وتواريخ وأسماء (إن جميع أحبار اليهود وأرباب الفكر والسياسة يتفاخرون بأمجاد أجدادهم اليهود , ومفاخرهم تملاْ المجلدات بالحديث عن القيم الحضارية والثقافية والروحية التي كانت لبنى اسرائيل . فاليهود يدعون إن التوراة من قريحتهم وفكرهم ، بوحي من الله ، وإنهم صاحب الفضل الديني الأول على البشرية ، وحتى راحت الشعوب المخدوعة تصدق هذا الكلام المعسول ، وتدين لهم وتسجد لهذا التراث المغشوش ، إلى إن كان القرن التاسع عشر حينما بدأت التنقيبات الأثرية في منطقة مابين النهرين تكشف الحقائق ، والتزوير الفضيع الذي مارسوه بني اسرائيل بحق التراث البابلي الاشورى القديم ، وثبت بالدليل القاطع إن شعب لا يملك تراثا لايمكن إن ينسب لنفسه التراث . وتبين للناس إن ماهو موجود بين دفتي التوراة ماهو إلا سرقة مفضوحة من تراث بلاد بين النهرين .
    فمثلا قول يعقوب كلاتزكين) اليهودية نظام اخلاقى ومثل أعلى للعدالة الاجتماعية (فى الواقع إن جميع المفكرين اليهود وما ينشرونه على الملاء من مؤلفات ، يؤكدون بإصرار عجيب إن اليهود يتميزون بصفات أخلاقية أزلية ، خصتهم بها العناية الإلهية دون غيرهم . ويزعمون إن التراث الخلقي للبشرية كلها ينبع من اليهودية , وان الله اختارهم من دون سائر الشعوب , وأوكل إليهم تربية الأمم على تعاليمهم وأخلاقهم . اما الكاتبة اليهودية ترودفايس روزمارين فتعتبر فى كتابها ** البقاء اليهودي ** حيث تقول) إن اليهود شعب فريد وحسبهم أنهم أعطوا الغرب كل ما لديه من معتقدات دينية ومثل عليا خلقية , وإنهم ساهموا فى رفد الحضارة الإنسانية بالأدب والأخلاق المميزة للحضارة اليهودية (وعن الأخلاق المميزة للحضارة اليهودية تحدث فرويد قائلا) لقد توصل هذا الشعب إلى إعلاء شأن القيم الفكرية والأخلاقية عظيم الإعلاء (هكذا يتحدث اليهود عن فضل اليهودية فى تزويد العالم بالحقائق والتعاليم الأخلاقية والفضائل الإنسانية , والقيم النبيلة , ويزعمون إن لهم رسالة أخلاقية عالمية . ولكي نكشف للقاري زيف ادعاء بنى اسرائيل بالأمجاد اليهودية , وطبيعة هذه الأمجاد والأخلاق ودلالاتها, علينا الرجوع نحو مصادرها الاولى وأصولها القديمة , وتراثها الأول. واول هذا التراث هو التوراة . والتوراة هي الكتاب المقدس الأول لدى اليهود .
    ولكن من خلال دراسة التاريخ اعتمادا على مصادر قديمة اخرى ثبت الشك فى المصداقية التاريخية للروايات المقدسة بدلا من تأكيدها . وقد ظهر عدد من الكتاب والباحثين والمؤرخين الغربيين يتخلون عن الافتراضات التاريخية المسبقة التي فرضها التفسير الديني اليهودي للتاريخ ، اعتمادا على كتاب التوراة. وهذا البروفيسور اليهودي زئيف هرتزوج اعترف بان حكايات كتاب العهد القديم عن أباء شعب اسرائيل واستيطانهم لمصر والخروج منها والسكن فى ارض فلسطين أكدت انه لم يكن هناك اى شيء لليهود على الإطلاق ، ليس لديهم حضارة ، لم يقدموا للإنسانية شيئا يذكر. لقد اقتبسوا كل شيء من الحضارات الأخرى . فى عام 1869 اكتشف الباحث اوبرت رقيات كثيرة مكتوبة بلغة يبدو إنها ليست آشورية ولا بابلية ولا كلدانية ، وبعد البحث توصل إلى إن هذه الرقيمات تدل على وجود شعب قديم فى وادى الرافدين ، أقدم من البابليين والاكدين هي التي مهدت للحضارات التالية ، وعندما سمع الباحث اليهودي جوزيف هاليفى كلام اوبرت صرخ بوجهه مؤكدا) إن لاشعب غير الشعب السامي قد بنى حضارات العراق ، وان اللغة السومرية هذه مجرد اختراع مصطنع قام به الساميون أنفسهم لأغراض سرية وكهنوتية (بينما الوقائع تثبت حقا إن الشعب السومري وباقي الشعوب السامية التي هاجرت من جزيرة العرب ، هي التي بنت الحضارات. وكانت حضارة وادى الرافدين من سومر وبا بل الأثر الواضح والكبير فى تأليف التوراة ، حيث احتوت أسفار التوراة وسفر التكوين على وجه الخصوص على كثير من المعتقدات التي ترجع إلى أصول سو مرية وبابلية إلى الحد الذي دفع عالم الآثار الالمانى فريدريك ديلبج Friedrich Deltych إلى القول فى محاضرته بعنوان) بابل والتوراة (بان سفر التكوين غارق فى ذنوب الانتحال، ويمكن إرجاع هذه الثاثيرات عن طريقين. الاولى عن طريق الآباء الأوائل حيث إن إبراهيم كان أصلا من اور الكلدانيين وكذلك لوط ، إن هؤلاء المهاجرين الأوائل جلبوا معهم متاعا حضاريا كبيرا من ارض مولدهم يتضمن كثيرا من التفاصيل التي هي ألان فى الإصحاحات الاولى من سفر التكوين. ويرى بعض الباحثين من اليهود إن وجود أوجه متشابهة بين النصوص السومرية البابلية والتوراتية إنما هو دليل على عمق الروابط بين النتاج الحضاري الرافدينى التوراتى. فاذا كان الآباء الأوائل جاؤا فعلا من وادى الرافدين ، كما تؤكد ذلك التوراة مرارا ، فلا نتوقع منهم إلا أن يكونوا على علم بنتاج موطنهم الاصلى . ولذلك فان وجود مادة مستوردة فى سفر التكوين إنما هو فى رأيهم) برهان على أصالة اشتقاقها وليس على كونها سرقة نكراء (أن ماهو موجود بين دفتي التوراة ماهو إلا سرقة مفضوحة من تراث بلاد بين النهرين . واول السرقات هو سفر التكوين ، فنجد قصص الطوفان موجودة فى تراث العراق القديم ، فقصة التكوين الفصلان الأول والثاني موجودان بالكامل فى قصة اينوماايليش البابلية التي تحكى لنا خلقه العالم وتقسيمه ، كيف أخذه اليهود ، وغيروا بعضا من جوانبها وجعلوها سفرا فى كتبهم . وقصة الطوفان مأخوذة بالنص والفكرة من قصة ملحمة كلكامش . وكلمة يهوه هو اله بابلي قديم كانت عبادته متروكة حينما كان اليهود فى سبي بابل ، فاستلطفوا الاسم وجعلوه إلها لهم . يهوه كان الإله ابا وانو وانليل ومردوخ فى بابل وأشور فى نينوى . وقصة ادم وحواء موجودة فى تراث العراق القديم ، وقد رسمت على الأختام الاسطوانية ، وحتى قصور الملوك فى بابل نجد هناك صور فى جداريات القصور : رجل جالس وأمامه امرأة وبينهما شجرة وراء الشجرة حية منتصبة .
    وحتى الحكيم احيقار فى التوراة الذي هو فى الحقيقة وزير الملك الآشوري سرجون وسنحاريب ، الذي كتب حكمته باللغة الآرامية الآشورية ، وأصبحت الأسفار مثل الأمثال بكامله ، وسفر يشوع بن تراب ، وسفر الحكمة مأخوذ نصوصها من حكمة احيقار الآشوري . وقد اكتشفت فى مصر ** جزيرة الفيلة ** نسخة كانت متواجدة منذ القرن الخامس قبل الميلاد ، وبعد ترجمتها تبين إنها بالذات سفر الأمثال . كان اليهود يتشدقون انه لم يكتب احد قبلهم الحكمة . اما إذا أتينا إلى سفر نشيد الإنشاد الذي ينسب إلى سليمان ، ففي واقع الحال أن سليمان لم يخط فى عهده سطرا واحدا ، وهذه القصيدة هي قصيدة الزواج المقدس فى بابل ، كانت تقرأ فى الزواج المقدس من قبل كهنة بابل . ولو نعمل مقارنة فنضع النصين الواحد إزاء الأخر لنجد مدى ما اقتبسه او سرقه اليهود من هذه القصيدة . وقصة طوبيا نراها ايضا إنها قصة احيقار بالذات . ويدعي اليهود أن احيقار هو ابن عم طوبيا ، وفى واقع الحال انه آشوري عاش فى بلاط سنحاريب واسر حدون ، وليس له أية صلة قربى مع طوبيا ، ويحرف اسمه إلى عقيقار وهو احيقار . وقد جاء ذكره فى القرأن الكريم بأسم لقمان الحكيم . وقد ذكر كاسيدوفسكي) عند العلماء والباحثين أن الكهنة لم يستطيعوا أن يكونوا منطقيين في عملهم التحريري والتحريضي هذا ، فقد تركوا في النصوص التوراتية من التفصيلات التي اعطتها صلة وثيقة مع ثقافة الرافدين . ويصل للقول : لقد كانت ثقافات السومريين والاكاديين والآشوريين والبابليين هي الاصول القديمة لتلك التفصيلات ( .
    ظل بنو اسرائيل فترة استيطانهم القصيرة فى ارض كنعان ** فلسطين ** قبائل رحل , لم تستطع يوم من الأيام أن تكون لها كيانا موحدا مما ينطبق عليه معنى الأمة بالمفهوم الاجتماعي , لقد عاشوا حياة فوضوية وفتن فى مابين بعضهم البعض . وقد حالت حياتهم القبلية دون الوحدة والخضوع لزعامة معينة . وكل الذي عرفوه هو نظام القبلي , ومن هنا عجزوا عن المساهمة فى اى شيء فى مضمار الحضارة ولم يقدموا اى أبداع . عاش بنو اسرائيل فى ظروف فقد فى ظلها الأمن والاستقرار -العاملان اللذان يعتبران من اهم عوامل الأخذ بأسباب الحضارة- ولذلك ظلوا على هامش الحضارة , ولم يجاوزا طبائع الرعاة , ولم يملكوا أيا من المقومات الأساسية لكيان حضاري مستقل , فكانوا منذ عهد موسى يمثلون جماعة رعاة يرتكز كيانها الرعوي على الدين . وكان حكامهم فى اغلب الحالات كهنة . والكيان الذي أقاموه لفترة وجيزة لا تتجاوز القرن لم يقم على أساس أصيل بثقافته ولغته وتقاليده لأنهم لم يملكوا اى تراث خاص بهم , ومعظم ما مارسوه من لغة وثقافة مقتبس من الكنعانيين سكان فلسطين الاصليين . وهذه الجماعات البدوية التي لعب الترحال دورا هاما فى حياتها لم تترك اى بصمة حضارية او عمرانية عندما سكنت فلسطين , فلم يكن لليهود فنون ولا علوم ولا صناعة , ولا اى شيء تقوم به حضارة . ولم يأتوا أبدا بأي مساهمة مهما صغرت او قلت فى حقل المعارف الإنسانية وفى تقدم الحضارة . ولم يجاوزوا قط مرحلة الجماعات شبه المتوحشة التي ليس لها تاريخ كما ذكر ذلك غوستاف لوبون فى كتابه الحضارات الاولى . وباختصار لم يكن لبنو اسرائيل حضارة فى فلسطين بالرغم من التسامح الذي أبدته الشعوب الكنعانية تجاه اليهود , فقد ظلوا يصرون على عزل أنفسهم عن جميع المجتمعات الفلسطينية , وظلوا متجمدين فى تقاليد أفقدتهم المقدرة على مسايرة مقتضيات التطور والحضارة . فى وقت كانت الشعوب الكنعانية قد وصلت إلى حالة عالية من الحضارة والتقدم والاستقرار قبل وجود بنى اسرائيل بعدة ألاف من السنين . ففي الجزء الجنوبي الغربي من سوريا ** فلسطين ** بدأت الحضارة النطوفية - نسبة إلى وادى النطوف فى شمال غربي القدس - مع بداية العصر الحجري الوسيط 12000 قبل الميلاد . ولقد حاول الكنعانيون الذين كانت أبوابهم مفتوحة لجميع الأفكار والمعتقدات حاولوا بتسامحهم وانفتاحهم أن يحتضنوا جماعة بنى اسرائيل , ويصيروا معهم شعبا واحدا , ولكن اليهود ابوا الاندماج وظلوا يصرون على عزل أنفسهم عن جميع المجتمعات فى سوريا وفلسطين
    ولايمكن لكل باحث فى شؤون بني اسرائيل وتاريخهم الطويل أن ينكر أن السبي البابلي الأخير قد اثر على التفكير الديني لهم بعد اختلاطهم مع سكان بابل الاصليين. وعن طريق هذا الاتصال انتقلت بواسطتها تلك المعتقدات الدينية البابلية وتحولت فى التوراة. أن الأسباب الكامنة وراء سبي اليهود يعود لطبعهم ، لأنهم لا يعيشون إلا وسط الفتن والنفاق والحسد والسرقة والنصب والاحتيال ، مما حدا لدولة أشور أن تكون لهم دوما بالمرصاد . وفى الأخير ضاق نبوخذ نصر بهم ذرعا فأجلاهم من فلسطين إلى بابل ، لكي يكونوا تحت نظره . وقد سبوا الاشوريين اليهود مرتين ، ولكن لم تذكر هاتان المرتان كالسبي البابلي ، فالسبي الأول كان عام 718 قبل الميلاد ، والسبي الثاني على عهد أشور بانيبال عام 668 قبل الميلاد . اما السبي الكبير الذي سمي بالسبي البابلي فكان عام 585 قبل الميلاد على يد نبوخذ نصر . وحينما قدم اليهود إلى بابل ، ووجدوا هذه الحضارة وهذا الفكر العظيم والتقدم والرقي خجلوا من أنفسهم وهم البدو الحفاة العراة الذين لا يملكون من الحضارة شيئا ، وكما نعلم أن من طبيعة اليهودي أن يحقد ويحسد وينتقم ، فقد تداولوا بينهم كيف نقضي على هذه الحضارة ، وكيف نطمس معالمها وأثارها ؟ فتأمروا مع قورش الفارسي الذي سموه بالمخلص لأنه أعادهم إلى أورشليم ثانية . وكان وجود العبرانيين أنفسهم فى بابل أثناء الأسر البابلي. له الأثر الكبير فى اقتباس الحضارة البابلية , وقد حدث هذا الأسر البابلي مرتين خلال حكم الملك البابلي نبوخذنصر الثاني عام 605-562 قبل الميلاد فقد كان له الأثر الأعظم فى تعرف العبرانيين عن كثب على حضارة بلاد وادى الرافدين . ففي عام 597 قبل الميلاد سقطت أورشليم بأيدي القوات البابلية ، وتم نقل جميع العبرانيين إلى بابل أسرى ومعهم النبي حزقيال. ونصب نبوخذ نصر صدقيا حاكما على العبرانيين ، وقد بقى الأخير سنين عديدة على ولائه للملك البابلي ، لكنه فى نهاية الأمر أعلن ثورته ضد السادة البابلية ، مما دفع بابل إلى تجهيز حملة عسكرية فرضت الحصار على مدينة أورشليم ، وانتهى الأمر بسقوطها وتهديمها ومعبدها وأسوارها ، ونقل حوالى 50000 شخصا إلى بابل ، وقد حدث ذلك عام 568 قبل الميلاد وهو ما يعرف بالأسر البابلي الثاني . وكان لهؤلاء العبرانيين وهم فى الأسر الدور الأكبر فى تكوين الديانة اليهودية المعروفة ألان. اذ استمر كهنتهم بممارسة شعائرهم الدينية وكتابة اهم فصول التوراة . ويجمع أكثر الباحثون على أن الديانة اليهودية قد ولدت أثناء الأسر فى بابل ، وخاصة الأسفار الاولى التي تبدأ بها التوراة . ومما لاشك فيه انه كان لأحبار اليهود الدور الاساسى فى تدوين هذه الأسفار ، حيث انه كانت لهم معرفة واسعة با لنصوص السومرية والبابلية ، وكان الأسر البابلي فرصة ثمينة لهم ، حيث مكنتهم من الإطلاع مباشرة على الوثائق المسمارية المدونة با للغة السومرية والبابلية ، والخاصة بخلق الكون والإنسان والموت والثواب والعقاب والخير والشر.
    وبعد رجوعهم من الأسر البابلي قام عزرا بتأليف التنبؤات وإعطائها طابع المصداقية , ويفتخر معتنقي اليهودية بأن تنبوءات التوراة أثبتت صدق وعد الله , وتحقق وعده . نقرأ فى التوراة) سيف على الكلدانيين يقول الرب وعلى سكان بابل وعلى رؤسائها وعلى حكمائها , حر على مياهها فتنشف لأنها ارض منحوتات هي , وبالأصنام تجن . لذلك تسكن وحوش القفر مع بنات أوى , وتسكن فيها رعال النعام ولا تسكن بعد إلى الأبد ولا تعمر إلى دور فدور , كقلب الله سدوم وعمورة لا يسكن هناك إنسان (ارميا 50-35 . لقد انذر الله بأنها ستصير كالصحراء , فهل تمت هذه النبوءة ؟ أن بابل مثل باقي المدن التاريخية القديمة فى المنطقة , اندثرت جميعها طبعا , وأصبحت خراب فى خراب واثار سياحية فلا حاجة أن تنطبق عليها التنبوءات , ولكن بابل ألان ليست بقعة واسعة من الخرائب الخالية من السكان , بل تقع بقربها مدينة الحلة , وهى عامرة بالسكان العرب المسلمين , وزاهرة بأشجار النخيل , والبساتين الواقعة على ضاف نهر الفرات .
    وسوف نشرح هنا اهم القضايا الدينية التي اقتبسها العبرانيين من الفكر الديني البابلي.

  2. #2
    1- خلق الكون والإنسان
    لقد أثبتت الوثائق التي اكتشفت وترجمت حتى ألان بان السومريين كانوا قد أطالوا التأمل فى الطبيعة ، وفكروا فى منشأ الكون وكيفية قيامه وتدبره. وهناك دلائل وإثباتات تشير إلى أن مفكري السومريين كانوا فى الإلف الثالث قبل الميلاد قد وضعوا قواعد للكونيات ومعتقداتهم الدينية . ، وقد اعتقد السومريين بأن اهم وحدتين يتركب منها الكون هما السماء والأرض - إن كي - وانه هناك مادة اخرى بين السماء وارض أطلقوا عليها اسم - ليل - ومعناها هواء نفس روح ، ومن خصائص هذه المادة هي الحركة والانتشار . ويعتقدون أن الأجرام السماوية كالشمس والقمر والكواكب والنجوم كلها مصنوعة من مادة هذا الغلاف ليل ، وان السماء والأرض محاطان من كل الجهات ببحر خضم لانهاية له ، وان الكون ثابت فى هذا الخضم . وهكذا استنتج السومريين أن مبدأ الكون الأول هو هذا البحر العظيم الذي ولد الكون السماء والأرض ، وبينهما الهواء ، الغلاف الجوى . ويقولون انه بعد انفصال السماء عن الارض وتكون الأجرام السماوية وجدت الحياة على الارض .
    وقد ألف السومريون والبابليون أساطير وقصص عديدة تتناول موضوع خلق الكون والإنسان ، وخاصة ملحمة جلجامش وانكيدو ، حيث تحتوى هذه الملحمة عن انفصال السماء عن الارض على يد الإله انليل بعد أن كانتا كتلة واحدة . حيث أن فكرة السومريين بخصوص خلق الكون قائمة على أن فى البدء كانت مياه البحر حيث كانوا يتصورون أن المياه هذه كانت أزلية طالما لايوجد ما يشير فى النصوص المسمارية إلى أصلها او مولدها ، ومن مياه البحر الأزلية هذه ولد جبل كوني يمثل السماء والأرض متحدين ، ونتيجة لاتحاد السماء والأرض ولد اله الهواء انليل ، وان هذا الإله انليل فصل السماء عن الارض ، محمل أبوه السماء ، وحمل هو الارض . وبعد أن تم فصل السماء عن الارض ، وتم خلق الكواكب والنجوم ، ظهرت معالم الحياة على الارض .
    وكذلك فقد كان خلق الإنسان واحدا من المواضيع التي تناولتها الأساطير السومرية والبابلية والتوراة على حد سواء . وفى الديانة البابلية تعد الخليقة وقصة الطوفان من المراجع الأساسية عن موضوع خلق الإنسان ، حيث يذكر فى المؤلفات المسمارية ، أن الإنسان خلق من طين ودم حسب المعتقدات البابلية ، أن خلق الإنسان لم يكن غاية فى حد ذاتها او نتيجة مكملة لبقية مراحل خلق الكون ، وإنما حدث بسبب العناء الذي أصاب الالهه من جراء العمل فى الارض ، فقررت أن تخلق بديلا عنها يحمل المشقة . وان الإنسان خلق من اجل أن يكد ويكدح فى الارض ، لكي يريح الالهه من عناء العمل وليقدم لها الطعام . أن خلق الكون فى معتقدات السومريين والبابليين له ما يوازيه فى بداية الإصحاح الأول من سفر التكوين ، حيث تعتبر التوراة أن المياه اصل الوجود ، وان السماء والأرض خلقتا بعد عملية فصل أيضا) بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد ( . اما عن خلق الإنسان فالرواية تتطابق على أن الإنسان ) جبل ترابا من الارض ( وكذلك أن الهدف الذي من اجله خلق الإنسان فى النصوص المسمارية ، هو لكي يحمل التعب والكد عن الالهه ، فى سبيل إعمار الارض ، فان مصيره فى التوراة كان مشابها لهذا تماما اذ ذكر فى التوراة ) يعمل الارض التي اخذ منها ( اى يكدح ويتعب فيها.


    2- محاربة قوى الشر
    أن خلق الكون بموجب معتقدات سكان بلاد وادى الرافدين لم يتحقق بهدوء وسلام ، وإنما جاء بعد حرب صعبة وطاحنة خاضتها قوة تمثل الآلهة الفتية ضد قوى اخرى حاقدة تمثل الآلهة القديمة. وحسب معتقداتهم الدينية فأن الحرب كانت معروفة قبل أن يخلق الكون والإنسان ، وأنها قديمة قدم الالهه نفسها . وتعطينا قصة الخليقة البابلية صورة واضحة عن الأسلحة التي أوجدتها الآلهة فى حربها بعضها مع البعض الأخر، ومعظمها يتكون من حيوانات أسطورية ضخمة ومرعبة ، مثل الثعابين الخبيثة والتنانين العملاقة الطائرة والرياح المدمرة . ومن ابرز نقاط الصراع فى قصة الخليقة البابلية يتمثل فى أن تيامة وجندها هم عنصر الشر فى حين يمثل مردوخ عنصر الخير او الشر بنفس الوقت . وتسمى المياه الأزلية المالحة فى البابلية تيامة بمعنى البحر ، وقد صورتها قصة الخليقة البابلية بمخلوق ضخم ومرعب له قوى خارقة ، حيث جندت تيامة فى حربها ضد مردوخ بمخلوقات ضخمة ومرعبة ، وهى التنانين الطائرة والثعابين الضخمة ، فى حين اتخذ مردوخ من الرياح والعواصف المدمرة أسلحة له.
    وفى الميثولوجيا السومرية مثلا ينتصر انكى **سيد الارض ** عل تنين العماء كور. وفى الميثولوجيا البابلية ينتصر مردوخ ** السيد العظيم ** اى الله على تنين العماء, وينظم الكون. وكذلك فعل أشور ** السيد ** فى الميثولوجيا الآشورية. وفى الميثولوجيا الكنعانية مثل عماء البدء بالحية الملتوية ذات الرؤوس السبعة لوياثان الملتوية الهاربة قتلها البعل ** السيد ** قبل القيام بعملية التكوين وتنظيم الوجود. وحين بدأ أحبار اليهود بوضع تاريخهم وكتابته فى التوراة فى العهد السبي البابلي , اقتبسوا من البابليين والكنعانيين من جملة ما اقتبسوا قصة التكوين والخليقة. وكان من الطبيعي أن ينسبوا دور قتل تنين العماء إلى يهوه . وقد جاء فى وصف محرري التوراة لتنين العماء ** لوياثان ** بتعابير تشبه إلى حد بعيد التعابير التي وردت فى وصف تنين العماء فى التراثين البابلي الكنعانى , ويمكن إثبات اقتباسهم لهذه التعابير , ما ورد فى سفر أيوب - 41 من وصف لتنين العماء , وهى شبيهة بنصوص ملحمة التكوين والخليقة البابلية .
    كل هذه الأساطير البابلية امتزجت فى إسفار التوراة ، وأصبح لها صدى كبير فيه ، حيث يحارب الرب قوى الشر المتمثلة با لتنانين والثعابين ، وحيث يرد ذكر البحر بصفته مصدرا لهذه القوى الشريرة ، وذكر التغلب عليه وإسكات امواجة على يد الرب ، على غرار ما حصل لتيامة على يد الإله مردوخ فى قصة الخليقة البابلية وكمثال على ذلك نقتبس فيما يلي فقرات من بعض إسفار العهد القديم ) فى ذلك اليوم يعاقب الرب بسيفه القاسي العظيم الشديد لوياثان الحية المتلوية ويقتل التنين الذي فى البحر ( اشعيا ) والله ملكي منذ القدم فاعل الخلاص فى وسط الارض أنت شققت البحر بقوتك كسرت رؤوس التنانين على المياه أنت رضغت رؤوس لوياثان جعلته طعاما لأهل الشعب لأهل البرية ( مزامير.

  3. #3
    3- جنة عدن
    ذكرت النصوص السومرية التي نقشت على الطين في الألف الثالث قبل الميلاد ، والتي سميت بعد ذلك بالألواح السومرية المكتشفة في وادي الرافدين ، بأن الجنة الأبدية ، بلا خطيئة ولا أمراض ولا أوجاع ولا شيخوخة هي جنة سلام وصحة ومياه وافرة ، ونعتتها أساطيرهم بالطهر والنقاء . وحتى البابليون والكنعانيون عبروا عنها بالحياة الأبدية . وجاء الوصف في النص السومري كما يلي:
    ذلك المكان الطاهر ذلك المكان أكثر لمعانا
    الغراب لا ينعق في دلمون
    الأسد لا يفترس الذئب لا ينهش الحمل
    ومريض العين يقول أنا لست مريض بالعين
    والذي يشكو من وجع الرأس يقول أنا لااشكو من وجع الرأس
    والمراة العجوز تقول أنا لست عجوزا
    المغني لا يطلق نواحا
    إن أول ذكر لدلمون في تلك النصوص كان نص لمؤسس سلالة لكش الأولى في العصر السومري القديم الذي ذكر نقل سفن دلمون الكبيرةله الخشب كجزية من بلاد أجنبية . وتتحدث الاسطورة عن اتصال الإله انكي بزوجته في دلمون ، ثم أمره الإله اوتو **اله الشمس ** إن يملاء الجزيرة بالماء العذب ، فكان له مااراد فتحولت الجزيرة إلى جنة خضراء مليئة بالحقول . وفي ملحمة كلكامش ، وفي أسطورة الطوفان السومرية أطلق اسم ارض العبور على دلمون ، وجعلت الجزيرة مقر **اوتونا بيشتم ** بطل الطوفان السومري الذي منحته الإله الخلود بعد الطوفان . وهكذا يكون البطل السومري كاكامش قد شق طريقه عبر الخليج ومن ارض سومر قاصدا دلمون في البحرين حيث قابل اوتونا بيشتم الذي قص عليه إخبار الطوفان . فأوتنابشيتم بطل الطوفان البابلي فتش عنها . وجلجامش ملك أوروك , ترك مجده وثار على مظاهر المجد والعظمة والسلطان , واثر البحث عن حياة أبدية , وفى صدره إيمان عميق راسخ رسوخ الجبال بأن سعيه الروحي لابد أن يقوده إلى حياة أبدية هي وراء هذا العالم المادي الشرير . وقد عرف بنتيجة تطوافه أن الحياة الأبدية التي ينشدها ليست فى هذا العالم , بينما كانت **الجنة المفقودة ** فى مفهوم بنى اسرائيل , جنة أرضية مادية بحتة سواء أكانت هذه الجنة هي ارض كنعان التي تفيض لبنا وعسلا , ام كانت جنة عدن بأنهارها الأربعة : دجلة والفرات والنيل والنهر الهندي المقدس.
    كانت البحرين في الخليج العربي تعتبر هي دلمون ، فقد اظهرت الحفريات والتنقيبات في البحرين حقيقة تاريخية إن كثرة المدافن فيها جعل منها اكبر مقبرة قديمة معروفة لحد ألان في العالم ، وهذا مايؤكد على حقيقة اقتناع السومريين بأن ارض دلمون هي ارض الفردوس ، ولهذا السبب اتخذ رجل الطوفان السومري اوتونا بيشتم وهو نوح عليه السلام نوح من دلمون ** البحرين ** مقرا له بعد الطوفان .
    لقد كشفت التنقيبات والاكتشافات فى بلاد الرافدين على أهمية التراث الروحي والثقافي الذي خلفته لنا الأجيال الغابرة ، وهذه الاكتشافات ألقت الأضواء على خلفية المعلومات الواردة فى كتاب العهد القديم ، وجعل العلماء على ثقة بأن ما ورد فى الكتابات العبرية لم يكن جديدا او منقطعا عما سبقه ، وان جذوره موجودة فى المكان والزمان اللذين يكتنفانه ويقول الكاتب اليهودي صامويل نوح كريمر , S.N.Kramer فى كتابه التاريخ يبدأ من سومر , وهو من احد اهم المصادر المعرفية فى حضارات الرافدين , وبين إنجازاته الهامة تبيان العديد من الاصول الثقافية السومرية والاكادية للديانة العبرية . ) إن التراث السومري واضح الأثر فى العهد القديم وان هذا التراث لم ينتقل مباشرة إلى العبريين لأنه كان قد انتهى منذ أمد طويل قبل ظهور العبريين إلى الوجود . لقد انتقل التراث السومري إلى العبريين بواسطة الكنعانيين وهم سكان فلسطين الاصليين قبل إن يستولى عليها العبريين حيث إن السومريين كانوا قد اثروا تأثيرا كبيرا فى الكنعانيين وخير مثال على التناظر القائم بين التراث السومري والعهد القديم هو ذلك الذي ورد فى الحكاية الميثولوجية السومرية المعروفة باسم انكى ونينهورساج ، تلك الحكاية التي وردت فى قصيدة تتكون من 278 سطرا ، مكتوبة على لوح طيني موجود فى متحف جامعة بنسلفاني ( ومضمون تلك الحكاية حول مدينة دلمون بلد نقى طاهر بلد الحياة الذي لا يعرف السقم والموت ، حيث أصبحت دلمون بذلك جنة سماوية تزهو ببساتينها المحملة بالأثمار ومروجها الخضر . يذكر سفر التكوين فى الإصحاحين الثاني والثالث تفاصيل عن جنة عدن وأنهارها ، وان معظم هذه المسائل جذور سومرية بابلية ، وان هذه الكلمة جاءت من الكلمة السومرية عدن بمعنى السهل الاراضى الزراعية السهلة. ولاشك فى إن التوراة تفترض ضمنيا إن جنة عدن كانت تقع فى جنوبي وادى الرافدين ، اى فى سومر. وقد ذكر فى النسخة السومرية لقصة الطوفان ، إن الالهه عندما منحت الخلود لرجل الطوفان مقابل إنقاذه نسل البشر من الفناء ، قد اسكنه فى بلد على البحر فى الشرق فى دلمون . وان السومريين تصوروها جنة با لفعل ، فهى ارض مطهرة مشرقة حيث إن الالهه اهتم برعايتها فجلب إليها المياه العذبة والحلوة . واهم من هذا وذاك فقد كانت دلمون ارض السلام والطمأنينة ، وهى ارض لا يعرف سكانها المرض والشيخوخة ، وبا لتالى فأنها كانت ارض الخلود. إن هذه الصورة للجنة السومرية فى دلمون لها انعكاسها فى سفر اشعيا فى التوراة ، الذي نقراء فيه على غرار ما نجده فى الأسطورة السومرية ، عن انتشار السلم والطمأنينة فى الارض حتى بين جنس الحيوان ) فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي والعجل والشبل والمسن معا وصبى صغير يسوقها والبقر والدابة ترعيان تربض اولادهما معا والأسد كالبقر يأكل تينا ... الخ ( . هذه هي الصورة الأشد وضوحا لجنة عدن كما ورد فى الإصحاحات الاولى لاشعيا , فأنه يأخذ الرواية السومرية غير عابىء إن يكشف أمره احد ليصنع منها عصرا ذهبيا يؤكد إن البشر حتى الاغيار منهم سيتمتعون فيه بملذات ونعم لا توصف ، فى ظل حكم صهيون البطل المنقذ المسيح المنتظر اشعيا 11-1-5 . ولعل من ابرز المظاهر الأساسية للجنة كما تصفها التوراة ، وجود الأنهار وشجرة المعرفة وشجرة الحياة. وان الماء يعتبر مصدرا ورمزا للحياة. وعند مقارنة هذه الحكاية السومرية بما ورد فى العهد القديم نجد.
    1- إن فكرة وجود الفردوس السماوي مقر الآلهة إنما هي فكرة سومرية ، وان دلمون نفسها أصبحت ارض الحياة والخلود لدى البابليين الذين استولوا على الحكم بعدئذ . وانه من المحتمل إن يكون الفردوس الذي تحدثت عنه الكتابات العبرية ، والذي وصف بجنة عدن التي تجرى منها انهار الدنيا الأربعة وبضمنها دجلة والفرات هذه الجنة هي نفسها فردوس السومريين الذي غدا بعدهم فردوس البابليين.
    2- هناك فى القصيدة ايضا وصف لري البلاد بواسطة اله الشمس ، من ماء مجلوب من الارض ، وهذا يذكرنا بما جاء فى العهد القديم الإصحاح الثاني السطر السادس ) ثم كان ضباب يطلع من الارض ويسقى كل وجه الارض ( .
    3- وهناك جانب أخر بين الحكاية السومرية وما جاء فى التوراة ، حيث إن الحكاية السومرية تصف ضلع انكى المريضة والتي خلقت لإعادة هذا الضلع إلى الحياة ، تحمل اسما سومريا يتعلق بأسم حواء ام البشر ، وفى ذلك ما يشير إلى المقولة الواردة فى العهد القديم ، والتي تتحدث عن خلق حواء من ضلع ادم.
    كما قلنا سابقا , إن انعدام الأيمان بالآخرة هو موروث ثقافي سومرى - اكادى عزز تعلق السومريين قبل العبريين بالحياة الدنيا . ومن هنا نجد إن السومريين كما يقول كريمر ) تشبثوا بالحياة بقوة غير معهودة , ولم يبهجوا القلب او يواسوا الروح بأمل الحياة فى الجنة , بل إنهم عشقوا الحياة , وواكب عشقهم هذا إضفاء قيمة عليا على أسباب الرفاهية المادية ( كذلك امن البابليون والكنعانيون الذين اقتبس العبريون ثقافتهم , والذين لم يجدوا بدورهم فى عقيدة الخلود ما تبتهج له النفس . ويلاحظ يورانت فى كتابه قصة الحضارة ) إن الدين السومري البابلي كان دينا ارضيا عمليا . فاذا صلى البابلي لم يكن يطلب فى صلاته ثوابا فى الجنة , بل كان يطلب متسعا فى الارض ( والأرض هي الفردوس العبري الموعود , ومشروع الإله العبري وشعبه بنى اسرائيل .
    ولم يحفل اليهود بفكرتي القيامة والخلود , ولم تدخل هاتان الفكرتان فى تقليدهم الديني , ويذكر جاك ليندسى Jack Lindsay فى كتابه التاريخ القصير للثقافة ) إن العبريين قاربوا فكرة القيامة وانبعاث الجسد للمرة الاولى فى القرن الثاني قبل الميلاد , وتمت المقاربة تحت وطأة الشعور بالهزيمة وذل الشتات من جهة , وتحت تأثير الديانة الزرادشتية التي أخذت اليهودية بمفهوم نهاية العالم , والعصر الخلاصى , والقيامة والحساب , وظهور عالم طاهر من جهة ثانية . وهذا المفهوم كان فى أساس أراء اليهود عن القيامة ( . اما برتراند رسل فيذكر إن اليهودية اشتركت مع المسيحية فى تأكيد فكرة العالم الأخر فى الدنيا , وهى من الأفكار الافلاطونية الجديدة فى الأصل . واول من قارب الفكرتين هو الفيلسوف فيلون فى القرن الميلادي الأول . وجاء فى موسوعة تاريخ الحضارات العام بالفرنسية , إن فكرتي القيامة والدنيوية عند العبريين ( لم تخرجا عن إطار النظريات التي لم تصادف تأييدا جماعيا ولا تأييدا رسميا ) . اما سومبارت Sombart فيقول فى كتابه اليهود والرأسمالية الحديثة فى كيفية تأول اليهود لفكرة البعث والحياة الأخرى ) إن اليهود فسروا القيامة من الموت على الشكل الذي يتوافق مع نزعتهم الدنيوية بحيث حصروا حق الحياة الأخرى بالأتقياء الصالحين الذين يجزون بالثروة فى الحياة الدنيا . ولم كان النجاح والإثراء فى هذه الدنيا هما بالنسبة لليهودي برهانا يقينيا على إن حياة الإنسان الدنيوية هي حياة مرضية من الله , فالنتيجة المنطقية التي تترتب على هذه القناعة هي إن الآخرة ستكون من نصيب الناجين والأثرياء فى الحياة الدنيا .
    واللافت للانتباه إن القران الكريم قد انتقد يهود الجزيرة , ويشك فى إيمانهم باليوم الآخرة , وهدفهم فى الحياة هو تعلقهم بالحياة الدنيا وخوفهم من الموت دليلا على كفرهم بالآخرة ) قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين , ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين , ولتجدنهم احرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود احدهم لو يعمر ألف سنة ( سورة البقرة 94-96


    4- قصة الطوفان
    اكتشفت بعض الألواح التي عثر عليها فى نينوى فى أواخر القرن التاسع عشر ، وأتضح إن احدها عائد إلى مكتبة أشور بانيبال ، الذي حكم خلال القرن السابع قبل الميلاد . وان هذا اللوح يتضمن حكاية عن الطوفان شبيهة بما ورد عن الطوفان العظيم فى سفر التكوين . وبعد ترجمة هذه الألواح تبين إن قصة الطوفان هذه تشكل جزءا من قصيدة طويلة ، وهى ملحمة كلكامش ، حيث يحتوى اللوح الحادي عشر على القسم الأعظم من قصة الطوفان . وقد اكتشفت ألواح اخرى تشير إلى إن تلك الملحمة كانت قد كتبت فى الفترة البابلية القديمة التي تعود إلى القرن السابع عشر قبل الميلاد ، كما إن تلك الملحمة وجدت مترجمة إلى اللغة الحورية واللغة الثية . ومن هنا يتضح إن تلك الملحمة كانت قد ترجمت إلى اللغات القديمة ، وأنها عرفت منذ ألازمان القديمة فى جميع مناطق الشرق الأوسط. ومن المعتقدات السومرية والبابلية حادثة الطوفان روتها المآثر فى ثلاث روايات رئيسية تتشابه فى تفاصيلها . واهم هذه القصص قصة اتراخاسيس الذي أنقذ البشرية من خطر الفناء أثناء الطوفان العظيم الذي شمل الارض برمتها. وتقول القصة أجمعت الالهه بتحريض من اله الجو والهواء انليل على أحداث الطوفان ، عقابا للناس الذين تكاثروا فى الارض بشكل يلفت النظر ، إلا إن اله الحكمة أيا الذي عرف بحبه للناس ، عز عليه إن تفنى البشرية بفعل الطوفان ، فانذر رجلا تقيا وحكيما بان يبنى له سفينة قائلا له ) هدم بيتك وابن سفينة اترك المال وانشد الحياة واحمل فى السفينة بذرة كل المخلوقات الحية ( وتلقى رجل الطوفان أمر الإله با لطاعة فبدأ على الفور يحشد الطاقات لإنجاز المهمة فى سبعة أيام. وبعد إن انتهى من بناء السفينة جاء دور تحميلها با لمؤن والبشر والحيوانات ، حسب تعليمات اله الحكمة أيا ويقول الإله أيا مخاطبا رجل الطوفان ) ترقب الوقت المحدد الذي سوف أخبرك به ثم ادخل السفينة وأغلق بابها وزوجتك وصاحبك وقريبك والعمال الماهرين احمل فيها شعيرك وأمتعتك وأموالك ( ثم جاء الطوفان الهائل رعد يشق عنان السماء ، أعاصير مدمرة تعصف وتزمجر ، فيضان عارم ، وظلام حالك ، ودمار فى كل مكان ، حتى إن الالهه نفسها تراجعت مذعورة إلى أقصى السماوات ، واستمرت الحال على هذا المنوال سبعة أيام وسبع ليال . أتى الطوفان خلالها على كل مافي الارض من مخلوقات ) فأصبح الناس يملا ون البحر وكأنهم صغار السمك ( على حد تعبير رجل الطوفان . ومن جهة اخرى فقد كان هلاك الناس على هذا النحو مدعاة لندم شديد وحزن عميق من الالهه ، وخاصة تلك التي عرفت بحبها للناس ، مثل الإله انكى الالهه عشتار . ثم هدأ البحر ، وسكنت العواصف ، وانتهى الطوفان . ويقول رجل الطوفان انه تطلع إلى البر من السفينة فوجد إن السكون يخيم فى كل مكان ، وان البشر جميعا تحولوا إلى طين . وفى تلك الأثناء استقرت السفينة على جبل اسمه نيسير ، اى إنها قد بلغت مستقرها الأخير . وانه لا أمل فى إن تتحرك من ذلك الموضع ، وعندئذ اى فى اليوم السابع اخرج رجل الطوفان حمامة وهو يقول ) وراحت الحمامة ولكنها لم تلبث إن رجعت ، لقد رجعت الحمامة لأنها لم تجد محطا لها ، وأخرجت السنوسو وأطلقته ولكنه لم يلبث إن رجع لأنه لم يجد محطا له ، وعندما أخرجت الغراب وأطلقته فانه لم يرجع ( .
    إن قصة الطوفان فى وادى الرافدين تركت أثرا واضحا فى التوراة ، حيث نقراء فى سفر التكوين تفاصيل وافية عن الطوفان. إن التشابه بين قصة الطوفان فى المراجع المسمارية وبين التوراة واضح كل الوضوح. وقد جاء ذكر الحمامة والغراب فى التوراة ايضا . وجاء ذكر استقرار السفينة على جبال ارارات . ويضيف احد النصوص المسمارية فيذكر إن رجل الطوفان اتراخاسيس اصطاد الطيور السماوية المجنحة ووضعها فى السفينة . قارن ذلك ايضا بما ورد فى التوراة ، التكوين 6-18-23 .


    5- عالم الاموات
    اعتقد سكان العراق القدماء من أهل بابل وسومر إن الموت نهاية كل إنسان ، وان الخلود غير ممكن إلا للآلهة . وما ملحمة كلكامش إلا تأكيد واضح على هذا المعتقد والتفكير الذي امن به سكان وادى الرافدين إيمانا عميقا . وقد استسلم كاكامش فى نهاية المطاف ، بعد إن فشل فى الحصول على الخلود ، بالرغم مما كان يتمتع به من صفات خارقة . والموت بالنسبة للديانة البابلية هو انفصال الروح عن الجسد ، وليس فناء مطلق للإنسان ، حيث إنهم اعتقدوا انه بينما يستقر الجسد فى القبر فأن الروح تنزل إلى عالم أسفل ، هو عالم الأموات ، أطلق عليه فى السومرية اسم كور ** العالم السفلى ** لتبقى هناك إلى ابد الدهر ، حيث إنهم لم يعتقدوا بوجود قيامة. وينتقل الاموات بواسطة قارب يقوده ملاح خاص يمخر عبر نهر عباب . وعلى الرغم من إن هذا العالم هو عالم الاموات إلا انه لا يخلو من معالم الحياة ، ففي معتقدات سكان وادى الرافدين مكان أبدى ، تقيم فيه أرواح الناس على اختلافهم الأخيار والأشرار الأغنياء والفقراء العبيد والأسياد ، وكذلك مستقرا لأرواح الملوك وعظماء الارض ، حيث تصف لنا الألواح السومرية نزول الملك أور - نمو إلى العالم السفلى بعد موته ، حيث يصل إلى البقعة التي كان قد عينها المسئولون هناك مقرا لأقامته ، فيحييه الاموات تحية طيبة يشعر معها كما لو كان فى بيته ، ويجد أور - نمو إن البطل الميت كلكامش قد أصبح قاضيا فى ذلك العالم ، اذ يسارع إليه فيوضح له جميع الأنظمة والتعليمات التي تحكم عالم الموتى. وجاء فى التوراة وصفا مماثلا لما ورد فى اللوح السومري أعلاه ، حيث نزول ملك بابلي إلى عالم الموتى ، واستقباله من قبل أخلية عظماء الارض ) الهاوية من أسفل مهتزة لك لاستقبال قدومك منهضة لك الاخلية جميع عظماء الارض أقامت كل ملوك الأمم عن كراسيهم كلهم يجيبون ويقولون لك أنت ايضا قد ضعفت نظيرنا وصرت مثلنا. اهبط إلى الهاوية الذين يرونك يتطلعون إليك يتأملون فيك اهذا هو الرجل الذي زلزل الارض وزعزع الممالك ( اشعيا الإصحاح الرابع عشر . علما بأن ما ورد فى الألواح السومرية سابق للعهد القديم بأكثر من ثلاثة ألاف سنة . وقد اعتقد سكان العراق القدماء ايضا بوجود صلة وثيقة بين روح الميت فى العالم السفلى وجسده فى القبر. وقد أطلق السومريون تسميات اخرى عديدة على عالم الاموات من اشهرها ** ارض اللارجعة ** حيث اعتقدوا إن روح الميت تنزل إلى هناك وتبقى محتجزة إلى ابد الدهر. والعالم السفلى فى معتقدات السومريين والبابليين مكان مظلم ، يقع تحت الارض ، وله سبع بوابات تحرسها آلهة خاصة.
    وفى التوراة جاء استعمال كلمة شيؤل للتعبير عن عالم الاموات . فما هي شيؤل هذه؟ الذي تصوره الديانة اليهودية على غرار الأساطير السومرية والبابلية مستقرا لأرواح الموتى ، وقد استخدمت اللفظة فى العهد القديم 65 مرة ، وقد أعطيت لها معنى القبر 31 مرة ، ثم استخدمت 31 مرة ايضا بمعنى مستودع الموتى، و3 مرات بمعنى الحفرة. واستعمل المترجمون كلمة الحفرة لا صفاء صلاحية ومشروعية على ترجمتهم للفظة شيؤل ، اقتباسا لمعنى الجحيم بالشكل والأسلوب المسيحي الذي اخذ أصلا من ** بحيرة النار ** المصرية العربية وخاصة فى سفر الأمثال تم تحوير الكلمة إلى الاخلية حيث ترجمت عبارة ** يبقى فى شيؤل ** إلى **يسكن بين الاخلية ** وقد ترجموا هذه الفقرة فى وقت متأخر جدا . فقد تصور العبرانيون إن عالم الاموات شيؤل يقع فى باطن الارض تحت مياه البحر ، كما جاء ذلك فى سفر أيوب ) الأخيلة ترتعد من تحت المياه وسكانها. الهاوية عريانة قدامه والهلاك ليس له غطاء ( كما تصوروا هم ايضا إن العالم الأسفل مكان مظلم وان له بوابات على غرار معتقدات البابليين ) أليست ايامى قليلة اترك كف عنى فانبلج قليلا قبل إن اذهب ولا أعود إلى ارض ظلمة وظل الموت ارض ظلام مثل دجى ظل الموت وبلا ترتيب وإشراقها كالدجى ( سفر أيوب ) هل انكشفت لك أبواب الموت او عانيت أبواب ظل الموت ( سفر أيوب أيضا ) أنا قلت فى عز ايامى اذهب إلى أبواب الهاوية قد أعدمت بقية سني ( كما جاء فى سفر اشعيا. ولا يخلو اى سفر من أسفار التوراة فى ذكر الهاوية على إنها العدم الذي لا حياة بعده . لقد خلت أسفار التوراة من ذكر البعث ويوم القيامة والحساب والدينونة , وكان اعتقادهم فى بداية الأمر إن يوم الحساب يقع فى الارض السفلى , فحين جاء أخوة يوسف إلى يعقوب أبيهم بقميص يوسف ملطخا بالدماء , حزن يعقوب ومزق ثيابه وقال ) انى انزل إلى ابني نائما إلى الهاوية وبكى عليه أبوه ( تكوين 37-35 . وجاء ايضا فى التكوين 16-30 ) ولكن إن ابتدع الرب بدعة وفتحت الارض فاها وابتلعتهم وكل مالهم فهبطوا أحياء إلى الهاوية تعلمون إن هؤلاء القوم قد ازدروا بالرب . وفى الهاوية تنقطع صلة الإنسان بالرب ) لأنه ليس فى الموت ذكرك . فى الهاوية من يحمدك ( مزمور 6-5 . ويوصى داود ابنه سليمان بأن يقضى على يؤاب بن صروية فيقول له ) ولا تدع شيبته تنحدر بسلام إلى الهاوية ( ملوك أول 2-6 . ففي سفر اشعيا جاء ذكر الهاوية فى عدة مواضيع ) فالهاوية قد وسعت نفسها وفغرت فاها بلا حد ( 5-14 ويقول الملك حزقيا ملك يهوذا ) أنا قلت فى عز ايامى اذهب إلى أبواب الهاوية ,قد أعدمت بقية سني ( 38-10 ) وهى عالم سفلى تفترش فيها الرمم ويكون الدود غطاء لمن يحل فيها وهى تبتلع الجميع العظماء والملوك ( اشعيا 14-9 ) لأنكم قلتم قد عقدنا عهدا مع الموت وصنعنا ميثاقا مع الهاوية . ويمحى عهدكم مع الموت ولا يثبت ميثاقكم مع الهاوية ( اشعيا 28-15 . وبطبيعة الحال فأننا لا نتوقع إن تتشابه معتقدات الموت عند العبرانيين مع سكان بلاد وادى الرافدين إلى حد التطابق. ولكن هذا لا يمنع من وجود تأثيرات بابلية وسومرية فى معتقدات العبرانيين الخاصة بالموت والعالم الأسفل تسربت إلى التوراة.
    وقد ملاْت الديانة اليهودية الفراغ الذي كانت فيه حول الموت والقبر بمادة بابلية كانت منهوبة هي الأخرى وحرفت ايضا لإخفاء الأصل الذي نهبت منه ، لكن الملامح الأساسية ظلت باقية ناطقة بمنشئها الأول. ففي الميثولوجيا البابلية كان الموت هو الاندثار ، والقبر هو الظلام الرهيب ، والحفرة العميقة التي لا صعود منها والمكان الكئيب الذي لا يعود من يذهب إليه ، والمكان الذي لا يخرج منه من دخله. وقد كان البابليون والسومريون يعتقدون إن النجاة الوحيدة من اندثار الموت وظلمة الحفرة العميقة رضا الإله مردوخ الذي يستطيع إن ينقذ الإنسان ألحى من نزول القبر. وان البابليين يؤمنون ايضا بأن محاسبة الالوهة للبشر محاسبة أرضية صريحة ، وبأن نتيجتها اى الثواب والعقاب ارضيةايضا. الثواب هو النجاة من الأمراض والأعداء والانتصار عليهم ، وامتلاك الثروة والمكانة العالية الرفيعة. وقد ترددت كلمة ** سلاه ** 73 مرة فى سفر المزامير اشارة إلى عالم الموت البابلي ، وان المعنى الحقيقي لهذه الكلمة مرادف كلمة الجب او الحفرة العميقة او الهاوية. فالديانة اليهودية لم تتقبل فكرة بقاء الروح والإيمان بان هناك عالما أخر بعد الموت ، يحاسب البشر فيه بعد رحيلهم عن الدنيا ، على ما فعلوه فى حياتهم الدنيوية ويثابون او يعاقبون . والمزمور 115 يقول ) السموات سموات للرب اما الارض فأعطاها لبنى ادم ليس الاموات يسبحون الرب ولا من ينحدر إلى الارض السكوت شيؤل ( وقد التزمت الديانة اليهودية بتلك الرؤية البابلية ، لعدم جدوى التطلع إلى وجود الروح او بقائها او الطموح إلى البعث من نصائح سفر الجامعة للأحياء ، بأن يغنموا فرصة الحياة لان التطلع إلى ما ورائها عديم الجدوى وباطل . وقد أخذت اليهودية بتلك الرؤية العدمية فى الاعتقاد . وان البقاء بعد الموت فقط فى اسم الميت وفى عظامه ودمه. ومازال اليهود حتى هذا العصر يؤمنون إيمانا قويا بأن جوهر الإنسان فى اسمه فقط. واليهودية هي الديانة التوحيدية التي أسقطت من حسابها تماما عالم ما بعد الموت ، ولم يرد من كتبها اى معتقد عن خلود الروح ، او مفهوم الانبعاث . ولاشك فى إن فكرة اليهود عن العالم الأخر بعد الموت من حيث اعتبار الموت انتهاء للحياة ، او انطفاء للوعي ، ومايأتى بعد الموت افكار لم تتبلور إلا فى العصور المتأخرة . وقد حاول أحبار اليهود فى كتاباتهم المتأخرة والتي لاتشكل جزءا من العهد القديم تدارك ذلك الأمر بالتحدث عن الجنة والنار . اما تلك الأجزاء من العهد القديم والتي الفت قبل غيرها من كتابهم المقدس فأننا لان جد فيها إلا إشارات غامضة ومتفرقة وشديدة الإبهام ، وفى أفضل حالاتها يمكن القول باعتقادهم ببقاء الإنسان بعد موته ، اى بوجود عالم أخر مختلف ويمكن ربط هذا الاعتقاد بعناصر السحر فى الديانات البدائية وتفكيرها الساذج بأن كل ما يمكن إن يبقى للإنسان بعد موته لايزيد عن عظامه ودمه واسمه . وان تلك البقايا يمكن إن تتواجد بعد الموت فى مكان يسمى شيؤل وهو عالم البقاء )عالم تستمر فيه الحياة بعد الموت بشكل غير جسدي( فهى نظيرا للعالم الأسفل. وبالرغم من ذلك فان التوراة قد اقتبست كثيرا من المعتقدات الدينية البابلية والمصرية وعند دراستنا لسفر الأمثال سنجد انه قد سلب من هذه الديانات القديمة حرفيا من حيث إن الذي يفارق الحياة ميتا فى العالم السفلى. ولكن كيف يظل الإنسان ميتا وهو قد مات أصلا؟ لان الديانة البابلية والمصرية ترى إن وراء القبر حياة اخرى باقية لكن يفارق الحياة الدنيا لا يغنم تلك الحياة الأخرى الباقية إلا بعد محاكمة عسيرة فى العالم السفلى. واذا ماادين فى تلك المحاكمة بأنه لم يكن صالحا فى حياته الدنيا حرم من الحياة الباقية اعدم فلم يعد له بقاء وهو المفهوم الذي اقتبسه )العهد القديم( بغير فهم وظل غامضا فى معتقداتهم الدينية اليهودية لأنه انتزع من سياقه ثم جاء المترجمون بأعطاءه صفة الاخلية اى )الظلال او الأشباح( ولهذا فان كل الأفكار التي سلبت من الديانة البابلية والمصرية وأضيفت إلى الديانة اليهودية طمست بعض معالمه وحرف من سياقه وأضيف إليه او انتقص منه عملا على التعتيم عن أصله مما جعله مستساغا لليهود فى تقبله وتفهمه ثم أصبح مفهوم خلود الروح ومفهوم الحساب بعد الموت والثواب والعقاب ومفهوم البعث مستبعدا فى الديانة اليهودية ولم يأتي اى ذكر للعالم الأخر وخلود الروح . وكل هذه المفاهيم لم يذكرها العهد القديم ولم تنطق به أسفار التوراة . ونتيجة لتلك الحيطة فى عدم ذكر خلود الروح او العالم الأخر قدم سفر الجامعة )العهد القديم( هذه النصيحة إلى اليهود )كل ما تجده يدك لتفعله فأفعله بقوتك لأنه ليس من عمل ولا اختراع ولا معرفة ولا حكمة فى شيؤل التي أنت ذاهب إليها( إن توجه هذه النصيحة إلى اليهود تؤكد على عدم إيمان اليهود بخلود الروح . وان وهم امتياز الإنسان بخلود وهم باطلا. وجاء ايضا فى سفر أيوب مايلى )والسحاب يضمحل ويزول. وهكذا الذي ينزل إلى شيؤل لا يصعد( وكذلك مااكده اشعيا )هم أموات لا يحيون أخلية لا تقوم( وفى عقيدة كهذه تنكر وجود اى اعتقاد بحياة للروح او خلود او بعث كان طبيعيا إن يصبح الحساب والثواب والعقاب مسألة أرضية بحتة. وجاء فى سفر الجامعة عن مفهوم الاندثار بالموت بقوله إن الإنسان عندما يموت) فى الظلام يذهب واسمه يغطى بالظلام( وتأكيده إن كل ماهو غير ذلك )باطل وقبض الريح( وهو ما يؤكده سفر أيوب حيث يؤكد النبي أيوب الرجل الطيب الذي يتمنى الموت ليخلص من العذاب الذي هو فيه)ليملكه الظلام وظل الموت( ثم يؤكد فيقول ليتني خرجت من الرحم إلى القبر رأسا( )اتركني كف عنى لأستريح قليلا قبل إن اذهب إلى حيث لا رجعة إلى ارض الظلام وظل الموت. ارض ظلمة كالظلمة ذاتها وظل الموت لا نظام فيها النور فيها ظلام(

  4. #4
    6- الأمثال السومرية
    لقد اقتبس العبرانيون كل شيء من السومريين وحتى الأمثال والعبر السومرية تم اقتباسها من قبلهم وأضافوها فى كتابهم المقدس التوراة . لقد كتبت الأمثال السومرية قبل أكثر من ثلاثة ألاف وخمسمائة سنة ولابد إنها كانت قد ترددت على السنة الناس قبل تاريخ كتابتها بزمن طويل. وقد ذكر الكاتب والباحث كريمر فى كتابه التاريخ يبدأ من سومر قائلا )كانت الأمثال والحكم العبرية الورادة فى العهد القديم تعتبر أول مجموعة من نوعها فى العالم حتى تم التعرف على الحضارة المصرية القديمة واكتشفت هناك مجموعات من الأمثال والأقوال يسبق تاريخها الأمثال العبرية بعدة سنين إلا إن التعرف على حضارة وادى الرافدين برهن على وجود مجموعات من الأمثال والأقوال والحكم السومرية مكتوبة على ألواح الطين وهى تعود إلى زمن يسبق الأمثال المصرية بعدة قرون(


    7- لسان البشرية الوحيد
    عثر بين الألواح السومرية على لوح يشير إلى أول فكرة خطرت ببال الإنسان السومري حول العصر الذهبي الذي هو كما هو معروف فى الميثولوجيا الكلاسيكية هو العصر الذي يعيش فيه الإنسان فى سعادة كاملة ونعيم وامن لا وجود بها للخوف والرعب حيث تضمنت تلك الملحمة قطعا جاء فيها )كان ماكان فترة من فترات الزمان امن وسلام فى ارض سومر ارض الشرائع السماوية كان العالم كله يعيش فى وحدة يصلى لانليل بلسان واحد( وهذه العبارة التي تقول )بلسان واحد( حرفيا تثبت إن السومريين وليس العبريين هم أول من قال بان سكان الارض جميعا كانوا يتكلمون جميعهم بلسان واحد قبل إن تتبلبل الالسنة وتختلف اللغات إن السومريين هم أول من تحدث عن الجنة التي عاش فيها الإنسان زمنا قبل سقوطه نتيجة لغضب الإله.


    8- مجمع الآلهة
    امتازت الديانة البابلية ومعتقداتها بأشد التناقضات وعدم التماسك حيث إن هذه التعقيدات التي تواجدت فيها تعد من اغرب الظواهر التي تبرز فى أية دراسة عامة لهذه المعتقدات والأفكار الدينية التي تميزت بها الديانة البابلية والسومرية. كانت هذه الديانة تتميز بتعدد الآلهة كما امتاز مجمع الآلهة البابلي الذي ضم هذه العقيدة بأنه كان مليئا بالعبادات المتناقضة. فمجمع الآلهة فى الديانة البابلية عبارة عن تزاوج بين الآلهة مما ينتج عنه ولادة الأطفال للآلهة وعن طريق هذا الزواج نشأت )العائلة الإلهية( ولقد تكونت عند البابليين فكرة )مجمع الآلهة( بعد إن تزايد عددها مع مر الزمن فظهرت أولا ثلاث شخصيات مدبرة للسماء والأرض ومقر المياه . وان إحدى هذه الشخصيات الكبرى الاولى وهو ألهه السماء كان له تحت أمرته كل ماهو مكتوب فى السماء والأرض . وكان الإله انو هو الشخصية المهيمنة على مجمع الالهه حيث كان يقيم فى السماء ثم يأتي بعده الإله انليل وثم انكى ألهه العالم السفلى والذي أصبح فيما بعد ألهه مياه الهاوية التي لإقرار لها. وكان انو من أكثر الآلهة أهمية فى العصر السومري وكان مقامه فى السماء ولقد مكث هناك بالرغم من وجود ألهه آخرون يعادلونه فى القوة وظل معترفا به على انه أعظم الآلهة شأنا حتى حلول العصر السومري الجديد. ونستطيع إن نعثر على الدلائل التي تشير إلى علو شأن انو وتفوقه من الطريقة التي يستضيف بها الآلهة الأخرين. وتعتبر سماء انو المكان المفضل لاجتماع الآلهة فى الأفراح والمناسبات. وقد سلب العبرانيون وهم فى الأسر البابلي فكرة )مجمع الآلهة( فالمزمور 82 يوضح بجلاء ووضوح هذا الاقتباس الفضيع من الديانة البابلية وهذا النص يكشفهم ويعريهم مهما كان منتزعا من سياقه او طمس وحذف بعض معالمه او إضافة إليه بعض العبارات عملا على التعتيم عن أصله وإثباتا على ذلك فقد قام المترجمون فى ترجمتهم للمزمور 82 الذي يغنى فيه أساف قائلا )الله قائم فى مجمع الآلهة. فى وسط الآلهة يقضى( إلى تحريف النص ليصبح )الله قائم فى مجمع الله فى وسط الآلهة يقضى( فالمترجمون أعمتهم التقوى لأنه كيف يضعون بأيديهم الورعة نصا فى الكتاب المقدس يفصح عن تعدد الآلهة ؟ ولهذا السبب جعلوا )مجمع الآلهة( إلى )مجمع الله( والسؤال الذي يطرح نفسه هنا وبإلحاح كيف يكون لله وهو وحده مجمع ؟ لان المجمع تعنى الكثرة من الآلهة . وثم كيف يقضى الله وسط الآلهة ؟ إن المترجمين لهذه الفقرة لم يجدوا صيغة مناسبة يتقبلها العقل عند ترجمتهم لعبارة )فى وسط الله يقضى ( فتركوها فى الأصل وهذا النص يكشف مدى تلاعبهم وخبرتهم فى التحريف.


    9- فكرة المخلص عند السومريين والعبريين :
    إن فكرة )المخلص( تم اقتباسها عن البابليين والفرس , فقد كان البابليون يعتقدون انه كلما استشرى الفساد فى الارض وكثر الشرور والآثام , عاد إليهم ماردوك ليطهرهم من الفساد , ويشبع الخير فيهم . اما الديانة الزرادشتية التي وضع مبادئها زرادشت )660-583 ( قبل الميلاد فأنها تعتقد بظهور مخلص من بيت زرادشت مرة كل ألف عام لكي يناصر هرمازدا اله الخير على أخيه الهرمان اله الشر . وهكذا فأن هذه الفكرة انتقلت ايضا إلى فكر محرري التوراة , فأصبحوا يؤمنون إن يهوه سوف يبعث لهم من لدنه مخلصا , ينقدهم من هوان الأسر , ويعيدهم إلى فلسطين بمعجزات ربانية , تعوض عنهم قصورهم وعجزهم . فالفكر اليهودي قائما على رؤية توراتية تحد الزمن العبري بحدثين مهمين الحدث الزمني الأول هو الوعد الالهى الذي قطعه يهوه لإبراهيم بجعل الارض الفلسطينية ملكا حصريا لذريته , اما الحدث الثاني والأخير الذي ينتهي به الزمن فهو ظهور المسيح المنتظر الذي يتحقق يظهوره الحلم العبري بإقامة ثابتة على ارض الميعاد , وسيادة دائمة على الشعوب التي أذلت العبريين . وهذا الحلم المسيحانى العبري ينهى الزمن التأريخى بحكم المسيح المنتظر . وهذا المسيح لايأتى من اجل البشر كلهم بل من اجل خلاص بنى اسرائيل وحدهم , وهو يحرر اليهود من ظلم الشعوب لهم وقهرهم , وليجعل منهم سادة على العالمين , ويحيل الاغيار عبيدا لهم واماء . وهذا المخلص لابد إن يحمل هوية تثبت تحدره من الأسرة الداوودية , ولابد إن يكون مقر حكمه هو القدس , عاصمة العالم . وان خاصية هذا المخلص هي إن يكون مالكا أسباب القوة . فالمخلص الاتى من أخر الزمان لابد إن يحمل خصائص يهوه الذي يتصف بصفات اله البركان والعاصفة , وهى سمات انليل رب السومريين .


    10-مفهوم العقد عند البابليين والعبريين :
    إن مفهوم العهد او العقد الذي يربط بين العبريين ويهوه , هو مفهوم مألوف لدى شعوب الشرق فى الفكر والممارسة . وتقول كارين ارمسترونغ Karen Armstrong (إن المعاهدة بين يهوه وشعبه تتبع النموذج السومري . إن الجوهر فى العقد السومري-البابلي القديم هو مطلب الولاء المطلق , وهو الولاء الذي يطلب يهوه من شعبه فى مقابل تعهد من جانبه بالرعاية والحماية ) إن اعتقاد اليهود بعلاقة خصوصية مع اله خاص بهم , وإنهم من الكون فى موقع المركز , وإنهم شعب الله المختار وغاية التاريخ والزمان . فأن القدس هي فى اعتقادهم )سرة الارض ومركز الكون( , وهو اعتقاد سومرى ومصري ايضا يسبق ظهور العبريين على مسرح التاريخ . فقد امن السومريون بأن بلادهم )ارض مقدسة مختارة( , وصورو الارض على شكل طبق مسطح يطفو على سطح القمر , وتصوروا سومر على شكل تلة او قبة او صخرة تحتل موقع الوسط من الطبق وتدعى )سرة الارض( اى مركز الارض . وكما إن السومريين اعتقدوا إن بلاد مابين النهرين ترتفع عند تخوم اليابسة تليها الهوة المائية كذلك اعتقد العبريون إن القدس ترتفع فوق تخوم الهوة المائية . والقدس عند العبريين والنبي حزقيال هي الصرة او مركز الارض , وكذلك توصف القدس فى كثير من الأدبيات الإسلامية بصرة الارض . حيث إن أول بقعة بنيت على الارض كلها موضع صخرة بيت المقدس . والعبريون خلافا لكافة الشعوب ركدوا على مر الزمان على مفاهيم مر عليها الزمن , واستمروا فى ادعائهم بأن الأمة اليهودية هي مركز الزمان والمكان , وبأن استعادة وجودهم كدولة وأمة فى هذا المركز هو شرط استتباب النظام الكوني
    شبكة البصرة
    الاثنين 8 شوال 1427 / 30 تشرين الاول 2006
    يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس

  5. #5

    رد: أثر المعتقدات البابلية على التوراة

    هل يمكننا القول ان الحقد اليهودي مازال قائما؟ والدليل مايحصل بالعراق، رغم ان الدكتور بهجت قبيسي في الموقع عند اللقاء به قال خرجوا معززين مكرمين..ولكن...

المواضيع المتشابهه

  1. تاريخ المعتقدات والأفكار الدينية - ميرسيا إلياد ( 3 أجزاء )
    بواسطة محمد عيد خربوطلي في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-31-2015, 03:12 PM
  2. قصة الخليقة البابلية
    بواسطة سلام مراد في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-29-2014, 08:30 AM
  3. الثورات العربية الى اين ؟
    بواسطة سوسن البرغوتي في المنتدى آراء ومواقف
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-13-2011, 03:25 AM
  4. التوراة السامرية
    بواسطة جريح فلسطين في المنتدى ركن اللغة العبريه
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-16-2010, 09:31 PM
  5. خفايا التوراة
    بواسطة جريح فلسطين في المنتدى ركن اللغة العبريه
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-05-2009, 12:46 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •