الرمزية
سلام مراد
الرمزية مذهب أدبي فلسفي، يعبر عن التجارب الأدبية والفلسفية المختلفة بواسطة الرمز أو الإشارة أو التلميح.
والرمز معناه الإيماء، أي التعبير غير المباشر عن النواحي النفسية المستترة التي لا تقوى اللغة على أدائها أو لا يراد التعبير عنها مباشرة.
ظهرت الرمزية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتشير الدراسات أن الرمز كان مستعملاً وعند الفراعنة واليونانيين القدماء.
إن الرمز استعمل في حضارات وفي عصور مختلفة وعند شعوب كثيرة، ونلاحظ استعمال الرمز في الشعر العربي القديم مثلاً، إلاَّ أنَّ الرمزية الحديثة تبلورت في عام 1886م حيث أصدر عشرون كاتباً فرنسياً بياناً نشر في إحدى الصحف، يعلن ميلاد المذهب الرمزي وعرف هؤلاء الكتّاب حتى مطلع القرن العشرين بالأدباء الغامضين، وقد جاء في البيان إن هدفهم: «تقديم نوع من التجربة الأدبية تستخدم فيها الكلمات لاستحضار حالات وجدانية، سواء كانت شعورية أو لا شعورية، بصرف النظر عن الماديات المحسوسة التي ترمز إلى هذه الكلمات، وبصرف النظر عن المحتوى العقلي الذي تتضمنه لأنَّ التجربة الأدبية تجربة وجدانية في المقام الأول».
إن من أسباب ظهور المدرسة الرمزية هو الحيوية والصراع الفكري والأدبي الذي كان موجوداً في أوربا في القرن التاسع عشر، هذه الأجواء الفكرية والفلسفية والأدبية كلها هيأت لظهور المدرسة الرمزية والتي كان روادها في فرنسا موطن انطلاقها ونشأتها:
1 ـ الأديب الفرنسي بودلير 1821-1967.
2 ـ مالاراميه 1842-1898.
3 ـ بول فاليري 1871 ـ 1945م.
ـ وفي ألمانيا ريلكه وستيفان جورج.
ـ وفي بريطانيا ـ أوسكار وايلد.
ـ وفي أمريكا يمي لويل.
تهتم المدرسة الرمزية بالموسيقى اللفظية في الشعر، وتركز على الصورة، لكي تصل المعاني إلى القارئ بشكل تخييلي، فيشارك القارئ مع الكاتب بالإحساس بالجمال، والمعاني العميقة والبعيدة للمفردات.
والمدرسة الرمزية بهذه الحالة تحرض القارئ على التفكير، وتجعل منه طرفاً آخر يشارك في الإحساس بالنص من خلال الوقوف على النص بشكل مختلف عن الحالة التقليدية، لأن اللغة في نظر الرمزيين قاصرة وعاجزة عن أن تنقل لنا حقائق الأشياء، تبدأ الصور التعبيرية من الأشياء المادية المحسوسة ليستوحي ظلالها وأثرها العميق في النفس وفي منطقة اللاشعور، أو العقل الباطن، وهي منطقة لا يدركها العقل الواعي ولا يسلم بها، ولا تبرز مخزوناتها إلاَّ في الأحلام، وأحلام اليقظة، وفي حالات التنويم المغناطيسي، وفي هذه الحالة تصبح اللغة الشعرية، رمزاً لا تعبيراً. وعملية إيحاء لشتى الصور والأخيلة، وفي منطقة اللاشعور لا تهتم بالعالم الخارجي، بل بالخلجات النفسية الدقيقة التي يصعب التعبير عنها.
فالرمزية بالتالي تبتعد عن المشكلات الاجتماعية والسياسية، وتتجه نحو عالم الخيال بحيث يكون الرمز هو المعبر عن المعاني العقلية والمشاعر العاطفية.
والرمزية تستخدم أساليب تعبيرية جديدة، وألفاظ موحية، لأنها تتجنب المباشرة، من أجل خلق حالة من الخيال يشارك فيها القارئ مع الكاتب فيكون شريكاً وطرف آخر للنص لأن المتلقي هو طرف أساسي في عملية الكتابة والإبداع، فالنص والكاتب لا يكتملان بدون وجود المتلقي، أي يشكل المتلقي ثالثة الأثافي، وبذلك تكتمل الثلاثية، ويكون هناك مثلث تكمل أطرافه بعضها.
الرمزية في الكتابة العربية:
استعمل الشعراء والأدباء العرب الرموز في كتاباتهم، فمحمود درويش مثلاً يستعمل الرموز بشكل كثير في قصائده، نلاحظ ذلك من خلال طار الحمام، أحد عشر كوكباً، ولماذا تركت الحصان وحيداً، وأنا وجميل بثينة.
وسبقه في استعمال الرمز بدر شاكر السياب؛ فالسياب استعمل الرمز والأسطورة في قصائده بكثرة، وكذلك نزار قباني وشعراء كثيرين، تصعب الإحاطة بهم بدراسة قصيرة، وحتى الشعر العربي القديم لا يخلوا من استعمال الرموز، هذه الرمزية التي حتى لو اختلفت مع رمزية بودلير، والمدارس الرمزية الحديثة إلا أنها كانت موجودة، فالكناية تقارب وتوازي كلمة رمزي. فالكلمتان لهما معاني ودلالات مشابهة.
وكان تأثير الرمزية الأوربية سباقاً وواضحاً، على شعراء لبنان؛ منهم جبران، وميخائيل نعيمة، وأديب مظهر صاحب مجلة الأديب...
الرمزية في الشعر الحديث:
توسعت الرمزية في الشعر الحديث حتى إنها أصبحت في أحيان كثيرة طلاسم يصعب تفسيرها وفهمها، وفي أغلب الأحيان كان الرمز تقليداً، وفي أغلب الأحيان كان الرمز تقليداً للغرب وليس نتيجة تجارب عميقة عاشها الشعراء الشباب في العصر الحديث، فالرمزية في أوروبا كانت وليدة ظروف وصراعات فكرية وأدبية وفلسفية، أي كانت هناك بيئة حيوية تمور...؛ ظهرت فيها الرمزية ونمت كمدرسة جديدة مستقلة لها خصوصيتها، أما الرمزية عند الشعراء الشباب في العالم العربي، نسبة كبيرة منهم مقلدون وتجاربهم هي محاكاة لتجارب غربية، فالظروف الثقافية مختلفة في الشرق عن الغرب، والشعراء العرب في هذا العصر يسبقون عصرهم باستعمال الأساطير والرموز، والكلمات الغريبة، ووصلوا إلى أماكن لم يصلها لا من قبلهم ولا من بعدهم الشعراء لا في الغرب ولا في الشرق...