أنا وأم الشهيد : حكاية ملحمية من الزمن الصعب (*)
عبدالوهاب محمد الجبوري
المقدمة
***
ما بين هديل الأيام والسنين التي ،
أوصدتْ أبوابها أنينا ومباخرْ
وشموع أسقطت قاماتها كل الكبائرْ
تغصّ الذكرياتُ مثقلة
بأسفار مضغتْ صفحاتها شهواتها
وعند أسوار مدينةٍ تعثرت خطواتها
وعفرت وجه أعوامنا حوافرها
مضينا باسم الله ، فولدتْ قبلنا أسبابها
مضينا وصوت الريح همس صَلاتِنا
حكاية سمراء
تنبض في أطيافها خطواتنا
أنّى توقفنا ، قيل ذا محرابها
أنى مرّ النسيم بها شمالا ، قيل ذا فتونها
وإذا مر بها جنوبا تضوّعت فيها العطور
كأنما يسقى من الريحان شرابها
حكاية تتماوج الأضواء في أحداقها
سنبلة عذراء
تنهض من موطيء قدميها
يتكدس الربيع على هُدبيها
رحيقا يشرب من أحداقها ما تحدق
قافية تنقش على سرير الماء صداحنا
تصارع أمواج الشتات ، بألف جناح للقاء تحلق
***
القصيدة
(1)
وترٌ يصدح في خصب الغيوم
تراتيل زهو بالأماني تخفق
تاريخٌ يطوف في مدارات النجوم
شموسا تزدهي بالبهاء وتُشرق
قصتنا جذلى بفيض صفائنا
(ألمّها صفحات على كفّ الرياح تورّق )
تضي في طرقات الله آمالا
تفجّرت حتى كادت بالوجد تنطقْ
عيون الشمس تثير بي الذكرى
طيوفا خضراء ، تستحم كل صبح
(كأنها صبايا على وعد دنا تتأنّق)
أراجع أيامي صوت طفل يتلوّى
المح وحش حصار وأعناقا تُطوّقْ
ليل الحشرجات يكتظّ غربانا تنعق
تشبّ ريحانتي في النائبات سهاما تُرشقْ
ومن شُهب نأت وتدنّت ، نهض محمدٌ : (1)
أبي .. الروم عادوا ،
فخذني إليك سهاما ترشق
وقالها علي :
ضمني شبلا أطوف مواسمها قطافا
فالابن البرُّ يشرب نارها
وِِِِردا سخيا ما شاء المدى وأشرق
صبرا آل جبر .. صبرا يا عراق (3)
فالنهر نام بمقلتي ، انتظروا نوافذي
ريحا بالشابيب تبرق
(يعاودني شجوي إذا عنّ ذكره
أعاهده نصلا على الثأر يمشقْ )
(2)
تسوَّرني حتى نزْف القدس هواها
فليس لعرق غيرها في القلب يخفقْ
وفي حرب الثلاثين كشفتْ عن سنن
أدركت محنتها ،
فطاولتها تباريح تسمُقْ
وفي أيام الحصار زفرت ريح الفقر
فباعت لدرئه ما كانت به الدار تعبقْ
حتى النوافذ تخلّت عن خمائلها
فأرخت ذوائبها على أفياءٍ تصبو فتشرقْ
غزلت لنا ثيابا من بالات اقتنتها(4)
وبات سوانا واهن الدأب يُرتّق
ولما أدمن الجوع أسئلته ،
أدمنت ْ خيبته
فسَمَت على الآلام تمحقْ
ونهضت من كل قاع حاصرنا
وراحت تخطّ للمنى أهدابا تتسلق
كم جرح سرى بأحزاننا
فلم تعيا كل الهواجس بصبرها
ان ضمّدت جرحا بماء ،
ناحت بكفيه يمامات
تكابد من لسع النوى دموعا تترقرقْ
هي النخلة أمنا فاسألوا سادنها
عن السنابل التي تجمّعت
تحت ظلها بيدرا
واسألوا الأحلام التي أطلّت عيونا
على كل الدياجير تشرقْ
*******
(1) هو ولدي الكبير محمد قالها ووفى بوعده حتى استشهد في سبيل الله في 16 / 2/ 2010 ..
(2) هو علي شقيقه الأصغر، أطلق صرخته .. على خطى أخيه ما شاء الله وقدّر ..
(3) آل جبر .. كناية عن قبيلة الجبور كبرى قبائل العراق والعرب والذين شارك أبناؤها في كل معارك الدفاع عن الوطن والأمة وقدموا آلاف التضحيات بلا منة أو فخر ، وهو تعبير أيضا عن نفس الدور الذي اضطلعت به القبائل والعشائر العراقية من مختلف أطيافها ومذاهبها وقومياتها ..
(4) البالات هي ملابس مستعملة مستوردة من الخارج ، كانت ولا زالت تشتريها العوائل العراقية الفقيرة لرخص ثمنها منذ أيام الحصار الظالم على العراق وقبله ...
(*) القصيدة محدثة