إن الذين لا يفهمون جوهر الصهيونية، فلا يتصورونها إلا مشروعا توراتيا ممتد الطموح من النيل إلى الفرات، جاهلين فيها أو متجاهلين ديناميكيتها الاستعمارية (!!)
والذين لا يعرفون جينات الإمبريالية والوظيفية في الحمض النووي للصهيونية، وجينات الصهيونية في الحمض النووي لكل من الإمبريالية والوظيفية (!!)
والذين لا يملكون الوعي الكافي بمكانة وأهمية "التوازن السايكولوجي" للشخصية اليهودية، في إذكاء الحروب الإسرائيلية وتبريرها، فلا يفهمون تلك الحروب من ثمَّ سوى في كونها تعطشا أخرقا للدماء (!!)
والذين لا يفرقون بين حربٍ تفرضها إسرائيل لتعيدَ بها التوازن إلى معادلة "اللاحرب واللاسلم" عندما تكون هذه المعادلة قد اختلت لصالح رجحان كفة اللاحرب، مستحلبة رصاصَنا من بنادقنا كي نطلقه نحوها، فتعيدَ الحياة إلى جسدها الذاوي من رجحان كفة السلم، وبين حربٍ تُفرَضُ على إسرائيل لتدفعَ تلك المعادلة إلى الاختلال، عندما تكون متوازنة ومتماسكة، مستحلبةً رصاصَ بنادقَها هي كي تدافعَ بها عن نفسها في لحظة منتقاة بعناية، فارضة عليها حالة اللاسلم مُرَجِّحَةً كفة الحرب (!!)
والذين لا يدركون من المقاومة سوى أنها بندقية تُصَوَّب، ورصاصةٌ تُطْلَق، واستعداد للموت، بصرف النظر عن الفكرة التي تضغط على الزناد لتطلق الرصاصة، وعن الفلسفة التي تصوِّبَ البندقية كي ترصدَ العدو وتلاحقه، وعن السبب الذي يتم الموت لأجله كي يكون موتا نافعا ومفيدا ومنتجا (!!)
والذين لا فهم لديهم بالكيفية التي نقل بها قرارُ فك الارتباط الأثيم قضيةَ فلسطين من كونها "خيارا أردنيا"، إلى كونها "خيارا إسرائيليا"، ومن كونها "قضية وجود" في التاريخ اللامحدود، إلى كونها "قضية حدود" في الجغرافيا ضيقة الحدود، ومن كونها "قضية ثورة قومية مُحَتَّمة"، إلى كونها "قضية هوية بائسة ملجَّمَة" (!!)
إن هؤلاء جميعا، سيصدمهم إلى حدِّ الفجبعة ما سيؤول إليه الصراع، وما ستنكمش في حواضنه القضية، وما ستنقشع عنه سماء الإقليم من انحدارات غير مسبوقة لم يتوقعوها، بعد أن تضعَ حربُ العدوان على غزة أوزارَها (!!)
ألا إن غدا لناظره قريب فارتقبوه (!!)
ما أبأس ألاَّ يجد المرءُ شيئا يفعلُه سوى أن ينتظرَ النهاية (!!)