مأزق المصالحة الفلسطينية


الكاتب والباحث احمد محمود القاسم

من الوضح تماما، ان الانقسام الفلسطيني المؤلم، بين جناحي الوطن، في الضفة الغربية وغزة، بين حركتي فتح وحماس، يخدم المصلحة الاسرائيلية الصهيونية بكل قوة وواقعية، ومع وضوح هذه الخدمة، للعدو الصهيوني المحتل، لأراضينا ولشعبنا، فمع الأسف الشديد، ما زالت حركة حماس، تتمسك بمواقفها العدمية، من قضية المصالحة الوطنية، رامية بعرض الحائط، بكل المصالح الوطنية الفلسطينية العليا، غير آبهة بمستقبل الشعب الفلسطيني، ومستقبل قضيته الوطنية، وقضية عودة اللاجئين وغيرها من القضايا الملحة والهامة.
العدو الصهيوني المحتل، ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية، مسرورون جدا، لهذا الانقسام، ويدفعوا به، كي يستمر ويتواصل، كونه يخدم مصلحتهم المشتركة، فلا شك بان عودة اللحمة الى الجسم الفلسطيني، سيدعم المواقف السياسية الفلسطينية، وسيشد من أزر السلطة، وسيصلب من مواقفها في دائرة المفاوضات مع العدو الصهيوني، خاصة في حالة اشتراك حركة حماس، بمقاليد الحكم والحكومة، مع باقي الفصائل الفلسطينية وحركة فتح على وجه الخصوص، لأن الموقف الفلسطيني العام، سيكون محصلة للمواقف الفلسطينية المتصارعة، والموقف الموحد، لها سيكون هو القاسم المشترك بينهم، ولا يمكن لأحد تقديم تنازلات عنه، دون موافقة بقية الأطراف، والا فان وحدتهم ستتمزق، وموقفهم الوطني سينهار.
الأحزاب الاسرائيلية بقيادة نتنياهو، تمكنت من تحقيق وحدتها بين العديد من احزابها الوطنية المتشددة، والمتشددة جدا، وشكلت حكومة وحدة وطنية فيما بينها، واصبحت كلها اسيرة لمواقفها المتشددة، ولا تستطيع هذه الحكومة، الانفكاك منها خوفا من انهيار، هذه الحكومة اليمينية المتطرفة، بينما القوى الفلسطينية، خاصة حركتي فتح وحماس، لم تتمكنا من تحقيق اي وحدة بينهما على اسس وطنية وديموقراطية وواقعية، وقد يكون من احد اسباب هذا الفشل، ارتباط حركة حماس، ارتباطا عضويا، بنظامي الحكم السوري والأيراني، واعتمادها الكامل ماليا على هذين النظامين، ومن يملك المال يملك قوة التحكم بالآخر، وبذلك، وضعت حركة حماس نفسها بين فكي الكماشة، النظام السوري من جهة، والنظام الأيراني من جهة اخرى، وهي حقيقة، لا تستطيع الانفكاك منهما بالمطلق، حيث هما، من يمول رواتب ومصاريف قوات حماس العسكرية والمدنية، وكوادرها البشرية بدون حدود، وهذه بدورها تعيل اسرها وتصرف عليهم، ولولا هذا الدعم المادي المجزي، لكانت حركة حماس لن تجد من يقف معها من ابناء شعبنا المحاصر في غزة، ولا تستطيع الصمود ليوم واحد، ومن هنا، اعتقد جازما، ان حركة حماس، لا تستطيع الانفكاك بسهولة، من بين طرفي الكماشة، طالما لا يتوفر البديل المادي لها، الذي يكفل لها تغطية رواتب قواتها العسكرية وكوادرها الادارية وموظيفها في الوزارات المختلفة، والتي في غالبيتهم، عينتهم حركة حماس، بعد استيلائها على السلطة، بانقلابها العسكري المعروف، وشكلت على اثرها حكومتها اللاشرعية.
مأزق السلطة ايضا، ليس بالأمر اليسير أو السهل، حتى لوعادت حركة حماس الى احضان السلطة، ووقعت على اتفاق القاهرة للمصالحة، وتنازلت بعض الشيء، عن مواقفها المتشددة والمتزمتة والعدمية، فهي ستطالب بدفع رواتب كوادرها وعسكرها الموظفون لديها بعشرات الآلاف، والتي قامت بتعيينهم بعد انقلابها العسكري على السلطة الفلسطينية، كما ان الدول المانحة والولايات المتحدة واسرائيل، لن يقبلوا بدعم السلطة واجهزتها العسكرية والمدنية، أذا ما تضمنتها قيادات وكوادر حركة حماس، طالما لم تتمكن السلطة من اخضاع حركة حماس سياسيا وعمليا كي تكون خاضعة لها بالكامل، الى جانب اجندة سياساتها الخارجية والمبنية على اساس قرارات ومواثيق الشرعية الدولية، والمفاوضات مع العدو الصهيوني، والاعتراف بالاتفاقيات الموقعة معه وهكذا.
جميل جدا ما جاء بتحليل الكاتب والصحفي الفلسطيني الأستاذ هاني المصري فيما يتعلق بالوضع السياسي الفلسطيني الراهن والمستقبلي في مقالاته المتتالية عن الوضع الفلسطيني وازمة المصالحة وازمة المفاوضات الفلسطينية مع العدو الصهيوني، هذا التحليل السياسي والموضوعي، وكذلك فيما يتعلق بالمصالحة بين حركتي فتح وحماس، كان بودي لو نبه الاستاذ هاني بتحليله، الى التاثيرات الخارجية التي تدعم حركة حماس بالذات، وتملي عليها سياساتها وتفرض عليها مواقفها أيضا، والتي ترتبط ارتباط استراتيجي بكل من نظامي الحكم في ايران وسوريا، بحيث لا يمكن تغيير الموقف الحمساوي بدون تغير الموقف السوري-الايراني المشترك، وهو الكفيل بتغيير موقف حركة حماس راسا على عقب، لأن الذيل يتبع الرأس، كما ان تغيير مواقف كل من ايران وسوريا مرتبط اساسا، بايجاد دور لهما بمنطقة الشرق الأوسط، معترف به دوليا، ويؤخذ بعين الاعتبار مصالحهما المشتركة، بحيث لا يجوز للولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول، من القفز عليهما وتجاهل وجودهما، وكذلك موضوع التسلح النووي الايراني، والاعتراف بحقها بامتلاكه، اسوة بدولة الاحتلال الصهيونية.
حركة فتح، وبمعنى ادق، السلطة الفلسطينية، فحقيقة هي تسير وفقا للشرعية الدولية، وما تفرضه عليها مواثيقها وقراراتها الدولية، وتتعامل بذكاء مع موازين القوى المحلية والدولية، وتستغل الموقف الأوروبي المتميز نسبيا عن موقف الولايات المتحدة الأمريكية، بدون التنازل عن الحقوق الفلسطينية الوطنية الثابتة، والمتعلقة ببناء الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشريف، وبحق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى قراهم ومدنهم وخلافه، ومن امور اخرى تتعلق بالمستوطنات وازالتها، وكذلك جدار الفصل العنصري وتداعياته، فالحل اذن يكمن باستقلالية القرار الفلسطيني الداخلي ان امكن ذلك، وباعتقادي الشخصي هذا صعب ومستحيل تحقيقه، للأرتباطات الخارجية للتنظيمات الفلسطينية، كذلك فان التعنت الاسرائيلي والموقف الأمريكي غير الجدي من تصرفاتها اللاشرعية والعدوانية، والتي تعتبر فوق القانون الدولي، يجعل موقف الشعوب، يصب في اللامبالاة، لما يجري، وتدعيم العمل المقاوم والارهابي، مهما كان نوعه، حتى ان درجة الحقد الشعبي الفلسطيني والعربي وصل بأن يحيوا ويشيدوا ببركان ايسلندة، ويدعون الله يوميا بصلواتهم، بمواصلة ثورانه، ليزيد من خسائر الاوروبيين والأمريكان، ويعتبروا هذا البركان، هو من عند الله، دعما للقوى الشعبية الفلسطينية والعربية والاسلامية، اتجاه المواقف الأوروبية والأمريكية الداعمة لدولة الاحتلال الصهيونية.
لم نلمس كشعب فلسطيني وكشعوب عربية واسلامية، اي مواقف اوروبية او امريكية تنم عن عدالة حقيقية في مواقفهم الدولية، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وغيرها من القضايا الدولية الملحة، من هنا، فان الأمل مفقود تقريبا بحل عادل للقضية الفلسطينية برمتها على المدى القصير نسبيا، في ظل موازين قوى مختلفة، ومواقف عربية متخاذلة وغير فاعلة، وطالما العدالة مغيبة عن القضية الفلسطينية، فان اي حل سيفرض على الفلسطينيين، نتيجة لموازين القوى المحلية والعربية والدولية المختلة لصالح العدو الصهيوني، فان كل هذه الحلول لن تكون مجدية ودائمة او ازلية، فاي تغير في هذه الموازين مستقبلا، لصالح العرب والفلسطينيين، سيقلب الارض تحت اقدام الصهاينة المحتلين، طال الزمان او قصر، وستندم اسرائيل على عدم موافقتها على حلول عادلة للقضية الفلسطينية ولقضية اللاجئين، عندما لا ينفع الندم.
تحاول اسرائيل، استغلال الموقف الفلسطيني الضعيف، والذي لا يلقى دعما عربيا قويا وحقيقيا ومؤثرا على الولايات المتحدة الأمريكية كي تضغط على دولة الاحتلال الصهيوني، والناجم أيضا عن الانقسام الفلسطيني، حتى تحقق كل مكاسبها التي تحلم بها، بالأستيلاء على كل اراضي فلسطين كاملة، والاستيلاء على مدينة القدس الشرقية وتهويدها بالكامل، وجعلها عاصمة ابدية لها، وتبقي للفلسطينيين بعض الكانتونات المعزولة والمحاصرة، تحت اسم دولة مستقلة او امبراطورية مستقلة ايضا.
في ظل وضع عربي متخاذل، وانظمة عربية تتمسك بمقاليد حكامها ومصالحهم الشخصية، لا نامل ولا نتوقع نحن الفلسطينيون بحل لقضيتنا حلا مقبولا وعادلا وشاملا واستعادة لكل حقوقنا، وكل ما نتوقعه، دولة مسخ، على جزء من ارضنا المغتصبة، تكون نواة لدولة فلسطينية مستقبلية، بعد عقود اخرى من الزمن، يمكن قيامها على كامل التراب الفلسطيني بعد القضاء على دولة الاحتلال الصهيونية كلية.
قد يفهم البعض هذا الموقف، بانه موقف متطرف، وحقيقة، هذا شعور كل فلسطيني واقعي وبسيط، وهذا الموقف هو الكفيل بدفع اسرائيل الى نهايتها، لتزمتها وعنادها ونكرانها، حتى للحد الأدنى لحقوق الفلسطينيين، والتي اقرتها الشرعية الدولية.
نحن نعلم جيدا، ان الأوضاع الدولية بشكل عام، ليست ثابتة وأزلية، فكل شيء يتغير ويتبدل، وهذه سمة العصر، والزمن يعمل على تغييرها باستمرار الى ما هو افضل، لصالح الشعوب المحرومة والمظلومة والمقهورة، وقوى الحق والعدالة والسلام، طال الزمن او قصر، وعشرات السنين، لا تشكل شيئا بعمر الشعوب، طالما حافظت على تمسكها بحقوقها وكيانها، وتوارثت هذه الحقوق الأجيال الصاعدة من بعدها.
الكثير من الشعوب العربية وشعوب العالم تحررت بعد مئات السنين من النضال المسلح وغير المسلح، ودفعت التضحيات الجسيمة، من دم ابنائها كثيرا، وشعبنا لم يمض على احتلاله بضع سنين وستين عاما، بينما الشعب الجزائري تحرر بعد اكثر من مائة وثمانون عاما من الاحتلال الفرنسي، وكذلك الشعب اليمني والشعب المغربي وغيرهم الكثير من شعوب العالم في افريقيا وامريكا اللاتينية، ولن يضيع حق وورائه مطالب.