مقدمة كتابي "القدس في الشعر العربي الحديث المنشور عام 2012
يوسف حطيني
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
قبل نحو عشر سنوات كانت هذه الدراسة مجرّد فكرة صغيرة، نتجت عنه مقالة نشرت في إحدى الصحف السورية بعنوان "القدس في الشعر العربي"، وبمرور السنوات اهتزّت هذه الفكرة في نفسي وربت، حتى عزمت أن أعقد كتاباً كاملاً أتتبّع فيه صورة القدس في الشعر العربي الحديث، وقدّ شدّ من عزيمتي أننا نحتفل هذا العام بالقدس عاصمة للثقافة العربية.
ورأيت في أثناء جمع المادة أنّ الإخلاص للعنوان يقتضي أن يمتدّ الكتاب جغرافياً على مساحة الوطن العربي كلّه، وأن ينسحب زمانياً على العصر الحديث ابتداءً من مطلع عصر النهضة حتى الآن. وقد دعاني هذا الأمر تقصّي دواوين الشعراء، والمجموعات الشعرية التي تتضمن عدداً من النصوص التي تنتمي إلى هذا القطر العربي أو ذاك، محاولاً قدر الإمكان عدم التركيز على تجربة الشعر الفلسطيني، لأنها تجربة حظيت بكثير من الدراسات النقدية الجادة، وقد أتاح هذا الأمر إبراز تجارب الشعراء العرب الآخرين في سورية والأردن ولبنان وعُمان والإمارات وقطر والبحرين ومصر والسودان وليبيا والجزائر وموريتانية وغيرها.
وقد قمت بتقسيم الكتاب إلى ثلاثة عشر فصلاً حاولت من خلالها تتبع أهم الموضوعات التي أفرزها احتلال القدس من قبل الصهاينة، ورصدت بعض الظواهر الفنية المتعلقة بالقصيدة العربية التي كُتبت عن القدس، من مثل أثر استخدام اللون في الصورة الشعرية، ودلالة البنى اللغوية المستخدمة في التعبير عن الموضوع المقدسي.
ورأيت أن أبدأ الكتاب بتمهيد يدرس صورة القدس في التراث الشعري العربي القديم وصولاً إلى عصر النهضة، حتى يتمكن القارئ من إدراك عمق العلاقة بين الشاعر العربي وقدسه الشريف منذ أقدم العصور.
أخيراً..
ولا بدّ لي أن أخبر القارئ الكريم أن الفصلين الأخيرين من هذا البحث كُتبا والقلب ممتزج بدم ذوي القربى في غزّة المناضلة التي استباحها العدوّ الصهيوني برّاً وبحراً وجوّاً، وارتكب فيها مزيداً من المجازر الدموية التي اعتادتها مثلما اعتاد العالم (الحرّ) الصمت المريب.
وأشير هنا إلى أنّ هدف المجازر المتوالية التي يتعرض لها الشعب العربي الفلسطيني هو إجباره على النسيان، وهذا بالضبط ما يجعل واجبنا الأساسي تحريض الذاكرة الفلسطينية وتغذيتها دائماً بأغانٍ وقصص وأناشيد تمجّد الوطن وتغرسه في قلوب الأجيال الجديدة، وتدقّ مسماراً في نعش الكيان الغاصب.
وحسبي أن أرى أنّ هذا الكتاب ربما يسهم إسهاماً بسيطاً في تحريض الذاكرة الوطنية تجاه مدينة القدس التي أحبها العرب من مسلمين ومسيحيين، وكتب عنها شعراؤهم أحرَّ القصائد من أجل أن تبقى القدس الواحدة الموحّدة عربية حتى يرث الله الأرض ومن عليها.