مظاهر الالتزام في قصص هيام ضمرة


لأن القصة القصيرة محاولة لنقل حساسية الحياة بجرأة ومتعة وتكثيف ودهشة فقد نجحت القاصة (هيام ضمرة) عبر نصوص مجموعتها (إنهن النساء)بخلخلة ذهنية المتلقي فينا بمتابعة ماتعة لحركات شخوصها في أحوالهم النفسية وصراعاتهم مع ذواتهم وما حولهم.

ولأن نجاح النص ابتداء يتمثل في جملته الأولى كعتبة ضرورية لولوج أفيائه، فقد سجل للكاتبة تميزها بجملها الافتتاحية التي أخذت بأشواقنا لمتابعة مجريات الأحداث (شقت جفنيها عن عينين واهنتين ونظرات مفجوعة....كبله الغضب بقيود الحقد.....تتشابك الهموم في عقله) وظل سؤال: (لماذا)؛ يلح على متلقي نصوص (هيام ضمرة) في الوقت الذي يصب الكثير من الكتاب اهتماماتهم على سؤال: (ماذا) ناسين أن القصة القصيرة هي مدار توجيه الأسئلة وإثارة ذهن المتلقي وفكره قبل محاولات حشو رأسه بالمعلومات.
يحس متلقي النصوص بحميمية السرد وقربه من نبضه، ذلك أن النصوص تصدر عن حس مرهف منبعها القلب والصدق الفني والموضوعي.
تميزت نصوص (ضمرة) بعدم قولها كل شيء تاركة للمتلقي فسحة التعاطي مع حروفها, واستخراج ما خفي بينها من جماليات وأفكار. محذوفة على المتلقي أن يجدها، وهذا يتركنا أكثر وعيا وعمقا في فهم العالم وأنفسنا لنعيد تركيب القطع المفككة من تجارب الأشخاص وتجارب الكاتبة. ولهذا فقد أخذت نصوصها بأيدينا لبناء عالم مواز لعالمنا الحقيقي.
من عوامل تميز نصوص مجموعة (إنهن النساء) نجاحها في تصوير العوالم الخارجية والداخلية للشخصيات بآلية ذكية دقيقة. وريشة بارعة وشاعرية لافتة: (فتحت عينين مثقلتين بالإعياء/مات كل شيء في داخله/تهاوت التوقعات على منحدر الخيبة/ تعلقني المخاوف على حبال الترقب).
عالم الشعور والمواقف النفسية والصراعات المتأججة المتوترة كان لها نصيب في نصوص المجموعة التي كثفت خبرة الكاتبة القرائية لأعماق الواقع, وغاصت في طيات مشاكله الاجتماعية بتوظيف المفردة النضرة, والتركيب اللغوي الموحي, والعبارة الرشيقة, والتجارب الحياتية النابضة, والصراع والقلق النفسيين كما في قصة(دماء من رماد), إضافة لتنوع نماذج المرأة التي جاء بعضها متميزا وجريئا في بحثه عن الشهادة في سبيل الله.
وظفت الكاتبة الرمز التراثي ونصوص القرآن الكريم والأدعية الإسلامية عند الكرب وفي السفر وكثير من العبارات مثل: (على شفا جرف/ العين بالعين). كما برزت إرهاصات القضية الفلسطينية قضية المسلمين الأولى ببعدها الإنساني و
إن استوقفنا ملمح معالجة القضية من زاوية فكرية وصراع حضاري أكثر من كونها مجرد حالة انتقام كما فعلت بطلة قصة (بعمر الزيتون)رغم نواياها الحسنة ومحاولتها أن تفعل في سبيل وطنها شيئاً.

رصدت المجموعة بلغة موحية معبرة تسلل المفاهيم الغربية لمجتمعاتنا الإسلامية حتى أصبحت من أساسيات تعاملنا خاصة الطبقات الميسورة والمرفهة كالإيمان بالحظ ومفرداته عند التعاطي مع الواقع, وحمل الورود عند زيارة المرضى, والنظرة الاجماعية الخاطئة للمولود الذكر وتفضيله على الأنثى, وكشف المغالطات العلمية في أذهان من يحملون المرأة مسؤولية إنجاب الذكور, كما هزئت بتصويرها الساخر من الرجال الذين لا يستوعبون مفهوم المساواة بين الجنسين في الوعي الإسلامي!.
وكما تميزت الكاتبة بتعمقها في أحاسيس شخصياتها ،فقد استطاعت بذكاء أن ترسم ملامح شخصياتها من الخارج مع تلوين المكان بنكهته المحلية الخاصة(ساحة الجامع الحسيني) .
جاء حوار الشخصيات متقنا ومكثفا وغير مترهل ولا يخرج عن الغرض.
مقاربة صورة الأب في نصوص المجموعة كانت موفقة حيث رصدت الكاتبة صورة الأب السلبي الذي يقف أمام سعادة ابنته ويعيق زواجها.
ولئن كانت الأسرة لبنة المجتمع الإسلامي الأولى محورا نابضا في قصص المجموعة عموما إلا أن انعكاس السياسي على حيوات الآخرين وعلاقاتهم كان نقطة مضيئة بحيث وجدنا الكاتبة تمتح من جراحات الناس ولا تعيش بعيدا عنهم في برجها العاجي.
أشواق الإنسان, مطلق الإنسان, بحاجاته النفسية وجوعه الجسدي كان حاضرا, وبكلمات هادفة بعيدة عن الإسفاف كما هو العهد بالموضة الجديدة التي انطلقت في كتاباتها من السرير والجسد مدخلا للشهرة .
استخدمت الكاتبة بعض العبارات والجمل الجاهزة التي لم يعد لها وجود في الأدب الحديث: (أعلى رأسها حتى أخمص قدميها/على حين غرة/ تنبس ببنت شفة/يهددون بالويل والثبور)، ورغم الشاعرية الواضحة للمفردة والعبارة المستخدمتين فإن ما يلاحظ هنا هو طول الجمل السردية الذي يربك جمالياتها ويشتت نبضها. وهذه من ثم أقرب للسرد الروائي الذي يهتم بالتفاصيل دون القصة القصيرة التي تحتاج لتكثيف وإيحاء.
نعرف أن الأخطاء الطباعية ليست من مسؤولية الكاتبة التي كانت طباعة مجموعتها خارج الوطن! وبالتالي لم تتمكن من متابعة التصحيح .
نصوص (هيام ضمرة )قالت الكثير في مكاشفاتها الأولى, لكننا على ثقة أننا ما زلنا ننتظر منها الجميل والكثير والمدهش.