كلنا غزة
د. فايز أبو شمالة


على مسافة ألف كيلو متر من العاصمة الجزائرية، هنالك جنوب غرب الجزائر على الحدود المغربية الموريتانية (مدينة بشار) يكتب على الجدران بخط عربي واضح: كلنا غزة.

وفي مدينة المنصورة شمال القاهرة بمئات الكيلو مترات يكتب على الجدران بخط عربي واضخ: كلنا غزة.

وهنالك في مكة المكرمة، ونحن نطوف حول الكعبة تحت راية فلسطين، انطلقت صرخة من الحجاج تقول: كلنا غزة.

فهل صارت غزة بديلاً عن فلسطين؟ أم تم اختصار قضية فلسطين كلها في إطار غزة، ووقعنا في خطأ ضياع أصل الصراع، لنتعلق بالفرع؟
كلنا غزة ليست جملة جامدة بلا دلالات سياسية، وليست تعبيراً عن تعاطف وجداني عربي مع ضائقة سكان غزة، كلنا غزة صرخة العرب ضد الظلم، وبؤرة الكرامة العربية التي وجدت نفسها تتحقق في غزة، فصار التعاطف العربي من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق مع غزة اكتشافاً للشخصية العربية القادرة..

والراغبة في التخلُّص مما لحق فيها من عار الهزيمة، وخزي التذلل تحت أحذية الأعداء، كلنا غزة تعني صحوة عربية على الماضي الذي يحاول البعض أن يغيبه، وصحوة عربية على المستقبل الذي يحلم العربي أن يصنعه، فجاء التجاوب الوجداني العربي مع موقف غزة ليقول لكل الملوك والرؤساء العرب: إننا قادرون، وإننا على استعداد لأن نكون.

كلنا غزة لا تعني نسيان أصل الصراع مع الصهاينة، ولا تعني التخلي عن فلسطين كما يحاول البعض أن يفسر ذلك، بل العكس هو الصحيح، ولاسيما أن غزة تمثل للأمة العربية والإسلامية راية المواجهة والقتال والصمود، وإرادة التحدي، فإذا صار لغزة الحضور في قلوب العرب فمعنى ذلك أن المقاومة نقطة ارتكاز الشوق العربي، وإذا صارت غزة عنوان القضية الفلسطينية، ومحور اهتمام العرب فمعنى ذلك أن حرية كل فلسطين هي المطلب العربي، وليس قيام دولة فلسطينية على بعض فلسطين ما يطمح إليه العرب.

كلنا غزة المحفورة في وجدان العرب، تستحث القيادات العربية على محاربة دولة الكيان الصهيوني حتى النهاية، وحتى اقتلاعها من الجذر، والتصفية النهائية لها، لأنها مصدر الشر والفساد والموت الذي سكن تحت جلد العرب، ونخر عظمهم السياسي، وحمل اسم دولة)إسرائيل(.