الانسحاب الأمريكي من العراق – تحليل سياسي


عبدالوهاب محمد الجبوري


في إطار ما سمي الاتفاقية الأمنية ، حدد اتفاق مسبق بين الحكومتين العراقية والأمريكية نهاية عام 2011 موعدا لانسحاب القوات الأمريكية من العراق .. ويعد هذا الانسحاب أحد الإشكاليات التي تعمق الأزمة السياسية الداخلية التي مازال يعاني منها العراق منذ أشهر عديدة ، وعلى الرغم من إعلان القيادة الأمريكية في آب من العام الماضي عن البدء في إجراءات انسحاب القوات الأمريكية القتالية والإبقاء فقط على قوات غير قتالية لا يزال قرار الانسحاب النهائي محكوما بالعديد من القيود بعضها نابع من رغبة أمريكية محضة في البقاء حتى إرساء قواعد عسكرية متنوعة تمكن الولايات المتحدة من تقويض المشروع الإقليمي لخصومها في المنطقة وعلى الأخص إيران ، وبعضها نابع من طبيعة الموقف العراقي من هذه المسالة .. ومع اقتراب هذا الموعد تبرز ثلاثة مواقف لها علاقة مباشرة بهذا الانسحاب : موقفي العراق وإيران والموقف الأمريكي ..

فبالنسبة لموقف العراق فان المتابع للشأن السياسي العراقي يلحظ وجود صراع ساخن بين الكتل السياسية العراقية الحاكمة من هذه المسالة بين مؤيد لبقاء القوات الأمريكية خدمة لمصالح مشتركة وبين معارض لها، وبين بعض يخشى حصول تطورات داخلية كتلك التي تشهدها المنطقة العربية وحالة المخاض السياسي المرتبط بالاحتجاجات والثورات التي اجتاحت العديد من دولها المؤثرة في النظام الإقليمي العربي كمصر وسوريا وليبيا على وجه الخصوص .. وبشكل عام تشير التحليلات أن معظم تلك القوى ترغب ولا ترغب في الوقت نفسه في الإبقاء على القوات الأمريكية في العراق ، وهم وفقا لهذا المنطق يسوقون ثلاثة مبررات لتلك الحالة :

الأول: يتعلق بمبررات الإبقاء على الوجود الأمريكي من قبيل الخوف من القوى السياسية ذات الارتباطات الإقليمية الخارجية، ومن ثم فإن وجود القوات الأمريكية يمثل عوامل كابحة لتلك القوى وامتداداتها الإقليمية وأنصار هذا الرأي يتعللون بأن العراق لديه من المشاكل السياسية الداخلية والخارجية ما لا يستطيع أن يواجهها بمفرده خلال الفترة القادمة..

المبرر الثاني: يتعلق بمن يريدون انسحاب القوات الأمريكية لأن الانسحاب من وجهة نظرهم يُفوت الفرصة على الميليشيات المسلحة التي تحاول توظيف ارتباطاتها الإقليمية لتكريس حالة الاحتقان الطائفي المتجذرة بفعل الاحتلال الأمريكي والذي ساهم في تقنينها في نظام الحكم القائم على المحاصصة الطائفية..

أما المبرر الثالث: يتعلق بفئة محددة من القوى السياسية لا تكتفي بخروج القوات الأمريكية باعتبارها قوات احتلال فقط ولكن أيضا توجب على أنصارها محاربتها وأيضا خدمة لمصالح إقليمية ..

أما السواد الأعظم من الشعب العراقي ومقاومته فهم مع رحيل الاحتلال اليوم وليس غدا ..

وعلى الجانب الأمريكي يلاحظ وجود تباين بهذا الشأن ، فهناك أطراف سياسية أمريكية تطالب بضرورة الالتزام بقرار سحب القوات الأمريكية وخروجها من العراق، وأطراف سياسية أمريكية أخرى تطالب بتأجيل قرار الانسحاب .. النوايا الأمريكية بشأن التمديد لقواتها في العراق سواء أكانت قتالية أو غير قتالية أو قوات تدريبية هي نوايا واضحة ومعروفة ، وهي تلتقي مع رغبة العديد من القوى السياسية التي ترى في الوجود الأمريكي حماية لها ولمصالحها الإستراتيجية وتتناغم في التوقيت ذاته مع قوى إقليمية عربية محافظة ترى أن الأوضاع في العراق لا تزال بعيدة كل البعد عن الاستقرار السياسي والأمني، مما يجعل العراق ساحة لنفوذ واستقطاب إقليمي لصالح قوى إقليمية معادية لتلك القوى المحافظة، ومن ثم فإن الأمريكيين بالرغم من رغبتهم البقاء في العراق إلا أنهم لا يعلنون عنها صراحة وهم حريصون على أن يأتي طلب تمديد بقاء قواتهم من العراقيين أنفسهم في محاولة لنفى صفة ( المحتل) عن هذه القوات إذا ما كتب لها البقاء في الأراضي العراقية ..

وهذه النوايا الأمريكية عبرت عنها تصريحات وزير الدفاع الأمريكي بشأن الحالة الأمنية في العراق ، والتي يفهم منها محاولة التوصل مع الحكومة العراقية لصياغة اتفاقية أمنية جديدة، تختلف عن الاتفاقية المبرمة في عام 2008، بصورة تؤمن لواشنطن بقاءً عسكريا طويل المدى يستهدف عدم ترك الساحة العراقية للنفوذ العربي والإقليمي في ضوء التطورات على الساحتين العربية والإقليمية ، وخاصة في مصر وسوريا وعلاقة هذه الأخيرة بإيران ، والتي من شانها أن تهدد المصالح الأمريكية الإستراتيجية حسب التبرير الأمريكي .. فواشنطن ترى في أحداث سوريا فرصة لاحتواء أو ضرب التحالفات السورية في المنطقة وفصم عراها وخاصة مع إيران .. ولهذا تسعى واشنطن لتعديل إستراتيجية المواجهة مع إيران في العراق وهو ما يستدعى منها تقوية وجودها العسكري في العراق عبر إقامة القواعد العسكرية المتعددة، وكذلك تعزيز نفوذها السياسي بهدف احتواء النفوذ الإيراني في العراق اعتمادا على ما تواجهه إيران من خسائر في سوريا حاليا ..

أما عن الموقف الإيراني من الانسحاب الأمريكي من العراق فيرى محللون أن قراءة هذا الموقف ومدى ارتباطه بالقوى السياسية العراقية ومصالحها مع الطرفين الأمريكي والإيراني لن يكون مجرد تحليل لموقف قوى إقليمية لها حساباتها من الأحداث التي تجرى في دولة مجاورة لها بقدر ما سيكون تحليلا لقدرات الربح والخسارة التي نتجت عن تشابك المصالح وتداخلها بين كل من إيران والولايات المتحدة في العراق منذ بداية الاحتلال عام 2003 وحتى الوقت الحاضر ،لأن الاحتلال الأمريكي وفر قدرا كبيرا من المكاسب لإيران ولو بطريقة غير مباشرة جعل منها اللاعب الإقليمي الأكثر نفوذا وتأثيرا في الساحة السياسية العراقية بعد أن قام بعملية تصعيد لعدد من القوى السياسية الداخلية التي لها ارتباطاتها الأيديولوجية مع النظام الإيراني .. وبهذا فقد ضمن الإيرانيون – حسب صحيفة الخليج الإماراتية - تأجيل المواجهة الغربية مع إيران حول الملف النووي ..

وهناك رأي يقول إن تعقيدات الملف العراقي وتشابك العلاقة بين مصالح إيران والإدارة الأمريكية، أصبحا عاملاً رئيسياً في لجم المواجهة العسكرية مع إيران حول الملف النووي .. فانسحاب الأمريكيين من العراق، يعني تحررهم من قوة ضغط الملف العراقي عليهم ، بما يمكنهم من التفرغ لمواجهة إيران ، وان خروج الأمريكان من أرض السواد ، سيجعل الإيرانيين والمتحالفين معهم في مواجهة محتومة مع المقاومة والشعب العراقي ، فهم لن يتركوا لشعب العراق الحرية في الإمساك بزمام مقاديره، ويضحوا بما غنموه من حضور سياسي وأمني واقتصادي بعد الاحتلال الأمريكي ، وسيجد المقاومون العراقيون أنفسهم في حرب لا مفر منها لكبح جماح التدخل الإيراني في شؤون بلادهم ، إضافة إلى ما هو متوقع من مواجهة بين أمريكا وحلفائها في الغرب والكيان الصهيوني لحسم ملف إيران النووي ..

الاستنتاج الذي نستخلصه هو أن تمديد الوجود العسكري الأمريكي في العراق بات أمرا محتملا في ظل ما تم طرحه من رؤى تتعلق بالمشهد السياسي العراقي والحسابات الأمريكية التي ترى في التطورات العربية والإقليمية دافعا للاستمرار والبقاء في الأراضي العراقية ، حتى لو كان هذا الوجود اقل حجما وكثافة من السابق ، وفى ظل تغير محتمل في موازين القوة في المنطقة بشكل عام لغير صالح إسرائيل ..


مراجع مستفاد منها :

1 . صحيفة الخليج الاماراتية في 15 / 7/ 2011

2 . د. يوسف مكي ، إيران والانسحاب الأمريكي من العراق ، موقع الالكترونية الاقتصادية في 22 / 7 / 2011

3 . صافيناز محمد احمد ، العراق والانسحاب الأمريكي ، في 24 / 7 / 2011