نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

ما وراء الجدران....

لم أعد أطيق السكوت عن هذا الأمر أبدا.. ...
ولم أعد تلك المسكينة السلبية التي تسمع وتترك الأمور تجري على عواهنها..و دون أن أضع إصبع الاتهام على من سبب الجرح!لنسمه فضولا ..أو إيجابية...
صار لدي توق لأخرق جدران العتمة بقوة, وأنشر حرفي وصوتي الذي اختنق من المسار الواحد! صعب أن تملك كلمة حرة ولا تجد من يسمعها!
اخترقت أجواءنا نغمات الفساد... فدققنا الأبواب بمسامير صمتنا فصلبتنا على خشبة النفاق..

ناشدنا الجيران كي يقلعوا عن تلك النظافة الرهيبة والتي كانت تغرقنا بشلالات أكثر متعة من مياه نياغرا!
وموسيقى الليل تغرقنا أكثر في غضبنا الشرس..

كان صمتنا على رمي القاذورات من الشبابيك,التي كانت تعبر حواجز الأمن البصرية تعتم الرؤية النفسية بقوة...
كل هذا أمام صمت الجواب كان يصيبنا بالإحباط , وبعد الشكوى غير المجدية والتي كانت تظهر جميع الجيران كحمامات سلام مزهرة..لذنا بالصمت القاهر قسرا...
هل نذهب بأنفسنا للشرطة؟؟
.مازال السؤال يغرغر في حلقنا حتى سمعنا ذاك الصوت المؤلم مؤخرا...
**********
في ذاك الصباح كان يتعالى صياحها , كان يقطع نياط القلب ويجرحه بسكين فولاذية قاسية, ويستقي من حبال هدوء الليل مرا وعلقما فهذا أمر لم نعد ندري كيف يكون الخروج منه !
كل يوم نسمع زعيقها وصراخها حتى بات السؤال على شفاهنا العطشى لمعرفة ما وراء تلك الجدران ماذا هناك؟ .
هل مازال هناك وفي زمننا .. زوجة عصية وبهذا الحمق؟
تعود أولادي أن يضعوا عند بداية كل صدور أول صوت آذانهم على الجدران ليلملموا بعض حروف توضح لهم أسباب خلافات هذا اليوم الجديد!هل أمنعهم؟كيف أكبح جماح فضولهم؟
- ليعتقها لوجه الله إن لم تلبي حاجته ! فعلا شيء غريب وهل هناك أثمن من الكرامة ؟ .
هكذا صرخ أبو نضال لأنه لم يعد يطيق هذا الصوت اليومي...
نعم..
عندما تموت يموت صاحبها معها!
ساقني اجتماع الجارات في اليوم التالي إلى رؤيتها وكنت أتشوق لمعرفتها عن قرب فقد كنت أحدث الساكنات هنا مثلها تماما, والحديث معها مازال يثير فضولي الكبير..وقد بدا يأكل قلبي أكلا....يا لهذه الخصلة الغريبة..
كانت في غاية الأناقة والهدوء والرزانة!
ودارت حينها ثرثرة نسائية لطيفة..وبعد؟
-من هو الذي يغرقنا بمياه لا حاجة لنا بها ولا يستأذن أبدا؟والله أمر عجيب و معيب!
-بل من هو الذي يعلو صراخه في العمارة ولا يستحي أبدا؟
صمتن برهة واستطردت إحداهن:
-ربما كانت صغيرة سن لم تتفهم بعد طباع زوجها, أو ربما هي مقصرة فعلا وغير واعية لواجباتها الزوجية..يا للخيبة.
-ما أعرفه أن الزيجات في هذه الآونة تتجه لصغيرات السن فهن أقل وعيا لا نفسهن وأكثر أمانا لأزواجهن, ستغدو الزوجة هنا أكثر طواعية لزوجها , لقد نف الرجال من جيل منفتح ملوث النفس والأخلاق...
-أمر مزعج فعلا وغريب ,أن يصبح مجتمعنا المحافظ لبنة هدم لجيل يبني فتقع فيه زوجة غير واعية لحقوقها وواجباتها... وتسجد طواعية لمرآتها وأنانيتها!

-لا أظن أن هناك على صغر سن المتزوجات حديثا من تجهل تلك الأمور بتفاصيلها ,الحياة باتت كالكف المفتوح أوضح مما نتوقع ... ورغم هذا ما يخفى بات أكثر! أعربوا لي هذه الجملة من فضلكم,
رغم هذا مازلنا فضوليين جهلاء بما يجب أن نكون عليه من تنظيم ووعي فالزوجة أم ومربية قبل أن تكون عشيقة وحبيبة وووو على الرجال يقع لوم كبير فلا تبرؤوهم..
-أرجوك اسألي الأهل كيف يربون..مؤكد أنهم يعيدون القصة ذاتها من جديد وكرامة البنت لاتهمهم بقدر نقود الرجل وإمكاناته الذي تجعل من نفسه سلطانا قاسيا .يتجاوز مبدأ القوامة .
-الرجال الآن أكثر وعيا لمتطلباتهم , وأكثر انكسارا أيضا وبذات الوقت لظروفهم الصعبة, وأنا احترم الرجل الحازم وإلا فكيف نربي؟
-هل سيربي أولاده أم زوجته؟ ألا تملك المرأة كرامة تستطيع الفصل بين كينونتها وأمور أطفالها؟؟؟
-لماذا لا نسال عن الواجبات قبل الحقوق؟ لماذا نزوجهن صغارا ثم نطالبهن متأخرين بإثبات شخصية عافها الزمان واندثرت؟ وعندما يكبرن نخشى عليهن من العنوسة وتختلف المقاييس والتفاصيل متى نتوازن؟
ونطق الجبل أخيرا:
-هاأنذا أمامكن لست بحاجة لشهادة تعينني رغم رفضه لعودتي للدراسة,فهو مكتف ماديا ... قبل رحيل أهلي كانوا يكررون على مسامعي:
زوجك هو شهادتك..
******
عدنا لمنازلنا وعاد الصياح من جديد, هبطت الدرج مندفعة غاضبة..ودققت الباب بقوة و بقلق فتحت لي ووجهها محمر وصوتها متهدج قائلة:
-مالك؟هل هناك ما يريب؟نعم أنا من تسيل من بيتي مياه النظافة...
تلعثمت وارتبكت...
-هل هذا يرضيك ويرضي كرامتك الأنثوية ما يحصل هنا وما نسمعه الآن؟؟
-ما معنى كرامة؟ ...اطمئني أنا بخير
-!
أم فراس 27-9-2009