سحابة سوداء كبيرة تخفي خلفها... دمشق
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيالمصدر نبيل محمد
19 / 03 / 2007
إنها ليست لندنَ هذه المرة، بل مدينة نعرفها جيداً ونستنشقُ ضبابها كل يوم، هذا الضباب الذي كان يوماً ما عطرَ سكانها، مشهدُها من الأعلى كان مختلفٌ بما يحمله من ألوان ومن تفاصيل تستطيع أن تدركها وتستطيع أن تسمي شوارعها وربما أسواقها الصغيرة، أما الآن فالمشهد ما زال مختلفاً ولكن هذه المرة بما يحمله من غيوم داكنة تمنع الرائي من تمييز تفاصيل المدينة، وما عاد العاشق من على قاسيون يتجرَّأ أن يشير بيده إلى الشام ليقول هناك سيكون بيتنا.....



لم تطل كفُّ التغيير جزءاً واحداً منها، بل أضحت المعالمُ الأساسية التي كانت سابقاً تدلُّ على أنها دمشق دون سواها قليلة وربما نادرة، بردى ذاك النهر الذي كان له ما كان لم يعد يمتلك تلك الضفاف والأشجار ولم تعد ربوته متنفس أهل المدينة، الشام القديمة أيضاً كان لها تأثرها بهذا التغيير من خلال التحوُّل الكبير من مدينة قديمة إلى ملتقى سياحي استثماري، ومقاهيها تتحوَّل إلى بنوك، كل هذه الأمور تجد من يواسيها ويتحدَّث عنها ولا أحد يتحدَّث عن هذه المدينة التي تختنق.

يقول البعض إن تلك التغييرات أمست أجزاءً من المدينة، لكن القضية الأهم هي المشكلة التي تمسُّ المدينة ككل والتي تسكن كل شوارعها وأحيائها الحديثة والقديمة وحتى سكانها لم يكونوا بعيدين جداً عن متناول يد السحابة التي ستمطر يوماً ما.

يعرف الجميع المشكلة ويتصرَّف وكأن الأمر لا يعنيه على مبدأ "حط بالخرج ـ وقفت على سيارتي ـ شو بدنا نساوي ـ خلينا نعيش بالأول" إلخ...

صلب المشكلة

لكي نلاحظ تمام الملاحظة الغيمة السوداء فوق مدينة دمشق يجب علينا إما الصعود إلى قاسيون، أو دخول المدينة عن طريق حمص، حيث يمكننا أن ندرك حجم الكارثة وخاصة في النهار.

لا يمكننا أن ننكر بأن الكثير من مدن العالم تعاني من الازدحام المروري أو من قرب المصانع من المدينة، كما أن هنالك الكثير من المدن تعاني من الاختناق السكاني والضغط الكبير، لكن المميز في دمشق أنها لم تكتف بمشكلة واحدة بل جمعت جميع الأطراف وأضافت عليها كثرة الآليات التي تعمل بشكل غير نظامي صحياً بالإضافة إلى المركبات التي تسير على وقود المازوت الذي يضاعف حجم التلوث.

مختنقون

أبو سعيد "سائق سرفيس" يعيش على تماس مع المشكلة يومياً يقول: "ربما طبيعة عملي كسائق تجعلني أقرب إلى الشوارع والسيارات وأكثر تأثراً من غيري بالدخان والغبار، حتى إنني أحسُّ بآثار هذه المشكلة على صحتي خاصة عندما أعود من العمل مساءً، وإذا بحثت بين الناس تجد بأن السائقين هم الأكثر عرضة للمشاكل التنفسية وهذا لا يعود فقط إلى وجودهم داخل السيارة طوال مدة العمل، بل إلى أن شوارع دمشق ذات جوٍّ ملوث".

أمجد موظف في دائرة حكومية يقول :"التلوث موجود، ولكن لا نهتم به كثيراً لأن المشكلة الأكبر لدينا خلال مسيرنا في الشارع أو ركوبنا الحافلات هي الازدحام الذي لا يمكن أن نفكر في شيءٍ آخر عندما نعاني منه، والتخلص منه بطريقة لست أدري ما هي سيسهم في حلّ مشكلة التلوث".

رائد موظف في القطاع العام يقول: "لا بدَّ أن دمشق تخنق في سحابة من الدخان، ولكنها ليست مشكلة المواطن ليدفع ثمنها وحيداً كأن حارب التلوث بإلغاء الميكرو باصات "السرافيس" فمن يضع هذا القرار قد يمتلك سيارة ولا يشعر بأهمية السرفيس بالنسبة لسواه، وقبل أن يحاربوا التلوث البيئي يجب أن يحاربوا أشياء أخرى".

الحل بإيديكن

سامية عراقية مقيمة في سورية: "عندما ذهبت أنا وعائلتي إلى قاسيون لأول مرة، حيث كنت أسمع عن جماله، وعندما نظرنا إلى دمشق كانت تظهر كفلم قديم بالأبيض والأسود غير واضحة المعالم، حيث كانت تعلوها سحابة سوداء توحي بالحزن".

مراد "طالب جامعي" يقول: "البيئة أصبحت الهمَّ الأكبر لدى العلماء والباحثين خاصة من خلال تراجع التنوُّع الحيوي، ولكن هذه الأبحاث لم تطبق في بلداننا وما زال تلويث البيئة من حقِّ أي مار في الشارع أو سائق سيارة".

وعن الحلِّ يقول مراد: "إن الحلَّ لا يكمن في تحسين نوعية السيارات أو الجوانب الفنية في المعامل ولكن الأمر بات مرتبطاً بالمدينة ككل، فهي لم تعد تتسع لهذا الازدحام الذي هو أساس التلوث، فالحل جذري وليس إصلاحات بسيطة قد تخفف من المشكلة ولكن لا تلغيها".

ربا "طالبة جامعية": "مسألة التلوث ليست خاصة بدمشق فهي مشكلة عالمية تعاني منها حتى الدول المتقدِّمة ولا أظن أننا قادرون "على الأقل في المرحلة الحالية" أن نعالج هذه المشكلة، فلم يصل مفهوم البيئة لدينا بعد إلى معناه الحقيقي، أظن أن وزارة البيئة لا تلاقي مراجعات كثيرة حول الموضوع البيئي لأن هذا الأمر يحتاج إلى توعية ونشرات ومؤتمرات نحن نفتقر إليها فالكثير من الشباب وهم الشريحة الأهم يعتبر أن الذهاب إلى ندوة بيئية توعوية مضيعة للوقت، وهذا طبيعي لسببين أولها أن وسائل الإعلام لا تعطي أهمية للموضوع البيئي بشكل كبير، والثاني إدراكهم بأن المحاضرات والمؤتمرات تخرج بتوصيات لا تخرج على أرض الواقع".

تلوثات أخرى

سيف يقول: "لا أرى مشكلة التلوث البيئي أخطر من مشكلة التلوث الصوتي والبصري وحتى الخلقي، بل ربما الأنواع الأخرى من التلوث يأخذ تأثيرها الطابع المباشر في الإزعاج، فعندما تسير في شوارع دمشق ستسمع وترى ما لا يسرك وما يزعجك أكثر من أن تستنشق هواءً ملوثاً، كما أن الإعلام يروّج لهذا التلوث خاصة السمعي منه، فالإذاعات تغصُّ بالنشاذ وكذلك الفضائيات، وما يباع على البسطات أيضاً هو اتجار بالتلوث".

حل سهل

جهاد سائق تكسي يجد الحل في توسيع شوارع المدينة وتخفيف الازدحام وإقامة الأنفاق والجسور، وتحسين الأوضاع الفنية للآليات، مشيراً إلى أهمية منع بعض الآليات من دخول المدينة من خلال إنشاء طرق خاصة لها، ويؤكد جهاد أن الجهات الرسمية بإمكانها بقليل من الجدية أن تلغي مشكلة التلوث وتسهم في جعل المدينة أكثر قابلية للسياحة وأكثر راحة للسكان.

آخر تحديث ( 19 / 03 / 2007 )