بِعْ اللبن واشتري (يوغورت)
اللبن في لغة بعض العرب هو الحليب، وفي لغة بعضهم الآخر هو الناتج الذي يحصلون عليه بعد عملية بسيطة فيسمى عند بعضهم (الزبادي أو الرائب) وهو عند الأخوة الأكراد اسمه (مَسْت: بالسين المفخمة) وعند الأخوة الأتراك (يوغورت).
في التجارة يتم بيع سلعة مقابل نقود أو مقابل سلعة أخرى، وفي الحالة الأخيرة تسمى مقايضة. وقد عرف العالم المقايضة منذ فجر التاريخ، فكانوا يبادلون الزوجات ببعض البقرات أو بقطعة أرض، ويبادلون التمر بالقمح، ويبادلون أي شيء بأي شيء، وهذا معروف.
أما أن يبادل أحدهم سلعة بنفس السلعة، فهذا أمر مختلف، فهو كمن يبيع اللبن ويشتري (يوغورت)!
كان سكان منطقة حدودية، يهربون (السُكر)، ويحضرون بدلاً منه (القَطْر) وهو محلول سكري كثيف بعض الشيء يضاف على الحلويات وبالذات (القطائف) و (العوامة: لقمة القاضي)، ويسمى هذا المحلول في مصر ب (الشيرا).
كان من يبيعهم تلك المادة، يفرح لسذاجتهم، فهو يشتري منهم السكر بسعر منخفض ـ وإن كانوا يربحون من فارق السعر في بلدهم ـ ويبيعهم ذلك المحلول السكري. وبقيت تلك الحالة عدة عقود حتى اكتشف من يوردون السكر ويشترون (القطر) أن القطر من السكر!
تذكرت تلك الحالة، بعد أن قمت بمقارنتها مع حالات استبدال مُحتل بآخر منذ زمن امرؤ القيس، حيث كان العرب يستقوون بالروم على الفرس، أو بالفرس على الأحباش.
ولكن إن كان أهل القرية الحدودية قد اكتشفوا سذاجتهم باستبدال القطر بالسكر، فإن الكثير من العرب لم يكتشف لحد الآن أن المستعمرين لا يختلفون، فهم يستدعون الإنجليز لطرد الأتراك، ويستعينون بالأمريكان لطرد الفرس، ويفلسفون حركاتهم هذه على أنها فطنة!
وهم بذلك يحق بحالهم المثل القائل: بع اللبن واشتري (يوغورت)