أسد وراء القضبان
سوسن البرغوتي
تغلّب الإيمان والوطن على مشاعر الأبوّة، وهذا لعمري أرقى مستويات الإيثار وصوابية النهج السليم، ففي الوقت الذي نجد فيه من يبيع كرامته وشرف الأمّة مقابل فتات، نجد ممن يعاني ظلمة الأسر، يقدّم الأمثولة الناصعة، من أجل مسيرة النضال ونبل المبدأ.
لقد صدح صوت الحق شامخاً كالطود لا تفلّ من عزيمته، جراح النفس الغائرة بالهموم، والمثقلة بعذابات شعب، وأنين مقدسات تحت معاول الهدم والتهويد، وأزاح بسرعة البرق، غشاوة الشك بإضاءة قيم مثلى، ورغم معاناة ظلم الأسر وعذاباته، يعلن براءته الجامعة المانعة، من أفاعيل الرّدة والجحود والنكران، حتى لو كان الأقرب إلى نفسه.
ليت الذين ضلّوا الطريق يعلمون ويتعلمون درساً في الإيثار العظيم وثبات الإيمان، وعظمة مواقف رجال عاهدوا الله والوطن على المضي بخطى لا تتعثر ولا تسقط، مهما تكالبت عليهم نوائب الدهر..
يظهر معدن الرجال وقت الشدائد، وها هو شيخنا المجاهد الأسير حسن يوسف يسطر بيده المؤمنة، إعلان براءته ممن خان الله والوطن.
أطلق العنان للقلم، ورسم فوق الحروف لوحة وضّاءة، تشع نوراً رغم عتمة ليالينا وسخونة مآسينا.. تمسّك بحبائل الإيمان، فوُلدت بين يديه كلمة حق من رحم قسوة الزمن ونزف الجراح وعذاب الأسر، وبنى جسراً بينه وبين أبناء فلسطين البررة. انطلق من قيد القضبان وصراع أغوار النفس الفطرية، إلى آفاق أبعد من مشاعر خاصة، ليقف بهمّة عالية في وجه كل من يشكك بعقيدة راسخة آمن بها، ويسطّر موقف صارم، من جحود صغير نفسٍ يلهث فوق صفيح ملذات وخيالات بائسة، تحتضنه أوكار أعداء البشرية، مسقطاً وراءه كل الاعتبارات الخاصة والعامة.
سلامٌ.. سلامٌ عليك عزيز قوم في سجون الاحتلال، سلامٌ عليك يوم اخترت الطريق الصعب، ويوم بحت بمكنونات الصدق والإخلاص، ويوم تعود حراً طليقاً، رافعاً بيارق العزّة والصمود.
كل أبناء فلسطين الحرة، أبناؤك، فلا تحزن ونحن الأعلون، ولا تقنط من رحمة الله، والقنوت من نقائص اليائسين المستسلمين.. فهنيئاً لك وقد فزت برضا الله، واستحسان عباده الصالحين المخلصين والمؤمنين بعدالة قضيتهم.
--