بسم الله الرحمن الرحيم
إسهامات المغاربي في تثبيت الرسالة المحمدية
إذا رجعنا للتاريخ لاأحد ينكر دور أهل المغرب العربي في نشر الإسلام، وبذر أول بذرة للفكر العربي الإسلامي سواء في بلادهم الأصلية أو أين حملتهم الرحال.. والعنصر البشري المغاربي هو الذي حمل المشعل من يد العنصر البشري المشرقي، الذي كان له الفضل في إيصال الرسالة المحمدية، وحملها من مبعثها في المشرق، ووضعها في يد الذين استلموها من بعده من أهل الشمال الإفريقي.. أولئك وضعوها بكل أمانة في يد هؤلاء الذين بقوا على الدوام في حماية هذا الدين، ورعاية حامليه الجدد من أفارقة وأوربيين، وإسنادهم ومؤازرتهم وتأمين ظهورهم.
إن الإسلام لم يكن ليستقر في الأندلس وصقلية، إلا بواسطة أهل المغرب العربي، ونشروا ما يعلمونه فضلا على أنهم كانوا من ذوي الخبرة المسبقة بمهنة التعليم والتأديب..
فكان المغاربي الأكثر حضورا في تأمين وصول الرسالة المحمدية، والحافظ أبو القاسم ابن بشكوال واحد منهم على سبيل الذكر وليس الحصر، مع أنه لايعرفه أغلب الباحثين. ألف كتابا عن التابعين الداخلين إلى الأندلس من أهل المغرب العربي، وماقدموه من جهود كبيرة في سبيل رفع راية الإسلام في الأندلس وصقلية بعد تأسيس مدينة القيروان، وبعد أن أوجدوا قاعدة كبيرة في مدينة تونس للمهتمين بالعلم، وسماه "التنبيه والتعيين لمن دخل الأندلس من التابعين"..
ومن منطلق قناعاتي وإيماني الراسخ كالجبل بصفاء ونقاوة معظم أهل المغرب العربي، لا بد أن أشير إلى ماقاموا به من رعاية للإسلام وأهله في غرب إفريقيا، بعد إيصاله لتلك الديار ثم إلى ماوراء الصحراء، بحكم القرب والجوار وحماية ظهره والدفاع عن وجوده والعمل على إرساخ جذوره، وتثبيت دعائمه وتصحيح مسيرته باستمرار. ولذلك فإن الحضور المغاربي وتأثيره القوي كانا متميزين عبر التاريخ عن باقي المؤثرات الأخرى. وأهم مظهر من مظاهر الحضور الدائم والتأثير المغاربي القوي، يتجلى في الطابع المذهبي للإسلام الذي انتشر في أفريقيا الغربية وظل قائما على حاله إلى يوم الناس هذا. فالإسلام في هذه المنطقة إسلام سني على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه المشهور بوسطيته واعتداله، وعلى العقيدة التوحيدية السلفية، والعقيدة الأشعرية. وكان لهم دور أساسي في تثبيت هذا المذهب السني وعقيدة التوحيد الصافية في نفوس الأفارقة.
والعلماء والفقهاء الذين توافدوا على المنطقة من الشمال الإفريقي بعد ذلك وعلى مر العصور، كانوا جميعا من أصحاب هذا المذهب وهذه العقيدة، وحتى الفرق والمذاهب الصوفية التي انتشرت هنالك، كانت فرقا سنية معتدلة كالسنوسية والزروقية والقادرية والتيجانية. ومناهج التعليم التي وضعت وطُبقت عبر المراحل التاريخية المختلفة، كانت تقوم على أساس كتب الفقه المالكي بأًصوله وفروعه وشروحه وحواشيه. وكل العلماء الذين برزوا واشتهروا خاصة في السودان الغربي كانوا من فقهاء المالكية وعلمائها بلا استثناء. لذلك نجد أسماءهم تملأ كتب طبقات المالكية كالديباج لابن فرحون، ونيل الإبتهاج وكفاية المحتاح للتنبكتي، وشجرة النور لابن مخلوف، وغيرها.. وهذا يعد إسهاما تغييريا على مجرى التاريخ..
يقول رئيس جمعية دار الحديث الزيتونية بمنوبة بتونس، فيما سنذكر من حديث بمناسبة الضيوف من الأسرى الفلسطنيين، وذلك يوم 22 ديسمبر 2011: كتبت هذا التخريج لهذا الحديث لأثبت صحته ونسبته إلى صحيح مسلم وتصحيحا لمن ردّ علي.
الرواية الأولى:
أخرج مسلم في "صحيحه"، وأبو عوانة، وأبو يعلى، والشاشي، والبزار (مسند سعد)، أو "البحر الزخار"، في "مسانيدهم"، والدّورقي في "مسند سعد"، وابن الأعرابي في "معجمه"، والسهمي في "تاريخ جرجان"، وأبو العرب في "طبقات علماء إفريقيا"، وأبو عمرو الداني في "الفتن"، وأبو نعيم في "الحلية"، وقال: "حديث ثابت مشهور" من طرق عن داود بن أبي هند، عن أبي عثمان، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة".
الرواية الثانية:
أخرجها مسلم في صحيحه كما في نسخة الحميدي والأندلسيين:
وقال الحميدي في جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، وقد جاء في فضل المغرب غير حديث: من ذلك ما أخرجه مسلم بن الحجاج في الصحيح، رواه عن يحيى بن يحيى، عن هشيم بن بشير الواسطي، عن داود بن أبي هند، عن أبي عثمان النهدي، عن سعد بن أبي وقاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة.
وهذا النص وإن كان عاما لما يقع عليه، فللأندلس منه حظ وافر لدخولها في العموم، ومزية لتحققها بالغرب وانتهاء آخر المعمور فيه، وبعض ساحلها الغربي على البحر المحيط، وليس بعده مسلك. انتهى كلام الحميدي
والظاهر بعد تتبع الروايات فإنه قد ثبت لنا أن في صحيح مسلم كما في النسخ الأندلسية لفظ: المغرب بدل الغرب.
وقد أخرجها أيضا أبو عوانة في مستخرجه على صحيح مسلم، وأبو نعيم في الحلية، وأبو عمرو الداني في الفتن، وأبو العرب في طبقات علماء إفريقية، وبقي بن مخلد في مسنده، وعبد بن حميد من طريق شُعبة وهُشيم وعمر بن حبيب، وعبد الوهاب بن الصلت، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم: لا يَزَالُ أَهْلُ الْمَغْرِبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ.
ورواية أبي نعيم: "لا يزال أهل المغرب ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة "
وفي مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: يَكْفِي فِي أَرْجَحِيَّة مَذهَب مَالِك، كَوْنُهُ إمَامَ دَارِ الْهِجْرَةِ فِي خَيْرِ الْقُرُونِ وَمَتْبُوعَ أَهْلِ الْمَغْرِبِ الَّذِينَ لَا يَزَالُونَ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ كَمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ رِوَايَتُهُ وَعَصَمَ اللَّهُ مَذْهَبَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ذُو هَوًى مَوْسُومًا بِالْإِمَامَةِ وَجَعَلَهُ مُقَدَّمًا عِنْدَ الْكَافَّةِ حَتَّى أَنَّ كُلَّ ذِي مَذْهَبٍ يَخْتَارُهُ بَعْدَ مَذْهَبِهِ وَجَعَلَ رُؤَسَاءَ مَذْهَبِهِ حُجَّةً.
طريق المغيرة بن شعبة وهي الرواية الثالثة:
أخرجها أبو نعيم في معرفة الصحابة قال: حدثنا أبو بحر محمد بن الحسن، ثنا محمد بن يونس، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن المغيرة بن شعبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال أهل الغرب ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله"
قال أبو نعيم: رواه عن إسماعيل: هشيم، ويحيى القطان، ووكيع، وعلي بن مسهر، وأبو أسامة، ويعلى بن عبيد، ومروان بن معاوية في آخرين.
طريق أنس بن مالك وهي الرواية الرابعة:
أخرحها أبو العرب في طبقات علماء إفريقية قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَكَرِيَّاءَ الْحَفَرِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ عَوْنٍ الْخُزَاعِيُّ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّاءَ الْحَفَرِيُّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "لا يَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي بِالْمَغْرِبِ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ".
شرح الحديث من الإمام القرطبي:
قال القرطبي المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: وقد اختلف في: من هذه الطائفة؟ وأين هم؟ فقال علي بن المديني: هم العرب، واستدل برواية من روى: "وهم أهل الغرب"، وفسَّر "الغرب" بالدلو العظيمة. وقيل: أراد بالغرب: أهل القوة، والشدَّة، والحدِّ. وغرب كل شيء حدَّه. وقيل: أراد به: غرب الأرض. وهو ظاهر حديث سعد بن أبي وقاص، وسعد بن مالك. وقد روى الدارقطني في "فوائده" حديث سعد بن أبي وقاص، وقال فيه: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق في المغرب حتى تقوم السَّاعة"، ورواه عبد بن حميد الهروي، وقال فيه: "لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم السَّاعة، أو يأتي أمر الله. ورواه بقي بن مخلد في "مسنده" كذلك: "لا يزال أهل المغرب" كذلك.
وهذه الروايات تدل على بطلان التأويلات المتقدَّمة، وعلى أن المراد به أهل المغرب في الأرض، لكن أول المغرب بالنسبة إلى المدينة - مدينة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما هو الشام، وآخره: حيث تنقطع الأرض من المغرب الأقصى وما بينهما، كل ذلك يقال عليه: مغرب. فهل أراد المغرب كله، أو أوله؟ كل ذلك محتمل، لا جرم قال معاذ في الحديث الآخر: "هم أهل الشام". ورواه الطبري وقال: "هم ببيت المقدس". وقال أبو بكر الطرطوشي في رسالة بعث بها إلى أقصى المغرب، بعد أن أورد حديثًا في هذا المعنى، قال - والله تعالى أعلم-: هل أرادكم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو أراد بذلك جملة أهل المغرب، لما هم عليه من التمسُّك بالسُّنة والجماعة، وطهارتهم من البدع والإحداث في الدِّين، والإقتفاء لآثار من مضى من السَّلف الصالح؟ والله تعالى أعلم.
أحاديث أخرى في فضل أهل المغرب، منها أنهم سيقاتلون في سبيل الله تعالى حتى يغزو الدجال في آخر الزمان: وأخرج ابن حبان في صحيحه أخبرنا أحمد بن عبد الله بحران قال: حدثنا النفيلي قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير: عن جابر بن سمرة قال: سألت نافع بن عتبة بن أبي وقاص قلت: حدثني هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الدجال؟ قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ناس من أهل المغرب أتوه ليسلموا عليه وعليهم الصوف فلما دنوت منه سمعته يقول: "تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله عليكم ثم تغزون فارس فيفتحها الله عليكم ثم تغزون الروم فيفتحها الله عليكم ثم تغزون الدجال فيفتحه الله عليكم". إسناده صحيح.
ـ أخرج نعيم بن حماد في الفتن: قال: حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الجبار بن رشد الأزدي عن أبيه، عن ربيعة القصير عن تبيع عن كعب، قال: تكون بعد فتنة الشامية الشرقية هلاك الملوك وذل العرب حتى يخرج أهل المغرب.
وأخرج ابن عبد الحكم، من طريق ابن سالم الجيشاني وسفيان بن هانئ، أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنكم ستكونون إجناداً، وإن خير أجنادكم أهل المغرب، فاتقوا الله في القبط لا تأكلوهم أكل الحضر".
ما جاء في كون هذه الطائفة هم أيضا بأكناف بيت المقدس: أخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن زَيْد بْنَ أَرْقَمَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا هُمْ يَا أَهْلَ الشَّامِ.
ـ أخرج أحمد بن حنبل في مسنده والطبري في التهذيب عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
وفي رواية الطبري: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، إلا ما أصابهم من لأواء، فهم كالإناء بين الأكلة، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك". قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس".
ـ أخرج ابن خزيمة في صحيحه والطبراني وابن عساكر في تاريخ دمشق عن مرة البهزي، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين على من ناوأهم، وهم كالإناء بين الأكلة حتى يأتي أمر الله وهم كذلك"، قلنا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "بأكناف بيت المقدس". انتهى حديث رئيس جمعية دار الحديث الزيتونية.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قدم عليه وفد من البربر (البربر أصلهم من عرب اليمن)، من لواتة أرسلهم إليه عمرو بن العاص وهم محلقو الرؤوس واللحا، فقال لهم عمر من أنتم؟ قالوا من البربر من لواتة؟ فقال عمر لجلسائه: هل فيكم من يعرف هذه القبيلة في شيء من قبائل العرب والعجم، قالوا: لا، قال: العباس بن المرداس السلمي عندي منهم علم يا أمير المؤمنين هؤلاء من ولد بني قيس، وكان لقيس عدة من الأولاد، أحدهم يسمى بربر بن قيس، وفي خلقه بعض الرعونة فقال: أخرق ذات مرة فخرج إلي البراري، فكثر بها نسله وولده، فكانت العرب تقول تبر بروا، أي كثروا، فنظر إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاستحضر ترجمانا يترجم كلامهم، فقال لهم مالكم محلقو الرؤوس واللحا؟ فقالوا: شعر نبت في الكفر، فأحببنا أن نبدله بشعر ينبت في الإسلام، فقال هل لكم مدائن تسكنونها فقالوا: لا، قال: فهل لكم حصون تتحصنون فيها؟ فقالوا: لا، فقال: هل لكم أسواق تتبايعون فيها؟ فقالوا: لا، قال: فبكى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال له جلساؤه: وما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أبكاني حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، حين انهزم المسلمون فنظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي، فقال: ما يبكيك يا عمر؟ فقلت: أبكاني قلة هذه العصابة من المسلمين، واجتماع أمم الكفر عليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تبك يا عمر، فإن الله تعالى سيفتح للإسلام بابا من المغرب بقوم يعز بهم الإسلام ويذل بهم الكفر، أهل خشية وبصائر يموتون على ما أبصروا، وليست لهم مدائن يسكنون فيها ولا حصون يتحصنون فيها، ولا أسواق يتبايعون فيها، ولذلك بكيت الساعة، حين ذكرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ذكر من الفضل عليهم، فردهم إلى عمرو بن العاص وأمره أن يجعلهم في مقدمات العسكر، وأحسن إليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأكرمهم، وأمر عمرو بن العاص أن يحسن إليهم.
أخرج الإمام مسلم في صحيحه، قال: ''حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا هشيم، عن داود بن أبي هند، عن أبي هند، عن أبي عثمان، عن سعد بن أبي وقاص، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لايزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة". وعن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة".
وقد ذهب عدد من أهل العلم على رأسهم علماؤنا المالكية، إلى أن المراد بأهل الغرب في الحديث هم أهل المغرب والأندلس، وأن هذه العبارة وإن كانت قد فسرت بتفسيرات أخرى فإن ورودها في روايات أخرى لغير مسلم بلفظ ''لايزال أهل المغرب'' يعضد حملها على ما ذكر. ووجه الإستدلال حينئذ بهذا الحديث على أفضلية الإمام مالك وتقديم مذهبه، هو أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد فيه لأهل المغرب باستمرارهم على الحق إلى قيام الساعة. ومعلوم أن أهل المغرب منذ التزموا بالمذهب المالكي، وهم ماضون عليه، فلزم أن هذا المذهب الذي ساروا عليه هذه القرون هو حق. وكم حاولت الدولة العبيدية المنسوبة زورا لفاطمة رضي الله عنها تحويلهم عن مذهب مالك فما استطاعت، بل العكس هو الذي وقع، فقد استطاع علماء المالكية محاصرة الدولة العبيدية شعبيا وقطع جذورها الجماهيرية ثم إسقاطها وطردها نهائيا من المغرب العربي، وإقامة كيان سني. قال الإمام القرافي في كتابه ''الذخيرة'' في معرض ذكره لوجوه ترجيح مذهب الإمام مالك: ''ومنها ما ظهر من مذهبه في أهل المغرب، واختصاصهم به، وتصميمهم عليه، مع شهادته عليه السلام لهم بأن الحق يكون فيهم ولا يضرهم من خذلهم إلى أن تقوم الساعة. فتكون هذه الشهادة لهم شهادة له بأن مذهبه حق، لأنه شعارهم ودثارهم، ولا طريق لهم سواه، وغيره لم تحصل له هذه الشهادة'' {أهـ}. وقد ألّف العلامة الشريف محمد عبد الحي الكتاني كتابا سماه ''البيان المعرّب عن معاني بعض ما ورد في أهل اليمن والمغرب''، أجاب فيه على سؤال ورد إليه من طرف أبي مدين شعيب الجزائري، قاضي الجماعة بتلمسان، سأله عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم ''ألا إن الإيمان يمان، والحكمة يمانية، وأجد نفس ربّكم من قبل اليمن''. وقال المغيرة: ''من قِبل المغرب'' هل الزيادة الواردة عن المغيرة صحيحة أم لا؟ وعلى تقدير صحتها ما معناها؟ وقد أجابه بجواب مفصل انظره هناك.
أما الحديث فرواه مسلم في كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: ''لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم''.
قال القرطبي: ''أول الغرب بالنسبة للمدينة النبوية هو الشام، وآخره حيث تنقطع أرض المغرب الأقصى فيما بينهما كله مغرب".
وقال علي الجزنائي في ''جني زهرة الآس'' : ''وأهل الغرب هم أهل المغرب الذي هو ضد المشرق على أصح التأويلات في الحديث وأوضح الدلالات". عكس مافسره شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى وما بعدها ونحوه.
فالإشارة إلى نوع الثياب وقوله: "ثياب من صوف" تغني عن جميع التأويلات، فأهل فالمغرب العربي معروف عنهم لبس الصوف مثل البرنس، والكبوس أو الشاشية، والقشابية، والحرام أو الحولي، والقدوارة أو القندورة، والبنتال أو المنّتان أو الكدرون عند أهل تونس. والبرنس، والمسد عند الليبيين. والبرنس، والكدرون عند الجزائر. والجلباب عند المغرب الأقصى. وهم يلبسونها إلى يومنا هاذا، وهو أحد أرفع الألبسة التقليدية واللباس الرئيسي في هاته البلدان. وفيهم من راح إلى أن المغرب لم يكن يعني بلدان المغرب العربي المعروفة فقط، بل كل البلاد التي تقع غرب مصر، بما فيها النيجر ومالي لأنهم يلبسون الصوف حتى هم..
فلا نستبعد فرضية أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقصد المغرب العربي، فالشباب الجزائري والتونسي والمغربي والليبي هم من الأغلبية في التنظيمات الجهادية وإن اختلفنا معهم.. ويعتبرون المهاجرين، وكلما فتحت جبهة للجهاد في بلاد ما إلا وسارع إليها أهل المغرب العربي، بل لاتكاد تجد بلاد أعلن فيها الجهاد أو رابط أهلها إلا ومعهم أو فيها رفات أبناء المغرب العربي..
وهذا لا يدخل ضمن الإفتخار ولكن لصد أولائك الوطنيين الذين يفتخرون بوطنيتهم، كما أني أشيد بشباب الإسلام في سوريا، المرابطين على الدين، الواقفين في "ملحمة الشام" في هذا العصر، والتي لا تقل بحال من الأحوال عن ملاحم الإسلام العظمى كـ"القادسية" و"عين جالوت" و"حطين" وغيرها، من مفاصل التاريخ التي غيرت مساره وحددت معالمه قرونا متتابعة..
وقد جاء في كتاب: المعجب في تلخيص أخبار المغرب، ما حدث به الفقيه الإمام المتقن المتفنن، أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل الشيباني سماعا عليه بمكة في شهر رمضان من سنة 620 قال: حدثني المؤيد بن عبد الله الطوسي قراءة عليه بنيسابور، قال: حدثنا الإمام كمال الدين محمد بن أحمد بن صاعد القراوي قراءة عليه قال: حدثنا ابن عبد الغافر الفارسي، حدثنا محمد بن عيسى بن عَمْرَوَيْه الجلودي، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان، حدثنا أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، قال: حدثنا يحيى بن يحيى عن هشام بن بشر الواسطي، عن داود بن أبي هند بن أبي عثمان النهدي عن سعد بن أبي وقاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى تقوم الساعة".
وأخرج مسلم في الصحيح في كتاب الإمارة باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لايضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ". وفي آخر الباب ساق حديث أهل الغرب، في إطار ما يعرف عند علماء الحديث بالشواهد، ويقصدون بها وبالمتابعات، تلك الأحاديث التي يؤتى بها لتقوية حديث الباب كما هو الشأن هنا، وقد يتساهل فيها غير الشيخين، لأن الإعتماد على الأصل الصحيح لا عليها، وتفرد مسلم بالنسبة للبخاري بلفظ "أهل الغرب" ونظم ذلك العلامة المحدث محمد المدني بن الحسني فقال من قصيدة طويلة:
فليس تزال طائفة بغـرب بفضل الله قائمة السنام
كما جاء الحديث بذا صريحا عن المختار مولانا التهامي
فمسلم في الصحيح روى فأضحى صحيحا عندنا دون اتهام
عن أبي مصعب قال: قدم رجل من أهل المدينة [شيخ] فرأوه موثرا في جهازه فسألوه فأخبرهم أنه يريد المغرب وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سيخرج ناس إلى المغرب يأتون يوم القيامة وجوههم على ضوء الشمس". رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف.
وعن عمرو بن الحمق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تكون فتنة يكون أسلم الناس فيها الجند الغربي". قال ابن الحمق: فلذلك قدمت عليكم يا أهل مصر. رواه البزار والطبراني من طريق عميرة بن عبد الله المعفاري وقال الذهبي: لا يدري من هو؟
حُكي أن أبا الطيب المتنبي على قلة رضاه عن شعر أحد فإنه على ما ذكر عنه أنشد لجملة من شعراء الأندلس حتى أنشد قول ابن هذيل:
إذا حبسْتُ على قلبي يدي بيدي وصحتُ في الليلة الظلماء واكبدي
ضجّت كواكبُ ليلي في مطالعها وذابتِ الصخرة الصماء من كبدِ
فقال أبو الطيب: هذا أشعر أهل المغرب.
لا يخفى على أحد مشاركة أهل بلدان المغرب العربي عبر التاريخ في الجهاد بفلسطين وبلاد الشام ممتدة منذ معركة حطين ضمن جيوش الناصر صلاح الدين، مرورا بمجزرة حمام الشط التي امتزج فيها الدم التونسي مع الفلسطيني، كما لايخفى على أهل المغرب أن كثيرا من أهل المشرق بحكم مخالطتنا لهم في الغرب، لا تعرف عن المغرب العربي وتاريخه وحتى جغرافيته إلا عناوين سطحية وبسيطة جدا على الرغم من إدعائهم الإحاطة بخبايا الأمور، وترويجهم لبعض المغالطات وأحكام القيمة المسبقة. المغاربي بالنسبة لكثير منهم بربري، متفرنس، لايقوى على تكوين جملة عربية سليمة، لا يمكنه بأي حال من الأحوال الحديث باللغة العربية بطلاقة دون إقحام مفردات فرنسية. وحتى لا يثير غضبك أحدهم فإنه يبادرك بالجملة التالية: "أنتم تتكلمون الفرنسية بطلاقة!" وهذا ليس مديحا لك بقدر ماهو اتهام مباشر لك بالأعجمية.
فالمشارقة، المتهمون باطلا أنهم متسيسون أكثر من غيرهم على الأقل في العالم العربي، يعتبرونا مجرد تلامذة لهم في الإعلام والقضايا السياسية، وأنهم هم من أسس لقواعد مهنة الصحافة في العالم العربي، وأن لغتنا العربية لا ترقى لمكانة الفهم على الصعيد العربي، وأنها محلية!
ويعتقد الكثير منهم أننا لانهتم بالقضايا الكبرى عند الأمة، والحقيقة أننا في المغرب العربي نهتم ونكابد للفلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم. ففي الوقت الذي نخرج فيه في الغرب آلاف بنسائنا وأطفالنا، في تظاهرات تضامنية مع الشعب الفلسطيني، وهذا واجب لنصرة قضيتنا وإخواننا، وسنظل نقوم بذلك ما دمنا مقتنعين بعدالة القضية، تجد أبناءهم يملؤون مقاهي الشيشة وبعض علب الفنادق والمقاهي، يقهقهون ويركبون السيارات الفاخرة، والملابس الغالية، ولا يهتمون لما يجري في الوطن الأم.
وجزء منهم ينظر لأهل المغرب العربي من منظار غربي بحت حيث يصور بذلك البربري الغليظ، يركب على ناقة هوجاء، تخبط خبط عشواء، لا يلوي على شيء، لايقاتل إنسانا إلا واخترط سيفه ليقطع عنقه، لأن نفسه مولعة بحب الدماء، ولا يستطيع الراحة إلا على أكوام الجماجم والأشلاء!؟
بل فيهم من يردد عليك بأنكم عرب، لكنكم خشنين، لاتعرفون للين طريقا، ويستشهد بقول ابن خلدون: "البربر عرب حميريون من بني قحطان".
شعوب المغرب العربي أصيلة أبا عن جد وعرقها صاف كالمعدن لا اختلاط فيه بخلاف الكثير من الدول العربية.
نريد تعامل الند للند لما قمنا به عبر التاريخ القديم والحديث من إسهامات تغييرية في الخارطة العربية والإسلامية.. نريد ثقافة نهضوية تنفض عنا مغاربة ومشارقة غبار الكسل، والنظرة الدونية، ليتحررالمارد من قمقمه، ونبني صروح المجد لأجيالنا القادمة..
نحن المسؤولون عن تصحيح وتلميع وإبراز صورة المغرب العربي الحضاري والضارب في عمق التاريخ؟ إنها مسؤوليتنا نحن أهل المغرب العربي فقط.
لقد ظلمنا المستعمر حيث كان الأقسى في تغريبنا ومحاولة طمس هويتنا، وظلمونا حكامنا حيث كانوا الأشد علينا في التاريخ العربي، فلا تظلمونا أنتم.. ولنترك الحكم للتاريخ كما يقول ابن خلدون: "التاريخ نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق".
فالتاريخ، ليس كتابة تاريخ فرد، أو حادثة تاريخية، أو تاريخ شعب وأمة، أو التاريخ الكلي أي التاريخ الإنساني الشامل، وإنما هو تحليل وفهم للأحداث التاريخية عن طريق منهج يصف، ويسجل ما مضى من وقائع وأحداث، ويحللها ويفسرها على أسس علمية صارمة، بقصد الوصول إلى حقائق تساعد على فهم الماضي والحاضر والتنبؤ بالمستقبل، كما علمنا إياه ابن خلدون.
والله من وراء القصد