غزة: الضرائب وصاروخ الجكر و التحرير
مصطفى ابراهيم
29/5/2015
لست من أولئك الذين يبشرون بالحرب أو محبط او مثبط للعزائم والحط من قدرات الفلسطينيين والمقاومة على مقارعة اسرائيل والتصدي لجرائمها، والتجربة تقول ان المقاومة استطاعت التصدي لدورات العدوان الاسرائيلي المستمرة على قطاع غزة البائس والذي يعاني خطر الموت اليومي وعلى حافة الكارثة والجميع يبشر بالانفجار ونحن من نعجل به من دون منعه او الحد منه.
منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار قبل تسعة أشهر ودرجة الحرارة في القطاع مستمرة في الارتفاع وتنذر بالسخونة أكثر، والأيام الماضية بينت لنا هشاشة المجتمع أمام ارتفاع درجات الحرارة المفاجأة خاصة من الذين يستهترون بحياة الناس ولا يقيمون وزنا لمعاناتهم ومأساة المقاومة.
وكان للصاروخ الذي أطلق بالخطأ أو بالجكر ليضفي على المشهد الغزي سريالية جديدة من الرعب والخوف والتي سبقها انتشار طائرات الاستطلاع بشكل فاجر لتعيد للأذهان مشهد القتل والدمار والخراب، وقبل ذلك و ما قيل وما أشيع عن تعبيد طريق " الجكر" على مقربة من الحدود الشرقية لغزة، وما أثير حوله من استعراضات ومبالغات والتهديد باحتلال قلبة مقابل قلبة. وما قامت به بعض المواقع الالكترونية التابعة لحركة حماس من استطلاع أراء الناس حول الموضوع، المقاومة لم تؤكد ولم تنفي ذلك، وما قيل في ذكرى النكبة الـ 67 من قبل المسؤولين في حركة حماس عن قرب التحرير والطلب من الناس الاستعداد وحزم امتعتهم بالعودة لمدنهم وقراهم.
المتابع لتلك التصريحات والشائعات وصاروخ الجكر أو الخطأ او المتعمد يدرك حجم الوهم والمبالغة غير الموضوعية والمنطقية التي تسوق للناس الذين يدركون أن كل ذلك في إطار الاستعراض، ومن لا يدرك حجم الخوف والرعب الذي يعيشه الناس منذ انتهاء الحرب قبل تسعة أشهر والحال الذي وصولوا اليه من اليأس وعدم الثقة بأي كان لا يعيش في غزة ومعاناة الناس وتفسخ النسيج الاجتماعي.
المقاومة حق وفلسطين هي للفلسطينيين مهما طال الزمن وقناعتنا بحقنا بتقرير المصير حتمية تاريخية، المطلوب عدم بيع الناس الوهم والهم واحترام انسانيتهم وحقهم بحياة حرة كريمة، لكن كل هذا بحاجة الى مراجعة حقيقية وحسابها من باب الربح والخسارة والإمكانات وموازين القوى. لكن كأن حركة حماس لا تدرك أنها وأننا نعيش في محيط معاد ويضع كل يوم شروط جديدة علينا ويتمنى أن يبلعنا البحر جميعا وليست هي فقط، لكنها مصرة على خوض معاركها وحيدة من دون الاخذ بالاعتبار ان الوقت يمر ومجتمعنا يزداد ضعفا وهشاشة وتفسخ.
و على ما يبدوا أن حركة حماس لم تدرك بعد حجم المأساة والمصيبة التي نعيشها وهي مستمرة بالتمادي بالإساءة للناس ولنفسها وبدل ما تبحث عن القواسم المشتركة ومشاركة الجميع في ما نحن فيه والضغط على السلطة والتنازل عن بعض مطالبها للمصلحة الوطنية تذهب وحيدة في تعميق الهوة بين الناس.
وبدل من التراجع تقوم بالصعود للشجرة مرة اخرى و لم تعدم الوسيلة في توفير الأموال للحفاظ على بقاءها في الحكم والسلطة، وعندما تتوجه للمجتمع المدني او بعض الفصائل يكون الهدف هو استخدامهم لتلبية ما تريد و تكون الاستشارة تحصيل حاصل، وتكون قد وضعت الخطط والبدائل و طرق كثيرة من أجل البقاء و الحفاظ على تثبيت قواعدها و موظفيها وتوفير المال والراتب لهم، مع حقهم الكامل في الوظيفة و العمل.
حماس ما زالت تفكر في صندوقها الخاص ومصلحتها وتتذرع بحجج كبيرة لتبرير ذلك، واستخدمت وسائل عدة وشرعت وسنت قوانين لفرض ضرائب وجمارك ورسوم كثيرة يدفعها المواطن و ترهقه وتزيد من الاعباء المفروضة عليه ويزداد الفقر والبطالة، ومن اجل ذلك شنت هجوم من خلال حملات إعلامية منظمة من عبر وسائل التواصل الاجتماعي وإعلامها ضد الشركات الخاصة والبنوك ووجهت الاتهامات لها بأنها قطط سمان و لصوص وأنهم يسرقون المواطن الفلسطيني وطالبتهم بدفع الضرائب وكشفت حسابات ورواتب بعض أعضاء مجالس الادارة في البنوك وأنهم يتلقوا رواتب خيالية على حساب الناس.

كما جندت وسائل الاعلام للنبش في خزينة السلطة و لفضحها واتهامها بسرقة أموال الناس في قطاع غزة، وان مليار دولار تنهب من خزينة السلطة على حساب غزة خلال العام الماضي. حماس نجحت في فرض ضريبة التكافل ومستمرة في جمع الأموال وجباية الضرائب وما زالت مستمرة، هي تبحث عن بقاءها ولا تبحث عن بقاء وإنقاذ مجتمع مدمر إجتماعيا و إقتصاديا ونفسياً، و لا يمتلك أي مقومات إنسانية لتعزيز صمود الناس أو أي تنمية حقيقية تعيد بناء الانسان لمواجهة الاحتلال ورفع الحصار وإنهاء الانقسام.