نساء ونسيء
كنت في مسبح مع بعض الشباب، نمارس السباحة ونعرض أجسامنا لأشعة الشمس، وكما جرت العادة يتخلل جلساتنا ضحك، ومَرَح، وحوار، ونقاش، وينخرط شباب جدد في نشاطنا الرياضي والثقافي، وهكذا جاء أحدهم، وألقى السلام علينا، ثم سأل عني، فأشاروا إلى جهتي، فاقترب مني.
قال: أنا فلان أحمل شهادة ماجستير في اللغة العربية.
قلت: تشرفنا، أهلاً وسهلاً بك.
قال: لقد سمعت أنك تقول: إن كلمة (نساء) هي جمع لكلمة ( نسيء)، هل هذا صواب ؟
قلت: نعم!، وما الخطأ في قولي ؟
قال: لم ترد كلمة ( نساء) جمعا لكلمة ( نسيء) أبداً، وإنما هي جمع لا مُفرد لها من جنسها، وهي جمع لكلمة (امرأة ) ليس من جنسها.
و انضم إلينا بعض الشباب، يسمعون ما يدور من حديث بيننا، وتَدَخَّل أحدهم، قائلاً: إنّ الأستاذ فلان، الذي يتكلم معك، يحفظ ألفية ابن مالك في النحو، كما أنه يحمل شهادة ماجستير في الشريعة، إضافة لماجستير اللغة!.
قلت: ما شاء الله!، وهل مطلوب مني أن أخضع له، وأُقَبِّل يديه ؟ أم أرتجف خوفاً، وهلعاً، وأتلعثم أمام الشهادات ؟
وتابعت حديثي قائلاً: ما المطلوب مني الآن ؟ لقد سمعتُ رأيك، وأنتَ تعرف ما أراه صواباً ؟
قال الأستاذ: أريد أن أعرف كيف وصلت إلى هذا الرأي؟
قلت: سوف أختصر لك ما استعجم عليك فهمه.
أخي الكريم: لقد انطلقت من عدة نقاط، أهمها:
1- الواقع سابق و الاسم لاحق. بمعنى أن المسميات توجد قبل أسمائها.
2- الجمع أمر لاحِق لوجود الفرد الذي يتعدد وجوده في الواقع، وإلاّ كيف تمت عملية الجمع؟.
3- الأصل في الجمع أن يكون مُشتقاً من مُفرد من جنسه. نحو قولنا: قلم، أقلام. جبل، جبال. فرد، أفراد.
وَوُجد في اللغة جمع لا مفرد له من جنسه نحو:
كلمة (الجيش)، وهي كلمة لا مفرد لها من جنسها، وقد أُطلِقت على مجموعة من المقاتلين لظهور صفة الجَيشان في نفوسهم، وهي مشتقة من كلمة ( جَيَشَ). ولا يصح أن يُقال: إنّ مفرد الجيش هي كلمة الجندي. والصواب في واقع الحال، أنّ مفردها هو المقاتل لِتَحقُق صفة الجَيشان في نفسه، على خلاف الجندي المستقر في نفسه.
وكلمة (نساء) جمع لكلمة (نسيء)، وهي من جنسها، واستُخدِمت جمعاً لكلمة (امرأة) لظهور صفة التأخير في المرأة على الغالب، فأطلق عليهن اسم النساء. وصفة التأخر؛ تحققت في وقوفهن خلف قيادة الرجال غالباً في الحياة الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية والعسكرية. فالرجال في المقدمة يدافعن عن النساء، ويُؤمِّنَّ لهن الحياة الكريمة، وتحفظ النساء الخطوط الخلفية للرجال، ومنهن يأتي المدد بالقوة المعنوية والمادية. فالعلاقة بين الرجال، والنساء، علاقة جدلية تكاملية، وليست تفاضلية،ولامساواة،فالرجل أب،والمرأة أم، وكلاهما أبوان وفي الأصل إنسان.
قال الأستاذ: ولكن لم يرد في الخطاب العربي استخدام هذا الجمع لكلمة ( نسيء).
قلت: وهل وصل لنا كل ما تم استخدامه في الخطاب العربي ؟
قال: هذه هي المعاجم اللغوية الموجودة، ولم تذكر ذلك الجمع.
قلت: وهل أحاطت المعاجم بكل مفردات وجموع وأساليب العرب ؟
قال: المفروض أن يكون كذلك.
قلت: الافتراض شيء والواقع شيء آخر، فالمعاجم ليست محفوظة مثل القرآن، وليست مقدسة، وليس لها صفة الكمال. فهي ليست أكثر من مُساعد على الدراسة، والقرآن حُجَّة على المعاجم، والعكس غير صواب.
وتشعب الحوار كثيراً، وصار فيه تكرار وحشو، وصد، ورد، وتَدَخَّل الحاضرون في النقاش، ولم يتم حسم المسألة. وغلب الانفعال على الأستاذ، وقام بعرض معلوماته التي يحفظها، ونقل آراء وأقوال النحاة، وغيرهم من الفقهاء. وتوجه أخيراً في الحديث إلى شخصي.
فقال: ما ينبغي أن يتكلم الإنسان فيما لا يُحسن من العلوم وأنا أتحداك أمام هؤلاء الشباب، والأخوة، وسأرمي شهادة الماجستير في سلة القمامة، إن ظهر لي أن كلامك صواب.
قلت: وأنا قبلتُ التحدي، وبيننا موعد سوف نجتمع فيه، مع من يريد من الحضور لنتابع الحوار.
فقام أحد الأخوة وقال: أنا سأرتب لكما موعداً قريباً بالتنسيق معكما.
وتابعنا نشاطنا الرياضي، وافترقنا على وعد اللقاء.
وذات يوم، وقع تحت يدي كتاب (لسان العرب)، فقلت في نفسي: لأنظر فيه، وأرى ماذا يقول عن دلالة كلمة (نسيء)، وفعلاً؛ فتحت الكتاب على مادة (نسأ)، وقرأت بهدوء، ووعي ما يسرده ابن منظور، فمن المعروف أن لسان العرب يميل إلى الإطالة في الشرح، حتى وصلت إلى مقولة وقفت عندها، وقرأتها عدة مرات وهي:
( يُقال: امرأة نسء ونُسوء، ونسوةٌ نِساءٌ. إذا تأخر حيضها، ورُجي حبلها فهو من التأخير،...) فذهلت عندما وجدتها بهذه الصراحة، وسررت منها كثيراً، واحتفظت بالمجلد إعارة،حتى موعد الجلسة القادمة.
واتصل بي الأخ الذي حمل على عاتقه مسؤولية انعقاد الجلسة، وحدد الزمان والمكان، وعندما حان وقت الجلسة، ذهبت إلى المكان المتفق عليه، فرأيت مجموعة من الأخوة حاضرين، منهم من أعرفه ومنهم من لا أعرفه. ألقيت السلام على الجميع، وقعدت في أقرب مكان ظهر لي. وبعد وقت يسير جاء الأستاذ، ودخل بثقة، وكبر المشايخ! واتجه إلى صدر المكان، بعد أن تمَّ إخلاؤه له.
وبدأ الحديث حامداً الله، ومُصلياً على النبي وآله وصحبه، ودعا الله وحمده على ما أنعم عليه من علم وفقه! ثمَّ توجه بالحديث إلى شخصي قائلاً. أخي الكريم إنَّ الرجوع عن الخطأ فضيلة، والتمادي فيه رذيلة. فلا يمنعك الكِبَر، والناس من أن ترجع إلى الحق.
قلت: أشكر لك نصحك! وقد قبلته مع عدم رفضي له سابقاً.
ولكن اعلم أخي الكريم! إنّ الحوار والنقاش بين اثنين لا يكون بالدعاء والنصيحة، وإنما بالبرهان والبينة. وما أتيت إلى هذا المكان لتدعو لي! فإن ربي قريب مجيب الدعوات، وقد قال: ادعوني أستجب لكم.
قال: حسناً! اسمع! لقد سألت مجموعة من أساتذتي الذين يحملون شهادة الدكتوراه في اللغة، إضافة إلى علماء في اللغة قد درست عندهم في المساجد.كلهم قالوا: لم ترد كلمة (نساء) جمعاً لكلمة (نسيء)، وإنما جمعاً لكلمة (امرأة). وهذا يُلزمُك بالاعتراف بخطئك، والرجوع عنه.
وابتسم ابتسامة عريضة، ونظر إلى الجميع متباهياً نافخاً صدره.
قلت: لن أُعيد النقاش معك وأُثبتُ لك صواب قولي بناء على منهجي الذي أتبناه في البحث. وإنما سأُجاريك، وأعرض عليك برهاناً أكيداً عن طريق ما تُقدسه من الكتب والرجال!. وفتحت كتاب (لسان العرب) وقرأت له الجملة المعنية بالنقاش، فسكت ملياً، وهو مذهول!، ثم قال: أعطني الكتاب ؟
فناولته الكتاب، فنظر إلى عنوانه مرتاباً، وتأكد أنه فعلاً من أجزاء لسان العرب، وفتح على مادة (نسأ)، وبدأ يقرأ مدمدماً، وظهر على وجهه التغير، إلى أن انتهى.
فقال: عفواً! أريد أن أُجري اتصالاً هاتفياً مع الدكتور الشيخ فلان.
فطلبت منه أن يكون الحوار بينهما على مسمع الجميع ؟ فرضي وحَوَّل الجهاز إلى صوت المكبر.
رد الدكتور على المخابرة، وبعد أن تبادلا السلام، سأله صاحبنا: دكتور! ألم أوجه إليكم منذ بضعة أيام سؤالاً حول صواب جمع كلمة ( نسيء) على (نِساء)، وقلتم؛ لا يصح ذلك، ولم يرد في المعاجم هذا الجمع ؟.
فأجابه الدكتور: نعم قد حصل ذلك، فما المشكلة ؟ وأين السؤال ؟.
فقال صاحبنا: دكتور! بين يدي الآن كتاب لسان العرب، وقد أورد تحت مادة ( نسأ) القول التالي: ( وقرأه للدكتور )، ثم سأله؛ ما هو قولكم ؟.
قال الدكتور ببساطة: نعم! صحيح لقد أورد لسان العرب أن جمع كلمة ( نسيء) هي كلمة ( نساء)، ولكن هذا الجمع لم يتم استخدامه في الخطاب العربي!.
فأجابه صاحبنا: شكراً لك دكتور، وأنهى المخابرة.
والتفت إلى الجمع وقال مكابراً: أرأيتم! لا يصح الجمع!، ولو ذكره لسان العرب!. لأن العرب لم تستخدمه في الخطاب.
قلت: أخي الكريم ليس هكذا يتم نقاش المواضيع.
أولاً: النقاش بيننا كان على مسألة: النساء كجمع للنسيء موجود في اللسان العربي، أم غير موجود ؟ وأنت نفيت وجوده، وقد ظهر بالدليل الذي أقررته بنفسك وجود هذا الجمع في لسان العرب.
ثانياً: نحن نناقش مسألة صواب أو خطأ هذا الجمع لكلمة ( نسيء)، ولا نناقش مسألة استخدام هذا الجمع عند العرب، أتم فعلاً، أم لم يتم، ولماذا ؟
وبالتالي، فقد ثبت لدينا صواب جمع كلمة ( نسيء) على كلمة ( نِساء)، من خلال ورودها في لسان العرب. وهذا الأمر، هو محل النقاش والتحدي، أما عدم استخدام هذه الكلمة في الخطاب العربي، فهذه مسألة لا قيمة لها من الناحية العلمية، والبرهانية، لأسباب كثيرة؛ أهمها:
1 - استخدام القرآن لكلمة على وجه مُعين، حُجَّة كافية لا تحتاج إلى من يقول بها من النحاة، أو ورودها في الشعر أو المعاجم.
2 - إن قولك لم يتم استخدام هذا الجمع، هو ادعاء بحاجة إلى بينة.
3 - لم يوثق مؤرخونا الخطاب العربي كله، ولم يتعهد الله بحفظه، وبالتالي؛ ضاعت كوكبة من صور استخدام الكلمات لم يتم نقلها، وتعذر وصولها إلينا.
4 - عدم الاستخدام سابقاً، لا ينفي صواب الاستخدام لاحقاً، مع العلم أن استخدام اللسان العربي من قبل أي مجتمع لايخلو من عجمة ضرورة لازمة لقصور الإنسان عن أن يكون قوله الحق.
5 - الحُجَّة في نظام اللغة، وليس في استخدامها.
6 - كل مجتمع عربي يستنبط صوراً محلية لاستخدام الكلمات غير موجودة عند مجتمع آخر، ويصدق ذلك زماناً على المجتمع الواحد ومكاناً على المجتمعات المختلفة.
لذا؛ يا أستاذ الماجستير! قد خسرت الرهان، ولن أطلب منك تنفيذ وعدك برمي شهادتك في سلة القمامة..
فطلب أحد الأخوة مني التريث و الجلوس قليلاً. فجلست بناء على رغبته، والتزمت جانب الصمت.
وتكلم أخ آخر يريد أن يُهدئ الجو، فقال: المسألة ليست تحدياً، ولا نصراً لفلان، وخسارة لآخر. ومن الخطأ أن يصل الإنسان في تحديه إلى هذا المستوى، الذي لا يحفظ فيه خط الرجعة، ويعد رأيه حقاً مطلقاً، وقد رأيتم بأم أعينكم الموقف المحرج الذي وضع الأستاذ نفسه فيه، ومع ذلك نقول للأستاذ: نحن كلنا طلبة علم وحق، وأينما كانت الحكمة؛ فنحن أحق بها.
ومسألة رمي الشهادة في القمامة، مسألة هزلية غير جادة، ما ينبغي أن يتم التعهد بها للغير، وكان الأَولى أن يعقد العهد على أساس الرجوع عن الخطأ، وتَقَبُل الرأي الآخر، الذي ظهر صوابه. وشكراً للجميع الذين حضروا النقاش.
المقال مقتبس
كان صاحب المقال وللأسف بعيداً كل البعد عن الإلتزام بأدب النقاش، ولم يكن لديه أي حاجة للإنحطاط إلى هذا المستوى من الكلام، وخصوصاً عندما قدموا له إنسان يحمل شهادة ماجستير في الشريعة وأخرى في اللغة، وسأقتطع الفقرة من النص لأنبه الكاتب للمخالفات التي بدرت منه:
وانضم إلينا بعض الشباب، يسمعون ما يدور من حديث بيننا، وتَدَخَّل أحدهم، قائلاً: إنّ الأستاذ فلان، الذي يتكلم معك، يحفظ ألفية ابن مالك في النحو، كما أنه يحمل شهادة ماجستير في الشريعة، إضافة
لماجستير اللغة!.
قلت: ما شاء الله!، وهل مطلوب مني أن أخضع له، وأُقَبِّل يديه ؟ أم أرتجف خوفاً، وهلعاً، وأتلعثم أمام الشهادات. ؟
لماذا كل هذه العدوانية يا كاتب المقال، هل حصول هذا الشخص على شهادتين في الماجستير جريمة يستحق عليها هذا المستوى من قلة الإحترام، بدا وكأن الغيرة منه قد أصابتك لأنه يحمل ماجستيرين في الشريعة واللغة العربية وأنت لاتحمل أي شهادة منهما! هذه عقدة تنشأ عند كثير من الناس الذين يحقدون على حاملي الشهادات.... سبحان الله مع أنك غلطان وهو الذي على الحق، والغلط ثابت عليك لغوياُ، ومع ذلك خاطبك هذا الإنسان بإحترام. وسأبين لك خطأك بالمناقشة معه إسلوباً ومضموناً بالبرهان الذي يقول من فمك أدينك.
أولاً: كيف طلبت منه أن يبرهن لك أن الجمع لم يستخدم!!! إن كان لم يستخدم يا صاحب الحجة. أليس طلبك غير منطقي ولاعقلاني؟ إن كنت تخالفه وتدعي أنه استخدم فعليك أنت البينة، أرنا أين استخدم في تاريخ اللغة العربية؟ وهذا قولك الغير منطقي أقتطعه من النص:
2 - إن قولك لم يتم إستخدام هذا الجمع، هو بحاجة إلى بينة.
أما قولك في الفقرة الثالثة:
3 – وقولك لم يوثق مؤرخونا الخطاب العربي كله، ولم يتعهد الله بحفظه، وبالتالي؛ ضاعت كوكبة من صور استخدام الكلمات لم يتم نقلها، وتعذر وصولها إلينا.
الجواب: ما دليلك على أنها ضاعت؟ وهل من المعقول أن كلمة نسيء استخدمت بالمعنى الذي تريده، ثم لم يذكر ذلك ولا في أي مجلد من آلاف المجلدات الكثيرة الموجودة عند العرب ولا حتى مرة واحدة؟ المنطق يقول: أن الحجة على من ادعى وليس على من أنكر! وعليك إثبات عكسه.
وقولك: أما عدم استخدام هذه الكلمة في الخطاب العربي، فهذه مسألة لا قيمة لها من الناحية العلمية، والبرهانية، لأسباب كثيرة؛أهمها:
5- الحُجَّة في نظام اللغة، وليس في استخدامها.
الجواب: قواميس اللغة ونظامها ماوضعت إلا لشرح ألفاظ اللغة العربية في القرآن ليفهمها الأعاجم الذين دخلوا دين الإسلام فاستعجمت عليهم اللغة العربية.. وكان ذلك بعد عشرات السنين من إنتشار الإسلام. فأصاب أكثر الشراح وأخطأ بعضهم؛ فإن وضع أحد الذين حاولوا تحليل اللغة وتبسيطها مشكورين وجزاهم الله خيراً؛ أي كلمة لم تستخدم عند العرب بالمعنى الذي فهمها هو، وثبت أنه قد أخطأ في فهمه لها؛ فليس عيباً ولا قدحاً به أن نعتبر أن تحليله لم يكن على صواب. والآن لنرى من أين أتت هذه الغلطة؟ وهل أيد هذه الغلطة أحد غيره؟ وكيف وأين صححها علماء اللغة الكبار. وماهو أصل معجم لسان العرب الذي يحتج به السيد سامر:
معجم لسان العرب
لسان العرب هو واحد من معاجم اللغة العربية المشهورة، قام ابن منظور بجمع مادته من خمسة مصادر وهي:
تهذيب اللغة للأزهري
المحكم لابن سيده
الصحاح للجوهري
حواشي ابن بري
النهاية في غريب الحديث لعز الدين ابن الأثير.
لقد ورد ذلك الخطأ من إبن المنظور في لسان العرب نقلاً عن معجم الصحاح للجوهري، ولكن أهم وأشهر اللغوين اعترضوا على خطأ الجوهري هذا، وصححوه له. ولم يستعمل هذا المفهوم الخاطىء للكلمة بعد ذلك أي عالم من علماء اللغة.
وممن صحح له هذا الخطأ "الفيروز الأبادي"في معجمه " القاموس المحيط" فقال:
[ ونُسِئَتْ المرأة نسئأً، تأخر حيضها عن وقته، فيرجى أنها حبلى. وهي إمرأة نَسْءٌ، لا نَسيءٌ، وقد وَهِمَ الجوهري.]، ولكي نعلم قيمة تصحيح الفيروز آبادي لهذا الخطأ، علينا أن نعلم مدى ثقافته وعلمه ومكانته في عالم اللغة واللغويين.
مكانة القاموس المحيط:
"القاموس المحيط" للفيروز آبادي هو المعجم الذي طار صيته في كل مكان، وشاع ذكره على كل لسان، حتى كادت كلمة "القاموس" تحل محل "المعجم" إذ حسب كثير من الناس أنهما لفظان مترادفان، ذلك لكثرة تداوله، وسعة انتشاره، فقد طبّقت شهرته الآفاق، وهو صبير بذلك، لأنه جمع من المزايا ما بوّأه منزلة الإمامة بين المعاجم، فأصبح المعوّل عليه، والمرجوع إليه، ومن خصائصه ومزاياه:
1- غزارة مواده وسعة استقصائه، فقد جمع بين دفتيه ما تفرق من شوارد اللغة، وضم فيها ما تبعثر من نوادرها، كما استقاها من "المحكم" و"العباب" مع زيادات أخرى من معاجم مختلفة يبلغ مجموعهاألفي مصنف من الكتب الفاخرة، فجاء في ستين ألف مادة، وقد أشار باختيار اسم معجمه هذا إلى أنه محيط بلغة العرب إحاطة البحر للمعمور من الأرض.
2- حسن اختصاره، وتمام إيجازه، فخرج من هذا الحجم اللطيف، مع أنه خلاصة ستين سفراً ضخماً هي مصنفه المحيط المسمى "اللامع المعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب" مع زيادات ليست فيهما. وقد ساعد هذا الإيجاز على الانتظام في ترتيب صيغ المادة الواحدة فجاءت منتظمة مرتبة، يفصل معاني كل صيغة عن زميلتها في الاشتقاق، مع تقديم الصيغ المجردة عن المزيدة، وتأخير الأعلام في الغالب.
3- طريقته الفذّة، ومنهجه المحكم في ضبط الألفاظ.
4- إيرادة أسماء الأعلام والبلدان والبقاع وضبطها بالموازين الدقيقة السابقة، وبذلك يعد معجماً للبلدان، وموضحاً للمشتبه من الأعلام، يضاهي في ذلك كتب المشتبه في أسماء الرجال.
5- عنايته بذكر أسماء الأشجار والنبات والعقاقير الطبية مع توضيح فائدتها وتبيان خصائصها، وذكر كثير من أسماء الأمراض، وأسماء متنوعة أخرى كأسماء السيوف والأفراس والوحوش والأطيار والأيام والغزوات، فكأنه أراد أن يجعل من معجمه دائرة معارف، تحفل بأنواع العلوم واللطائف.
إذن الخطأ ورد من الجوهري، والتصحيح ورد في إمام المعاجم "القاموس المحيط"، أضف إليه عدم استخدام العرب وعلماء اللغة لتلك الكلمة في أي مناسبة ولا في أي كتاب للغة والتفسير دليل أن من رفض كلمة نساء بمعنى جمع لكلمة نسيء، هو الذي أصاب المعنى الصح ولست أنت ياسيد سامر.
أما ردي على قولك قلتُ: الافتراض شيء والواقع شيء آخر، فالمعاجم ليست محفوظة مثل القرآن، وليست مقدسة، وليس لها صفة الكمال. فهي ليست أكثر من مُساعد على الدراسة، والقرآن حُجَّة على المعاجم، والعكس غير صواب.
+ قولك قلتُ: 1 - استخدام القرآن لكلمة على وجه مُعين، حُجَّة كافية لا تحتاج إلى من يقول بها من النحاة، أو ورودها في الشعر أو المعاجم.
أقول لك أنه هذا هو القرآن حجة تدحض إدعائك، وأتحداك أن تثبت أن القرآن استخدم كلمة نساء بمعنى جمع لكلمة نسيء.... إن كلمة "نسيء" لم ترد في بالقرآن إلا مرة واحدة و كانت في سورة التوبة آية 37: "إنما النسيء زيادة في الكفريضل به الذين كفروا".
وهذا شرحها مقتبس من كتاب الجامع لأحكام القرآن، للإمام القرطبي في تفسير سورة التوبة:
تفسير قوله تعالى: (( إنما النسيء زيادة في الكفر)) هكذا يقرأ أكثر الأئمة . قال النحاس : ولم يرو أحد عن نافع فيما علمناه " إنما النسي " بلا همز إلا ورش وحده . وهو مشتق من نسأه وأنسأه إذا أخره , حكى اللغتين الكسائي . الجوهري : النسيء فعيل بمعنى مفعول , من قولك : نسأت الشيء فهو منسوء إذا أخرته . ثم يحول منسوء إلى نسيء كما يحول مقتول إلى قتيل . ورجل ناسئ وقوم نسأة , مثل فاسق وفسقة . قال الطبري : النسيء بالهمزة معناه الزيادة نسأ ينسأ إذا زاد . قال : ولا يكون بترك الهمز إلا من النسيان , كما قال تعالى : " نسوا الله فنسيهم " [ التوبة : 67 ] , ورد على نافع قراءته , واحتج بأن قال : إنه يتعدى بحرف الجر يقال : نسأ الله في أجلك كما تقول زاد الله في أجلك , ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : ( من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه ) . قال الأزهري : أنسأت الشيء إنساء ونسيئا اسم وضع موضع المصدر الحقيقي . وكانوا يحرمون القتال في المحرم فإذا احتاجوا إلى ذلك حرموا صفرا بدله وقاتلوا في المحرم . وسبب ذلك أن العرب كانت أصحاب حروب وغارات فكان يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغيرون فيها , وقالوا : لئن توالت علينا ثلاثة أشهر لا نصيب فيها شيئا لنهلكن . فكانوا إذا صدروا عن منى يقوم من بني كنانة , ثم من بني فقيم منهم رجل يقال له القلمس , فيقول أنا الذي لا يرد لي قضاء . فيقولون : أنسئنا شهرا , أي أخر عنا حرمة المحرم واجعلها في صفر , فيحل لهم المحرم . فكانوا كذلك شهرا فشهرا حتى استدار التحريم على السنة كلها . فقام الإسلام وقد رجع المحرم إلى موضعه الذي وضعه الله فيه . وهذا معنى قوله عليه السلام : ( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ) . وقال مجاهد : كان المشركون يحجون في كل شهر عامين , فحجوا في ذي الحجة عامين , ثم حجوا في المحرم عامين , ثم حجوا في صفر عامين , وكذلك في الشهور كلها حتى وافقت حجة أبي بكر التي حجها قبل حجة الوداع ذا القعدة من السنة التاسعة . ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم في العام المقبل حجة الوداع فوافقت ذا الحجة , فذلك قوله في خطبته : ( إن الزمان قد استدار ... ) الحديث . أراد بذلك أن أشهر الحج رجعت إلى مواضعها , وعاد الحج إلى ذي الحجة وبطل النسيء . وقول ثالث . قال إياس بن معاوية : كان المشركون يحسبون السنة اثني عشر شهرا وخمسة عشر يوما , فكان الحج يكون في رمضان وفي ذي القعدة , وفي كل شهر من السنة بحكم استدارة الشهر بزيادة الخمسة عشر يوما فحج أبو بكر سنة تسع في ذي القعدة بحكم الاستدارة , ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان في العام المقبل وافق الحج ذا الحجة في العشر , ووافق ذلك الأهلة . وهذا القول أشبه بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الزمان قد استدار ... ) أي زمان الحج عاد إلى وقته الأصلي الذي عينه الله يوم خلق السموات والأرض بأصل المشروعية التي سبق بها علمه , ونفذ بها حكمه . ثم قال : السنة اثنا عشر شهرا . ينفي بذلك الزيادة التي زادوها في السنة - وهي الخمسة عشر يوما - بتحكمهم , فتعين الوقت الأصلي وبطل التحكم الجهلي . وحكى الإمام المازري عن الخوارزمي أنه قال : أول ما خلق الله الشمس أجراها في برج الحمل , وكان الزمان الذي أشار به النبي صلى الله عليه وسلم صادف حلول الشمس برج الحمل . وهذا يحتاج إلى توقيف , فإنه لا يتوصل إليه إلا بالنقل عن الأنبياء , ولا نقل صحيحا عنهم بذلك , ومن ادعاه فليسنده . ثم إن العقل يجوز خلاف ما قال , وهو أن يخلق الله الشمس قبل البروج , ويجوز أن يخلق ذلك كله دفعة واحدة . ثم إن علماء التعديل قد اختبروا ذلك فوجدوا الشمس في برج الحوت وقت قوله عليه السلام : ( إن الزمان قد استدار ... ) بينها وبين الحمل عشرون درجة . ومنهم من قال عشر درجات . والله أعلم . واختلف أهل التأويل في أول من نسأ , فقال ابن عباس وقتادة والضحاك : بنو مالك بن كنانة , وكانوا ثلاثة . وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أن أول من فعل ذلك عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف . وقال الكلبي : أول من فعل ذلك رجل من بني كنانة يقال له نعيم بن ثعلبة , ثم كان بعده رجل يقال له : جنادة بن عوف , وهو الذي أدركه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال الزهري : حي من بني كنانة ثم من بني فقيم منهم رجل يقال له القلمس واسمه حذيفة بن عبيد . وفي رواية : مالك بن كنانة . وكان الذي يلي النسيء يظفر بالرياسة لتريس العرب إياه . وفي ذلك يقول شاعرهم : ومنا ناسئ الشهر القلمس وقال الكميت : ألسنا الناسئين على معد شهور الحل نجعلها حراما.
زيادة في الكفر
بيان لما فعلته العرب من جمعها من أنواع الكفر فإنها أنكرت وجود البارئ تعالى فقالت : " وما الرحمن " [ الفرقان : 60 ] في أصح الوجوه . وأنكرت البعث فقالت : " قال من يحيي العظام وهي رميم " [ يس : 78 ] . وأنكرت بعثة الرسل فقالوا : " أبشرا منا واحدا نتبعه " [ القمر : 24 ] . وزعمت أن التحليل والتحريم إليها , فابتدعته من ذاتها مقتفية لشهواتها فأحلت ما حرم الله . ولا مبدل لكلماته ولو كره المشركون .
يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين
فيه ثلاث قراءات . قرأ أهل الحرمين وأبو عمرو " يضل " وقرأ الكوفيون " يضل " على الفعل المجهول . وقرأ الحسن وأبو رجاء " يضل " والقراءات الثلاث كل واحدة منها تؤدي عن معنى , إلا أن القراءة الثالثة حذف منها المفعول . والتقدير : ويضل به الذين كفروا من يقبل منهم . و " الذين " في محل رفع . ويجوز أن يكون الضمير راجعا إلى الله عز وجل . التقدير : يضل الله به الذين كفروا , كقوله تعالى : " يضل من يشاء " [ الرعد : 27 ] , وكقوله في آخر الآية : " والله لا يهدي القوم الكافرين " . والقراءة الثانية " يضل به الذين كفروا " يعني المحسوب لهم , واختار هذه القراءة أبو عبيد , لقوله تعالى : " زين لهم سوء أعمالهم " . والقراءة الأولى اختارها أبو حاتم ; لأنهم كانوا ضالين به أي بالنسيء لأنهم كانوا يحسبونه فيضلون به . والهاء في " يحلونه " ترجع إلى النسيء. وروي عن أبي رجاء " يضل " بفتح الياء والضاد. وهي لغة، يقال : ضللت أضل , وضللت أضل . " ليواطئوا " نصب بلام كي أي ليوافقوا. تواطأ القوم على كذا أي اجتمعوا عليه، أي لم يحلوا شهرا إلا حرموا شهراً لتبقى الأشهر الحرم أربعة. وهذا هو الصحيح، لا ما يذكر أنهم جعلوا الأشهر خمسة . قال قتادة : إنهم عمدوا إلى صفر فزادوه في الأشهر الحرم، وقرنوه بالمحرم في التحريم، وقاله عنه قطرب والطبري؛ وعليه يكون النسيء بمعنى الزيادة. والله أعلم.
انتهى مانقلته من مجلد "الجامع لأحكام القرآن" للإمام القرطبي عن معنى هذه الآية.
والآن ماعلي إلا أن أنصحك ياسيد سامر نصيحة لو اتبعتها لربحت الدنيا والآخرة، كف عن إفتعال هذه المعارك الدون كيشوتيه، لتجعل من نفسك بطل الإكتشافات والإثباتات في بطلان السنة النبوية وأحاديث الرسول لأن كتاباتك تثير الإشمئزاز في نفوس المسلمين، وتؤذي مشاعرهم، ولو مدوا أكف الدعاء عليك لاستجاب الله لهم، لأنك تتفيقه بدون علم باللغة ولا معرفة بالدين ولا بالفقه؛ فتخطأ في أبسط بديهيات الدين؛ وتحاول لوي عنق الحقيقة لغرض ما في نفسك الله أعلم ماهو؟ لذلك انطبق عليك قول الله تعالى الذي أنزله في سورة لقمان: [وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ 20*]. ويجدك المسلمين أنك مهما خسرت في نقاشاتك وساءت سمعتك عند الجميع فأنت غير مكترث وتواصل ماتفعله بكل كبروعنجهية! لماذا؟؟؟ هل لك غرض في نفسك بَيَّنَهُ الله في الآيات التي أنزلها في أمثالك قرآناً يتلى إلى يوم القيامة. قال تعالى في سورة الحج: [وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ 8* ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ 9* ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ 10*].
نصيحة لك عد إلى سبيل ربك ولاتتبع السبل فتأخذك بعيداً عن طريق الله كما قال تعالى في سورة الأنعام: [ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ 153*]. استعن يابني بكثرة الصلاة وذكر الله حتى يشرح الله قلبك للحق وينور بصيرتك بالهدى. ولا تكن من الذين قال الله عنهم سورة الحج: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ 3* كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ 4*] . أو تكون من الذين قال الله عنهمفي في سورة الكهف: [ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا 103* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا 104*].
إنما هي نصيحة لوجه الله.. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.
منى ناظيف الراعي
11 / 12 / 2011