دراسة السيرة في ضوء القرآن الكريم

[د. محمد كالو]

مميزات دراسة السيرة في ضوء القرآن الكريم

إن عرض القرآن الكريم لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم هي أفضل ما يمكن أن يتناوله الدارسون لأن السيرة النبوية هي التفسير العملي للقرآن الكريم، والتطبيق الواقعي والمثالي للإسلام فكان النبي صلى الله عليه وسلم هو القرآن مفسراً والإسلام مجسماً، وقد سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : كان خلقه القرآن.
والذي يدرس سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يجد فيها ما يعينه على فهم القرآن الكريم وتذوق روحه ومقاصده، إذ أن كثيراً من آيات القرآن تفسرها وتوضحها الأحداث التي مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم وموقفه من تلك الأحداث (1).

مميزات دراسة السيرة في ضوء القرآن الكريم:

1 ـ أن ما جاء في القرآن الكريم هو القول الفصل الذي لا ريب فيه، وهو المرجع والأساس لصحة الأخبار عند وجودها مضطربة في كتب السيرة أو التاريخ.

2 ـ أن القرآن الكريم ينفرد في المواطن التي تعرَّض فيها لذكر أحداث السيرة بتقييم الأحداث والحكم عليها، فمثلاً حينما يورد حادثة الإفك في سورة النور؛ يقرر منذ البداية أن ما قيل وما يقال حول هذا الموضوع إنما هو افتراء وإفك مبين، وبذلك يمتاز البيان القرآني إلى جانب الوصف والتسجيل بالتقييم والحكم.

3 ـ إننا حينما نقرأ سيرة الرسول في كتب التاريخ أو كتب السيرة نجد أنها في مجملها تسجيل للأحداث وتتبع لمراحل الدعوة مرتبط بزمانه ومكانه وأشخاصه، ولكن عندما يروى في القرآن الكريم؛ فإنه يتحول إلى درس كبير يتجاوز الحدث فيصبح قضية عامة ومبدأ يعامل به كل المسلمين في كل زمان ومكان متى تشابهت ظروفهم وظروف هذا الحدث الخاص.

4 ـ ثم إن القرآن الكريم حينما يعرض سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يمتاز بالبيان المعجز التي تكتسب فيه الكلمات حيوية دفاقة، وتحيطها بالإيحاءات والظلال، وتجعل القارئ كأنما يعيش الحدث أو يشارك فيه.

وها هو القرآن الكريم يسجل صورة الهجرة أروع تسجيل فيقول الله سبحانه وتعالى: ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم )(2).

لقد عالجت كتب السيرة أحداث الهجرة من خارجها، لكن بيان القرآن يعطي للأحداث مذاقاً آخر، فيه استخلاص حكمة الحدث كله والدلالة على موطن الاعتبار فيه، وبيان أن هذا النبي الداعي إلى الحق منصور بإذن الله وتأييده سواء استجاب له الناس أو قاوموه، ولذا يأتي مطلع الآية التي تتحدث عن ليلة الهجرة ليؤكد هذا المعنى فيقول: ( إلا تنصروه فقد نصره الله) ومعنى هذا أن على المؤمنين ألا يتقاعسوا عن نصرته وطاعة أمره في المكره قبل المنشط (3).

هذا بعض ما يستنتج من دراسة السيرة النبوية في ضوء القرآن الكريم.

ـــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
1 ـ العرض القرآني لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم للدكتور عمر يوسف حمزة، دار أسامة ـ الأردن ـ الطبعة الأولى 1996 م :7.
2 ـ سورة التوبة: 40.
3 ـ السيرة النبوية في القرآن الكريم، عبد الصبور مرزوق: 129

[ريمه الخاني]

السلام عليكم
بارك الله بك استاذنا والسؤال هنا هل وافت المؤلفات التي كانت عن السيرة النبوية في تلك المقارنة ونجحت واعطت مانحن بحاجة إليه فعلا؟ فكل قد أضاء جانبا خاصا إما فلسفيا أو دعويا او تفسيرا لما ورد في القر ان الكريم
كل التقدير

[د. محمد كالو]

ولا بد هنا من الإشارة إلى أن كثيراً من الأحداث عرضت في كتب السيرة بشيء من التفصيل، بينما ذكرها القرآن الكريم على وجه التعميم والإجمال، وذلك لحكمة ربانية اقتضت الإيجاز، واكتفت بتقرير الحدث فقط.

ومن ذلك ما جاء في القرآن الكريم عن رحلة الإسراء، حيث لم يزد القرآن على آية واحدة في مطلع سورة الإسراء فقال تبارك وتعالى:
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى، الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ، لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) سورة الإسراء:1.

وآية أخرى في سورة الإسراء أيضاً هي قوله تعالى :
( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ ... ) سورة الإسراء:60.

كما أن كتب السيرة أوجزت أحداثاً بينما القرآن الكريم فصلها تفصيلاً ، فذكرت الحدث ونتيجته وقرر الحكم الذي يترتب عليه أيضاً.

من ذلك حديث القرآن عن عموم رسالته إلى الناس كافة، وأنه رحمة عامة للناس أجمعين.

وانفرد القرآن في ذكر بعض صفاته مما لم يرد ذكره في كتب السيرة، كتأكيد القرآن على بشريته وأنه ليس ملكاً من السماء، وإنما بشر يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، ويجوز عليه ما يجوز على الناس من المرض والموت والزواج وغير ذلك.

:
( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ... ) سورة الكهف:110.

ومما فصله القرآن الكريم وأجملته كتب السيرة حادثة تبني رسول الله لزيد بن حارثة رضي الله عنه، فما جاء في كتب السيرة قليل بالنسبة لما ورد في القرآن الكريم، فقد كانت الحادثة مثار جدل وحديث طويل منذ عصر المشركين في مكة وحتى عصرنا الراهن حيث ظل المرجفون يلوكونه ويخوضون فيه.
فنفذ القرآن الكريم إلى أعماق هذه الحادثة ونشر على الناس أمره.

[السعيد شيخ]

بسم الله الرحمن الرحيم

السيرة النبويّة

في ضوء القرآن الكريم

لـ(الدكتور الأكاديمي ) محمد كالو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في البدء:

هل تسمح أخي الكريم بتعليق؟!

فإن قبلته فبها ونعمت،

و إلا فردّه عليّ!!

إن عرض القرآن الكريم لسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أفضل ما يمكن أن يتناوله الدارسون،لأن السيرة النبويةهي التفسير العملي للقرآن الكريم، والتطبيق الواقعي المثالي للإسلام فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - هو القرآن مفسراً والإسلام مجسماً. وقد سئلت أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها-عن خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: كان خلقه القرآن.
ومَنْ يدرسْ سيرة الرسول- صلى الله عليه وسلم - يجدْ فيها ما يعينه على فهم القرآن الكريم وتذوق روحه ومقاصده، إذ إن كثيراً من آيات القرآن تفسرها الأحداث التي مرت برسول الله- صلى الله عليه وسلم-وموقفه من تلك الأحداث (۱).

مميزات دراسة السيرة في ضوء القرآن الكريم:

۱ـ أن ما جاء في القرآن الكريم هوالقول الفصل الذي لا ريب فيه، وهو مرجع الأخبار الصحيحة وأساسها إذا وجدت مضطربة في كتب السيرة أو التاريخ.

۲ـ أن القرآن الكريم ينفرد في المواطن التي تعرَّض فيها لذكر أحداث السيرة بتقويم الأحداث والحكم عليها، فمثلاً حينما يورد حادثة الإفك في سورة النور؛ يقررمنذ البداية أن ما قيل وما يقال حول هذا الموضوع إنما هو افتراء وإفك مبين، وبذلك يمتاز البيان القرآني إلى جانب الوصف والتسجيل بالتقويم والحكم .( نعم! يمتازالقرآ ن الكريم دائماً بالصواب المطلق في تقويمه وحكمه ، وبيانه الذي لا يدانيه مخلوق، ولكن لم يغبْ عن كتب السيرة التقويم والتحليل..بل جاءت بعدها كتب ( فقه السيرة ) تفعل هذا قصدا.
ومع علوّ منزلة القرآن الكريم وتفرّده بهذه المكانة في السيرة النبويّة، لايُلغى عمل العلماء يسعفون به العامّة في فهم النصّ القرآنيّ.)
٣ـ أننا حينما نقرأ السيرة النبويّةفي كتبها الخاصّة أو في كتب التاريخ نجد أنها في مجملها تسجيل للأحداث وتتبع لمراحل الدعوة مرتبط بزمانه ومكانه وأشخاصه، ولكن عندما يروى في القرآن الكريم؛ فإنه يتحول إلى درس كبير يتجاوز الحدث فيصبح قضية عامة ومبدأ يعامل به كل المسلمين في كل زمان ومكان تتشابه فيهما ظروفهم وظروف هذا الحدث الخاص.

٤ـ ثم أن القرآن الكريم حينما يعرض سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه يمتاز بالبيان المعجز التي تكتسب فيه الكلمات حيوية دفاقة، وتحيطها بالإيحاءات والظلال، وتجعل القارئ يعيش الحدث أو يشارك فيه.

وهاهو القرآن الكريم يسجل صورة الهجرة أروع تسجيل فيقول الله-سبحانه وتعالى- إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانيَ اثنين إذهما في الغارإذ يقول لصاحبه:لا تحزن إن الله معنا، فأنزل الله سكينته عليه، وأيده بجنود لم تروها، وجعل كلمةَ الذين كفروا السفلى، وكلمةُ الله هي العليا، والله عزيز حكيم )(۲).

لقد عالجت كتب السيرة النبويّة أحداث الهجرة من خارجها، لكن بيان القرآن الكريم يعطي الأحداث مذاقاً آخر،فيه استخلاص حكمة الحدث كله، ودلالة على موطن الاعتبار فيه، وبيان أن هذا النبي الداعي إلى الحق منصور بإذن الله مؤيّد منه سواء استجاب له الناس أو قاوموه، ولذا يتحدث مطلع الآية عن ليلة الهجرة ليؤكد هذا المعنى فيقول: ( إلا تنصروه فقد نصره الله)ومعنى هذا أن على المؤمنين ألا يتقاعسوا عن نصرته وطاعة أمره في المكره قبل المنشط (٣).
{نعم! يعطي القرآن الكريم الأحداث مذاقاً آخر، ولكن كتب السيرة ( وبخاصّة فقه السيرة ) لاتكتفي بمعالجة أحداث الهجرة من خارجها ، وإنّما تحاول بقدراتها الإنسانيّة المحدودة أن تستخلص حكمة الحدث وموطن الاعتبار،و لكن شتان!!
وملحوظة أخرى: إن القرآن الكريم يقرؤه بشر، و يفهمونه بقدرما وهبهم الله – تعالى-، فإذا ظنّ مسلم (والاجتهاد ظنّ، وليس يقينا) أنّه وقع على حكمة في القرآن الكريم، ورأى آخر خلاف رأيه، فواجبه أن يتبع في الخلاف ما قاله الأئمّة:
رأينــــــــــــا صواب يحتمل الخطأ،
ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب.

أهمس بهذا في آذان إخوتي الذي اختلفت أفهامهم، وتنازعوا بينهم الخلاف!
وقد مرّت بنا مثل هذه المواقف المتعنّة.
نقطةأخيرة: جزى الله علماءنا السابقين والمتأخرين خير الجزاء، فقد قدّموا جهوداً متميّزة،ولكن مازال ميدان أخذ العبر والحكم من السيرة النبويّة مفتوحاً على مصراعيه، وهذا واجبنا، واجب العلماء الذين منحهم الله العلم الضروريّ لهذا البحث، والإخلاصَ المتفانيّ لله وحده!! }

هذا بعض ما يستنتج من دراسة السيرة النبوية في ضوء القرآن الكريم.

ـــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
۱ـ العرض القرآني لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم للدكتور عمر يوسف حمزة، دار أسامة ـ الأردن ـ الطبعة الأولى ۱۹۹٦ م :٧.
۲ـ سورة التوبة: ٤۰.
٣ـ السيرة النبوية في القرآن الكريم، عبد الصبور مرزوق: ۱۲۹