صحيفة البعث السورية , العدد14405 /11/12/2011
www.albaath.news.sy/
قدم الأستاذ الشاعر والناقد السوري قيس محمد حسين ,دراسة نقدية لديوان إمضاء على الشاهد , للشاعر حسن ابراهيم سمعون جاء فيها
إمضاء على الشّاهد
وتمازج الأمور الأكثر صلابة
يقول ابن قتيبة: ( رأيت من علمائنا من يستجيد الشّعرَ السّخيف لتقدّم قائلهِ ، فيصنّفه في متخيّره ، ويُرذِلُ الشِّعرَ الرّصين و لا عيب عنده إلاّ أنّهُ قيل في زمانه، أو أنّهُ رأىقائِلهُ) إذاً إشكاليّة تمجيد الشّعر لأجل زمانه واسم قائله إشكاليّةٌ قديمةٌ، منهنا يزدادُ دربَ الشّعر وعورةً كلّما كان للشّاعر بصمته الخاصّة، والشّعر مطالبٌبتفكيك الواقع وإعادة تركيبه وفق رؤيا مختلفة ،عليه أن يكون كليّاً في استقصائه كمايقول سقراط: (الشّعر أوفر حظّاً من الفلسفة و أسمى مقاماً من التّاريخ لأن الشّعريروي الكلّي، بينما التّاريخ يروي الجزئي ) لكن ذلك يتوقّف على الطّاقة الإبداعيّةللشّاعر وعلى الحالة الفكريّة للقصيدة، فالكلّي مرتبط بكليّة موضوع القصيدة ولايعني التشتّت الذي يفقد القصيدة وحدتها وعمق إيحائها، نلمس عمق الإيحاء الشّعريوالتّناول المختلف للمفاهيم والقضايا في المجموعة الشّعريّة (إمضاء على الشّاهد) للشّاعر حسن إبراهيم سمعون، قصائد المجموعة من شعر التّفعيلة واللّغة الشّعريّة ذاتتوتّر وتماوج وسلاسة، وخيالات الصّور الشّعريّة للقصائد تمازج أكثر الأمور جديّة وصلابة ( ماذا إذا كذب المقدّسُ مازحاً/ و أتى المعرّي فاضحاً بندائه ؟/ للميّـتينبصدقهِ ثقةٌ / على أملِ النّشور )ص 21.
ولمّا كان الحاتمي يقول: (مثل القصيدةمثل الإنسان في اتّصال بعض أجزائه ببعضٍ ) فإنّ قصائد المجموعة الشّعريّة (إمضاءعلى الشّاهد ) تريك نفسها كائناً حيّاً يموت إذا ما اقتطعَ منه جزء ، وسمة التّناميتبدو بارزةً في النّصّ الشّعري، وتوظيف وحدات القصيدة الصّغرى في رسم اللّوحةالكاملة، هذه اللّوحة التي يغلب عليها السّواد والبياض، تذكّرنا بالإنسان الأوّلالذي كان يحفر على صخر الكهوف هواجسهُ ( لَمْ أستطِع أن أنضوي / و أبت حروفيالانحشار بأسطرٍ / تعلو ثناياها نقاطٌ من هلام) ص 25 .
وكما أنّ الطّبيعة هيالحاضن الأساس للشّعر فإنّنا نذوب في بعض عناصرها من خلال كلمات مثل ( وزّال ، نرجس، لبلاب، هليون، زمزريق...) فيكون الشّاعر ابن الأشياء الحاضنة و صوت الأشياءالمحتّمة، ( في خيمة اللّبلاب والهليون يزهو الزّمزريق/ ليهجّئوا في غابتي/ حرفيأنا/ ويرتّلوا سبحان من أعطانيَ القلم الملوّن للكتابة والهجاء/ الرّيحُبالرُّؤيا.. أنا ) ص 32 .
و كلّما تلظّت الرّوح في وحشة الحضارة كلّما تدفّقتمياه الحنين إلى البدايات الجميلة والبساطة الدّافِئة ( تؤنسن النّاموس و الأحجار،والخبز الثّريد/ و ترى الشّروق بكلِّ يومٍ من جديد/ عُد بي لثوب الصّوفِ إنّيباردٌ/ في حمأةِ البترولِ و النّولِ الحديد ) ص 37 .
في شعر حسن سمعون بحث عنالغاية، و هذه الغاية تتجلّى في استكشاف الحقائق و تهذيب القناعات، فالرّمز،الصّورة، الحواسّ، الطّبيعة ، و العناصر الفنّيّة للقصيدة بكلّيتها توظّف ليس لأجلذاتها بل لأجل الغاية الفكريّة التي تأسر الشّاعر، وهذا ينطبق على الرّؤيةالسّقراطيّة بهذا الخصوص (ودَعوا بناري موهنين/ فجاءَ في عَجَلٍ يغنّي عاسلاً / طوبى لنا دلمون خير شريعةٍ / و ذئابها غنّت / على الغنم السّلام ) ص 42 .
أمّاتداخل الأزمنة و الأمكنة فلا يأتي متكلّفاً بل هو من صميم الحالة الشّعريّة (بدلواالطّحين لواقطاً و بزعمهم / تحريرُ حاصل جدول الضّرب القديم / من الحصار / ليبيععنتر سيفه و زبيبةً / مستورداً دشّاً تهافت أبيض اللّحم المقشّرِ في فضائيّاته/ عزفت لعبلة في الجواء فراقصت/ مِسخاً و خنفوساً / على طللِ الدّيار ) ص 81 .نلحظتواتر والتقطّع حسب الدفقة الشّعوريّة، كما نلحظ الثّراء اللّغوي ممّا يكسب الشّاعرتفوّقاً في أدواته الشّعريّة، كما أنّ تحرّرهُ من الوزن هو بالتّمكّن منه، وليسبالخروج عليه ( على حدّ تعبير ت. س. إليوت )
( إمضاء على الشّاهد ) مجموعةشعريّة من مئة و خمسين صفحة للشاعر حسن إبراهيم سمعون
قيسمحمّد حسين