منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 17
  1. #1

    قبس من أنوار سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم مع ذكر أسمائه الشريفة

    قبس من أنوار سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم مع ذكر أسمائه الشريفة

    من البريد بتصرف بسيط

    بسم الله الرحمن الرحيم

    وبه نستعين

    مع حديث أمنا الطاهرة الصديقة بنت الصديق السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها وعن ابيها سيدنا أبى بكر الصديق وأرضاهما

    روي الإمامان البخاري ومسلم وغيرهما

    قالت أم المؤمنين أمنا الطاهرة الصديقة السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها وأرضاها : ماأرى ربك إلايسارع فى هواك
    رواه البخارى (1/14) ومسلم (1/66).وغيرهما

    ومن المعروف ان سيدنا وقدوتنا وشفيعنا وحبينا سيد الخلق وحبيب الحق صلى الله عليه وآله وسلم : هو سيد الوجود وأشرف موجود ، وأحب الخلق إلى الملك الديان القاهر المعبود سبحانه وتعالى

    لذا كرمه رب العزة سبحانه وتعالى تكريما لم ينله أحد من العالمين سواء أكانوا من الأنبياء أوالمرسلين أوالخلق أجمعين :

    فذكر فى كتابه الكريم { إسمه صلى الله عليه وآله وسلم - بلده - عصره - امته - نسائه أمهات المؤمنين رضوان الله وسلامه عليهن أجمعين ، آل بيته رضوان الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين ، أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ، وصوته ، ولسانه وعينه وبصره وفؤاده وقلبه ووجهه وظهرة وصدره وأذنه وعقله وملابسه وحجراته ، وكل مايتصل به صلوات الله وسلامه عليه }، فأى تكريم بعد هذا التكريم الإلهي من قبل رب العزة سبحانه وتعالى ؟؟؟!!!! وأى محبه بعد هذة المحبة الإلهية


    الآيات التي ورد بها اسم (محمد) صلى الله عليه وآله وسلم، هي:

    (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران- 144)


    (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (الأحزاب-40)


    (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ) (محمد-2)


    (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الفتح-29)



    الآيات القرآنية الكريمة التى ورد فيها إسم أحمد{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }
    ( سورة الصف - 6)

    هذا وقد إهتم حفاظ الأمــــة على مر العصور بتتبع أسماء سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأفردوها بالتصنيف والشرح والتعريف.

    وَلِرَسٌولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم أسماء كثيرة

    ، أفردَ فيها الإمام الحافظ أبوالقاسم على بن الحسن بن هبة الله بن عبدالله الشافعى الدمشقى المعروف بابن عساكر - رحمه الله - بابا فى تاريخ دمشق ، ذَكَرَ فيهِ أَسماءً كَثيِرَةً ، جاء بعضها فى الصحيحين

    البخارى ومسلم (2354) من حديث جبير بن مطعم أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال : { لى خمسة أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحى الذى يمحو الله بى الكفر ، وأنا الحاشر الذى يٌحشر الناس على قدمى ، وأنا العاقِب الذى لانبى بعدى }

    قال العلامة المناوي : " وفيه جواز التسمية بأكثر من إسم ، وقال إبن القيم لكن تركه أولي ، لأن القصد بالإسم التعريف والتمييز ، وليس كأسمــــاء المصطفي صلى الله عليه وآله وسلم لجــــــــــلالة المســــــــمي لاللتعريف فحســــب}


    وفى صحيح الإمام مسلم ( 2355) من حديث أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسمى لنفسه أسماءً فقال : أنا محمد ، وأنا أحمد والمقفىَّ ، والحاشر ، ونبى التَوبةَ ونبى الرحمة }
    وفى رواية { ونبى الملحمة } .
    وفى الموطاء للأمام مالك - رضى الله تعالى عنه (1861 ) - حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِبُ ‏"

    وقد أوصلها الإمام الحافظ السيوطى إلى أكثر من ثلاثمائة أسم فى كتابه { الحدائق فى اسماء خير الخلائق صلى الله عليه وآله وسلم}

    ثم أوصلها الإمام السيوطى رحمه الله تعالى إلى نحو الخمسمائة فى كتابة {البهجة السنية } ،

    واوصلها الإمام الحافظ السخاوى فى كتابه { القول البديع فى الصلاة على النبى الشفيع صلى الله عليه وآله وسلم } إلى أكثر من أربعمائة وخمسين أسما ،

    وأخذها منه الإمام الحافظ القسطلانى فوضعها فى كتابه { المواهب اللدنية } كما هى ، وأوصلها الإمام الزرقانى فى شرحه للمواهب اللدنية إلى أكثر من ثمانمائة إسم ، هذا وقد جمعها الإمام النبهانى فى كتاب { الأسمى فيما لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأسما}

    قال الإمام النووى فى أول كتابه ( تهذيب الأسماء واللغات (1/22) عند الكلام على سيرة سيدنا ومولانامحمد صلى الله عليه وآله وسلم : وَكٌنْيَةٌ النبىَّ صلى الله عليه وآله وسلم المشهورة أبوالقاسم ، وَكَنَّاهٌ جبرِيلٌ - عليه السلام - أبا إبراهيم .

    وقال الحافظ السيوطي فى الخصائص الكبري : " إن من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم أن له ألف إسم ، وإشتقاق إسمه من إسم الله تعالى ، وأنه سٌمي من اسماء الله بنحو سبعين إسماً ، وأنه سٌمي أحمد ولم يٌسم به أحد من قبله " أه

    وقال سيدنا حسان بن ثابت رضى الله عنه (شاعر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ).

    أغرٌ عليه للنبوة خاتــــــــــــــــمٌ --- من الله نــــــــــــــور يلوح ويشهدٌ

    وضم الإلهٌ إسم النبي إلى إسمـه --- إذا قال فى الخمس المؤذن أشــهدٌ

    وشــــــــــق له من إسمه ليجلهٌ --- فذو العرش محمودٌ وهــــذا محمدٌ

    ومن أراد الإستفادة فاليراجع

    1- تاريخ دمشق للإمام الحافظ إبن عساكر .

    2- الدر المنضود فى الصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود صلى الله عليه وآله وسلم للإمام الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي .

    3- فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم للإمام الحافظ إسماعيل بن إسحاق الأزدي الجهضمي البصري ( 199-282ه) .

    4- جلاء الأفهام فى الصلاة والسلام على خير الأنام ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للحافظ إبن قيم الجوزية

    5-القول البديع فى الصلاة على الحبيب الشفيع للإمام الحافظ شمس الدين محمد بن عبدالرحمن السخاوي الشافعي (831-902) ه

    وغيرها من المصنفات

  2. #2
    سبعة سعداء


    الدكتور. عبد الرحمن إبراهيم فودة
    أستاذ الأدب المقارن بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة


    بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
    مستمعى الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وأهلاً بكم فى حلقة جديدة من برنامج (قبس من نور النبوة)
    روى البخارى ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
    " سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشابٌ نشأ فى عبادة ربه، ورجلٌ قلبه معلق فىالمساجد، ورجلان تحابا فى الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إنى أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لاتعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه" (1).

    أيها القارئ الكريم .. اليومُ يومُ القيامة .. ذلك اليوم الرهيب الرعيب، الذى تبدلت فيه الأرضُ غيرَ الأرض والسمواتُ .. الحر شديد، والزحام كثير .. ودنت الشمس من الرءوس، واختلط البشرُ بالوحوش، والجميع يبحث عن مخرج لشدة هول الموقف، فما أحوجهم إلى شئ من ظل يخفف عنهم عناء ما هم فيه..

    وفى هذه الأثناء وقفت فئة قليلة من الناس فى ظل الله سبحانه وتعالى .. هؤلاء الذين اصطفاهم الله عز وجل بما قدموا من صالح العمل فى حياتهم الدنيا، وبما اتصفوا به من جميل الخلال ..

    يحدثنا النبى صلى الله عليه وسلم عن هذه الفئة فى عرض جميل وبيان قوىٍ أخّاذ ليحركَ نفوسَ أهل الإيمان، ويبث فيهم روح الجِد والإخلاص والعمل الصالح فيسيروا على النهج القويم والطريق الراشدة.

    فهو أولاً يدعو من تولى أمراً من أمور المسلمين سواء كان أمراً عاماً أم خاصاً ، صغيراً أم كبيراً أن يراعى العدل ويتجنب الظلم، فالعدل صفة من صفات الله عز وجل، وبالعدل قامت السموات والأرض، والعدل شريعة الله، والله تعالى يمقت الظلم، وقد حرمه على نفسه ونهى عباده أن يَظَّالموا، قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداءَ بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) المائدة 8.

    ثم يبين صلى الله عليه وسلم للشباب كيف يكون الإقبال على الله وطاعته وعبادته منذ بدء حياتهم وهم يدرجون فى مدارج الصِّبا؛ ليكونوا بعد ذلك رجال المستقبل، وليحققوا جيلا مثالياً منشوداً يُصلحُ الله به البلاد والعباد. وهذا يلائم ثناء القرآن الكريم على هذه الفئة حين قال عن فتية أهل الكهف (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى) الكهف (الآية رقم 13).

    كما أن الناظر فى سيرة النبى صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام يرى أن الدعوة إنما قامت على أكتاف هؤلاء الشباب، مثل على بن أبى طالب، وأسامة بن زيد، ومعاذ بن جبل، وابن عباس وغيرهم.

    والخصلة الثالثة التى أنقذت هؤلاء من حرِّ ذلك اليوم الشديد، ونقلتهم إلى ظل الله الكريم هى إشادة بذلك الرجل الصالح الذى عَمَرَ الإيمانُ قلبه
    واعتاد الغدوَّ والرواح إلى بيوت الله، فتعلقت جوارحه وقلبه بذكر الله فهو
    محافظ على الصلاة فى المسجد، فلا يكاد يخرج منه إلا تتوق نفسُه إلى العودة إليه؛ لأنه ترك قلبه معلقاً فى المسجد، وفى هذا بعث للهمة لتتشرب القلوبُ حب الاجتماع والألفة وتتوحدَ صفوفُ المسلمين عن طريق اجتماعهم فى بيوت الله.

    ولقد أثنى الله عز وجل على هؤلاء المحافظين على الصلاة فى المساجد حين قال سبحانه: (فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار. ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدَهم من فضله والله يرزق من يشاءُ بغير حساب) [النور آية38:36].

    والخصلة الرابعة (ورجلان تحابا فى الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) ففيها دعوة كريمة للحب فى الله ابتغاء وجهه سبحانه، لا لغرض دنيوى، ولا لكسب مادى أو مصلحة ما، وإنما الدافع الحقيقى هو المحبة الخالصة فى الله عز وحل، والحديث يبين أن هذين الرجلين إنما اجتمعا على محبة الله وحين افترقا إنما افترقا على محبة الله أيضاً.

    والخصلة الخامسة (رجل دعته أو طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إنى أخاف الله) إن هذه الخصلة تُظهر أسمى ما تصورته البشرية من طُهر ونقاء، إنها طهارة الوجدان وصفاءُ الإيمان الذى يعصم صاحبه من الانزلاق فى وحل الرذيلة .. إن المتوقع فى مثل هذا الموقف أن يسيل لعاب الرجل وأن يندفع وراء شهوته لا سيما وأن الداعى هو المرأة وأىُّ امرأة، إنها ذات منصب يحقق الأمان من الفضيحة ويُغرى بقضاء المصالح، وهى
    ذات جمال يُغرى بالاندفاع الشهوانى نحو قضاء الوطر ورغم ذلك يمتنع، لا ضعفاً ولا خوفاً من أحد، ولكنه يمتنع خوفاً من الله ولسان حاله يقول (معاذ الله) كما قالها يوسف حين دعته امرأة العزيز.

    والخصلة السادسة (عن رجل يتصدق بصدقة، يخفيها ولا يعلنها، يسترها ولا يكشفها، إنه لا يريد بصدقته ثناء الناس وأن يعرف الناس عنه أنه رجل البر والإحسان، وإنما قصدُه ودافعُه هو رضوان الله عز وجل، ومن ثَمَّ فهو يخفى هذه الصدقة عن أقرب ما يتصل به، إنه حين يدفعها بيد، يخفيها عن اليد الأخرى التى خلع عليها الحديث صفة العلم والمعرفة، وشخَّصَها كأنها كائن بشرى يرصد حركات الآخرين (فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه).
    ثم يُختم الحديثُ ببيان فضل البكاء من خشية الله تعالى، فيذكر رجلاً صادقاً فى بكائه وخوفه من الله، فهو لم يبكِ أمام الناس ليظهرَ بمظهر الخائف من الله وتكون حقيقتهُ البعد كل البعد عن ذلك، وإنما يبكى حين يخلو بربه فيناجيهِ، ويعترفُ بما جنت يداه، ولسان حاله يقول مع القائل، ولله درُّه:
    خبأتُ كم خبأت آهاتـى وتعلـم كـم أُخـبى
    يا سيدى يا صاحبَ الباب الكريم وأنت حسبى
    قد هدنى الموج العتىّ وحرت فى دربى وحبى
    لتكن عيونك مرفئى إذ ضاع تحت الليل دربى
    سامحت موسى قاتلاً وكشفت كـربته بـتوبِ
    إنى ببابك أستجيرُ فإن أجـرت فأنت حسبـى
    تفيض عيناه بالدمع، رهَباً من خوف العقاب، ورغباً فى حسن لقائه بربه.

    هذا وبـالله التوفيـق والله أعـلم
    وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته

    -------------------
    (1) أخرجه البخارى فى كتاب الأذان، باب من جلس فى المسجد ينتظر الصلاة، وفضل المساجد ومسلم فى كتاب الزكاة باب فضل إخفاء الصدقة. ح 1031.

  3. #3
    قنـاعـة وعفـة


    الدكتور. عبد الرحمن إبراهيم فودة
    أستاذ الأدب المقارن بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة


    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
    أيها المستمع الكريم ..
    سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأهلاً بكم فى حلقة جديدة من برنامج "قبس من نور النبوة"

    نسمع فى حياتنا المعاصرة أن إنساناً ذهب إلى قاضٍ ليحكمَ له فى قضية بينه وبين أخيه، أما قضية اليوم التى أُحدث حضراتكِم عنها فهى من الغرابة بمكان، إذ يذهب المرءُ إلى القاضى ليحكمَ فى القضية لأخيه لا له، وفى المقابل يأتى أخوه إلى القاضى نفسه لا ليدفع عن نفسه تهمة، وإنما ليدفع حقه لأخيه عن طيب خاطر، ورضا نفس، ولكن كيف كان ذلك ؟
    تعالوا بنا مع أبى هريرة رضى الله تعالى عنه وهو يحدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اشترى رجل من رجل عقارًا له فوجد الرجلُ الذى اشترى العَقار فى عَقاره جَرَّةً فيها ذهب. فقال له الذى اشترى العقار. خُذْ ذهَبك مِنّى. إنما اشتريتُ منك الأرض ولم أبتعْ منك الذَهبَ فقال الذى شرى الأرض: إنما بعتُك الأرضَ وما فيها. قال : فتحاكما إلى رجلٍ. فقال الذى تحاكما إليه: ألكما ولد ؟ فقال أحدهما : لى غلام. وقال الآخر : لى جارية. قال : أنكحوا الغلام الجارية. وأنفِقوا على أنفسِكما منه وتصدقا] (1) رواه الإمام مسلم فى صحيحه.

    هذا الحديث يقص علينا قصة رجال ثلاثة، انطبَعوا على الخير، وترفعوا عن الطمع. كان المبتاع أميناً فلم يُخْفِ خبرَ الكنز منتهزاً أو منهوماً. وكان عفيفاً زاهداً فلم يطلبْ شركة فيه. وكان وَرِعاً ملتزماً فنظر إلى عقد البيع ونوع المبيع فبرئ مما زاد، ورآه حراماً على نفسه. وكان البائع يشبهه حذَراً من الغدر، وخوفاً لمغبة الطمع، ونأياً عن الشبهة. نظر إلى العقد ولم يفصِّل إجمال المبيع فلم يغلبه بريق الذهب على الوازع. فرفضَ الذهبَ ليسلمَ الدِّيْن. وكان الحاكم مُلهماً سديد الحكم، فسوّى بين المحتكَميْن باجتهادٍ صالح ذكىّ، وأرضى الله وأنصف المحتكمينْ فى حكومته.

    والحديث كما ترى أخى المستمع الكريم. قصةٌ، والنفوس تسكُن للقصص، والقلوب تَهشُّ للحكايات، فإذا كانت هادفةً ترسَّبت منها بالتأثير أهدافُها.

    مقدمة .. اشترى رجل من رجل عَقارًا .. فوجد الذى اشترى العقار فى عقاره جرّةً فيها ذهب رزق جميلٌ .. ولكن ماذا صنع ؟
    تأتى العقدة .. فقال للبائع : خذ ذهبك فإنما اشتريتُ منك الأرض ولم أبتع الذهب .." هل فرح البائع بالذهب .. كلا .. بل ردّه عنه قائلاً: إنما بعتك الأرض وما فيها ..
    ثم يأتى الحلُّ .. لم يقبل المبتاعُ الذهبَ .. ولم يقبل البائعُ الذهبَ .. لا بد من رفع القضية للفصل (فتحاكما إلى رجل) تُرى كيف حكم الرجل؟ ولأى دليل استند ؟ إنه لم يجد الدليل فاجتهد ليصل إلى ما يطمئنُ إليه من عدلٍ. (فقال الرجل ألكما ولد ؟ فقال أحدهما : لى غلام. وقال الآخر : لى جارية. فقال : أنكحا الغلام الجارية وأنفقا عليهما منه وتصدقا) كم كان متهللاً فرحاً ذلك القاضى لأن اللهَ وفقه للرأى، ثم لأن الله وفّقه لتحقيق ما اهتدى إليه .. إنها ثمرة الخير والأمانة والعفة فى نفوس الجميع.

    وتأمل معى أخى المستمع بركة هذه الأمانة والعفة .. لقد كانت البدايةُ مجردَ بيعة يفترقُ بعدها البيّعان، وينتهى الأمر عند هذا الحد، ولكن لأن كلاً من البائع والمشترى أمين وعفيف، فقد تمت البيعة وقد اْلتَأَمَ الشملُ فإذا البيتان بيتٌ واحدٌ، وإذا الأسرتان أسرةٌ واحدة، ويُسدلُ الستار على صورة من الفرح والعرس الجميل.

    هذا ... والله تعالى أعلم
    وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته

    -------------------
    (1) صحيح مسلم بشرح النووى. كتاب الأقضية. باب استحباب إصلاح الحاكم بين الخصمين. رقم 1721 حـ 12/29.

  4. #4
    اتقـوا الظلـم


    الدكتور. عبد الرحمن إبراهيم فودة
    أستاذ الأدب المقارن بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة


    بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد ...
    أيها المستمع الكريم ... سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وأهلاً ومرحبًا بكم فى حلقة جديدة من برنامج "قبس من نور النبوة"

    روى مسلم (1) عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
    "اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم. حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم".
    مسمتعىَّ الكرام
    يبين لنا هذا الحديث الشريف عاقبة الظلم ومصيرَ الظالمين، ذلك المصير المشئوم لأنه يكون يوم القيامة ظلامًا حالكًا يحل بصاحبه فلا يرى طريقه ولا يعرف إلى أين يمضى أو كيف يسير ؟

    بهذا التعبير الموجز عن مصير الظالمين ينفر النبىُّ صلى الله عليه وسلم من الظلم بجميع أشكاله وألوانه، ويُحذر من عاقبته التى هى أسوأ عاقبة (وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون) [الشعراء 227] وليس هذا فحسب، بل إن الظالم سينتقم الله تعالى منه فى الدنيا قبل الآخرة، فإذا تأخر عنه العذاب، فليس هذا إهمالاً من الله، بل إنه زيادة فى عذاب هذا الظالم

    واستدراج له، وفى ذلك يقول صلى الله عليه وسلم : "إن الله تعالى يُملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وتلا قوله تعالى (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهى ظالمة إن أخذه أليم شديد)" [هود 102].

    وأقبح أنواع الظلم وأبشعُه صورةً أن يظلم المرء قريبَه أو صديقَه أو من يجبُ الإحسانُ إليه والعطفُ عليه، ولقد صدق القائل:
    وظلمُ ذوى القربى أشدُّ مضاضةً على النفس من وقع الحُساَم المهنَّد

    وفى الحديث تحذير من مرض اجتماعى فتاك، ألا وهو الشحُّ والبخل. البخل يكون بالمال، أما الشح فيكون بالمال وبعمل الخير، فهو أعم.
    والمعنى: اتقوا شدة البخل الذى يُعِّرضُ المجتمع للهلاك لأن المجتمع المسلم هو مجتمعُ التكافل والتضامن والتعاون على البر والتقوى بين أفراده، إذ يعود غنيُهم بما آتاه الله من مالٍ على فقيرهم، فيتحققُ الوئامُ وتفشو المحبةُ بين الناس. أما إذا فشا فيهم البخل، عمَّت العداوة والبغضاء وأَكَلَ الحسدُ والحقدُ قلوب الفقراء على الأغنياء، ولذا كان البخل سبباً فى هلاك السابقين، حيث دفعهم ـ وتأمل معى لفظة دفعهم ـ فترى صورة إنسانٍ يدفعُ آخرَ لحتفه، دفعهم إلى سفك الدماء، وقتل النفوس، واستحلال المحارم التى حرمها الله عز وجل.

    فما أقبح الظلمَ وما أشنعَ البخلَ والشح من جريمةٍ عاقبتها وخيمة تسبب الشقاء والخسران المبين، وتعجِّل بخراب المجتمعات.

    ومن هنا ندرك قيمة دعاء النبى صلى الله عليه وسلم حين يتعوذ بالله تعالى من أن يَظْلم أو يُظلم وحين يتعوذُ بالله عز وجل من الجبن والبخل .. جعلنا الله تعالى من أهل العدل وجنّبنا البخل والشح إنه ولى ذلك والقادر عليه.

    تأمل معى أخى المستمع قول النبى صلى الله عليه وسلم "اتقوا الظلم" الذى يشبّه الظلَم بمن يريد أن يقتحم عليك حياتك أو يهجم عليك ليفتك بك، فيأمرك صلى الله عليه وسلم بالحذر منه والابتعاد عنه، والظلم هو التصرف فى حق الغير بغير حق أو هو مجاوزة الحد. وهو يشتمل على معصيتين:
    الأولى : أخذ حق الغير بدون حق.
    الثانية : مبارزة الله تعالى بالمخالفة والمعصية
    وغالباً ما يقع الظلم بالضعفاء غير القادرين على الانتصار لأنفسهم، وإنما ينشأ الظلم من ظلمة القلب، فلو استنار القلب اعتبر.

    ولقد ترتب على نتيجة الظلم فى الدنيا أن يكون ظلماتٍ يومَ القيامة، وكأن فى إيثار الجمع (ظلمات) بدلاً من (ظلام أو ظلمة) إشارةً إلى تعدد ألوان الظلم الحادث من البشر، فهذا يظلم نفسه، وهذا يظلم زوجه، وثالث يظلم أبناءه وغيرهم، ويترقى بعضهم إلى أعلى أنواع الظلم وهو الشرك بالله عز وجل (إن الشرك لظلم عظيم) [لقمان 13].

    لذا آثر الحديث لفظة (ظلمات) أى شدة الظلام بحيث لا يرى المرء ما يحيط به، وكأن الظلم حاجز عن رؤية الأشياء، وقد طمس على قلب الظالم فلا يرى شيئاً بل هى ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج يده لم يكد يراها، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

    هذا ... والله تعالى ولى التوفيق
    وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته

    -------------------
    (1) فى كتاب البر والصلة والآداب. باب تحريم الظلم رقم 2578.

  5. #5
    فضل التوبة وفرح الله بالتائب


    الدكتور. عبد الرحمن إبراهيم فودة
    أستاذ الأدب المقارن بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة


    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
    أيها المستمع الكريم ... سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وأهلاً ومرحبًا بكم فى حلقة جديدة من برنامج "قبس من نور النبوة"

    يقول الشاعر:

    إذا أُخبرت عن رجل برىء مـن الآفات ظاهره صحيحُ
    فسلهم عنه هل هو آدمى ؟ فإن قـالوا نعم فالقـول ريحُ
    ومن إنعام خالقنا علينا بأن ذنـوبنـا ليسـت تفــوح
    فلو فاحت لأصبحنا هروباً فرادى فى الفلا لا نستريـحُ

    أيها المستمعون الكرام لا شك أننا كلَّنا ذوو أخطاءٍ وذنوب .. ولكن هناك فرق بين مذنب ومذنب. مذنبٍ تلهب المعصية نفسه وتَقَضُّ عليه مضجعَه فلا يقر له قرار. ومذنبٍ لا يبالى بأى وادٍ من أودية الذنوب هلك ...
    حول هذا المعنى يحدثنا النبى صلى الله عليه وسلم .. فقد روى البخارى ومسلم (1) من حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إن المؤمن يرى ذنوبه، كأنه قاعدٌ تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه. فقال بيده هكذا. ثم قال : للهُ أفرحُ بتوبة عبده، من رجلٍ نزل منزلاً وبه مهلكة، ومعه راحلتهُ، عليها طعامه وشرابُه، فوضع رأسه، فنام نومة فاستيقظ، وقد ذهبت راحلتُه. حتى اشتد عليه الحرُّ والعطشُ أو ما شاءَ اللهُ. قال: أرجع إلى مكانى. فرجع. فنام نومة. ثم رفع رأسه. فإذا راحلته عنده".

    نحن أمام مثَل من أمثلة الأدب النبوى العالى. تقوم فكرته على المقارنة بين خوف المؤمن من ذنوبه وإن قلَّتْ، واستهانة الفاجر بذنوبه وإن كَثُرت،

    ثم دعوة صادقة لكل من تلبّس بالذنب أن يسارع بالدخول فى باب التوبة إلى الله الذى يفرح بعودة التائب إلى رحابه.

    يقوم الحديث على ثلاثة مشاهد لبيان الفكرة المشار إليها سلفاً.
    المشهد الأول: يصور لنا المؤمن تتوالى على وجدانه أحداثُ الماضى المُذنب وتتساقطُ على حسِّه وفى رُوعه مقامعُ العقاب فى الآخرة، فتأخذهُ رِعداتُ الخوفِ المُفزع والوجلُ من هذا الخطر الذى هو حقيقةُ لا انفلات منها. يصوره لنا برجل قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه. وتأمل معى أيها المستمع الكريم لفظة (الجبل) وما توحى به من ضخامة وصلابة وجهامة، وقسوة واستطالة، وهى معانٍ مستقرة فى أذهان المخاطبين فى صحراء العرب بشكل خاص ثم فى كل ذهن إلى يوم القيامة بشكل عام وتخيل قعقعة الصخور المتهاوية المتدافعةِ من علٍ، وانتقاضَ الجبل فوق رأس المسكين تدكُّها مع الأرض دكَّا ..هكذا يصور لنا النبى صلى الله عليه وسلم مدى أثر الذنب فى القلب المؤمن، واستشعاره خوفَ الله فى شديد عقابه، لتكون الرغبةُ فى التوبة من هذه الذنوب واللهفةُ عليها، كلهفة ذلك المكروب تحت الجبل إلى النجاة.

    والمشهد الثانى: يصور لنا استهانة الفاجر بالذنب، وفقدانه معاتبة الضمير، لبلادة حسِّه، فقد اعتاد الإثم وارتكس فى حمأة الذنب، فلا يجد حرجاً، ولا وخزاً من ضمير يوقظ فيه ما يرده إلى حميّة الإيمان ..

    والنبى صلى الله عليه وسلم يصور الذنوب فى غثاثتها وكراهية النفس السليمة لها، وذلك الفاجر يواقعها فى غير مبالاة .. بالذباب الذى يَطنُّ فوق أنف فاسدة الذوق، ويمضى عنها ليعود إليها فلا تلتفت ولا تنتبه وغاية ما يمكن أن يفعله ذلك الفاجر أن يشير بيده ليطرد الذباب، ثم لا يلبث أن يمل .. وهذا غاية بلادة الشعور الذى لا يوجد له مثيل إلا فى قطعان الخنازير وسِفلة المخلوقات.

    وإنها لصورة تصنع جواً كريهاً ومنفّراً من مقارفة الذنوب أو مقاربتها.

    ويأتى المشهد الثالث: فى عبارةٍ أطول من سابقيْه، توضح فرح الله تعالى بتوبة عبده العاصى ..
    إنه مشهدُ رجلٍ نزل منزلاً موحشاً، وليس معه من وسائل الحياة إلا دابته عليها طعامه وشرابه، فهى إذاً كل ما يربطه بالحياة ويهبُه الأمل فى قطع هذا المكان الموحش، ثم نزل الرجل يقيل لحظاتٍ بعد أن هدَّه الرحيلُ، وعناءُ السفر، فنام نومة ثم استيقظ على الفزع الذى هز كيانه، لقد فقد راحلته، فانطلق المسكين مروَّعًا يعدو فى كل اتجاه على غير هدى، بحثاً عن راحلته الضائعة، حتى كلّت قدماه، وأنهكه التعب، وبلغ به الحر والعطش مبلغاً، فجرجر أقدامه إلى المكان الذى كان ينام فيه، فنام نومة مكسورة الوجدان محترقة الأنفاس وهو فى انتظار الموت، ثم تقلب ورفع رأسه فإذا راحلتُه عنده .. كم يكون فرح ذلك الرجل براحلته .. يُبين لنا النبى صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أشد فرحاً بتوبة العبد العاصى من ذلك الرجل براحلته الذى أخطأ من شدة فرحه فقال (اللهم أنت عبدى وأنا ربك) ..

    إنها إذاً دعوة إلى رحاب الله الكريم تفيض بالحب والحنان لكل مذنب خطّاء يعلم أن له رباً يغفر الذنوب ولا يبالى، وأن باب توبته مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها ..

    فلنسارع أيها الإخوة الكرام بالتوبة إلى الله تعالى الذى يبسط يده بالليل ليتوب مسيئ النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل وينادى الشاردين التائهين "ياعبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم" [الزمر آية 53].

    هذا ... والله تعالى أعلم.
    وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته

    -------------------
    (1) البخارى كتاب الدعوات باب التوبة. ومسلم كتاب التوبة .باب فى الحض على التوبة والفرح بها.

  6. #6
    حتى لا تغرق السفينة



    الدكتور. عبد الرحمن إبراهيم فودة
    أستاذ الأدب المقارن بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة


    حمدًا لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى وبعد.
    سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وأهلاً ومرحبًا بكم فى حلقة جديدة من برنامج "قبس من نور النبوة"

    أيها المستمع الكريم..
    إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سنة الأنبياء عامة, ونبينا صلى الله عليه وسلم خاصة, وهو وسيلةُ الحفاظِ على سلامة الأمة ووقايتها من عوامل الانحراف, ولقد أعد الله تعالى للقائمين به أجرًا عظيمًا. كما أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرسبب للعقوبة الشديدة في الدنيا والآخرة."إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه أوشك أن يعمهم الله بعقابه " (1) .
    ومعنا اليوم حديث يتجلى لنا فيه مغبةُ تركِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
    روى البخارى وأحمد والترمذى عن النعمان بن بشير رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:
    "مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها، كمثل قومٍ استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مَرُّوا على من فوقهم فآذوهم، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا فى نصيبنا خرقاَ ولم نؤذِ مَنْ فوقَنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاًَ، وإن أخذوا على أيديهم نَجَوْا ونَجَوْا جميعاً" (2)

    هذا تمثيل لأولئك الذين أخطـأوا الطـريق وضلـوا عن سواء السبيل،
    ففهموا حريتهم فهماً سقيماً، وساروا فى هذه الحياة عـلى غـير هـدى،
    بل حَسب أهوائهم وشهواتهم .. وتمثيلُ آخرُ لأولئك الذين يَرون المنكر ويسكتون عليه، فلا تتمعر وجوههم غضبًا لله، ولا تتحرك نفوسهم لتغيير ذلك المنكر، بل يغمضون أعينهم عما يدور حولهم من ارتكاب المخالفات والموبقات، وكأن الأمر لا يعنيهم فى كثير أو قليل، ويظنون فى أنفسهم الصلاح والفلاح.

    فالحديث إذاً تصوير للمجتمع بما فيه من أخيار وأشرار، متقين وفجار، يشبههم بركاب سفينة فى بحر خضم متلاطم الأمواج، تمخر السفينة عُبابه، وقد انقسم الركاب إلى قسمين، كلٌ أخذ مكانه بعد الاستهام والاقتراع، فصار قسمٌ أعلى السفينة يتمتعون بروعة الطبيعة ونضارة الحياة، وينعمون بوسائل الرفاهية والراحة، من عذب الماء، ووثير الفراش، وخدمٍ يسعون فى تلبية رغباتهم وحاجاتهم.

    والقسم الآخر صار فى أسفل السفينة، لا ينعمون بما نَعِمَ به مَنْ فوقهم حتى الماءُ كانوا يجلبونه من أعلى. وهنا خطرت لهم فكرة أن يثـقبوا أسفل السفينة ليستخرجوا الماء من البحر، فلا يُتعبون أنفسهم فى حمل الماء، ولا يزعجون جيرانهم، فبدأوا بتنفيذ ما أرادوا وقرروا ثقب السفينة، فاستخرجوا معاولهم، وراحوا يضربون فى السفينة. وسمع الذين هم فى الطبقة العليا أصوات المعاول فهُرعوا نحو إخوانهم ووقفوا فى وجوههم يريدون منعهم، ولكن هؤلاء استاؤا من تدخل إخوانهم وقالوا : هذا مكاننا ونصيبنا نصنع فيه ما نشاء، إنها حريتنا فإن تركوهم وما أرادوا هلك ركاب السفينة جميعاً. وإن أصروا على منعهم وأخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعاً.
    وهكذا نحن فى حياتنا، نعيش على ظهر الأرض كركاب السفينة، فينا الطائع والعاصى، والبر والفاجر، فإن تُرِك أهل الشر والفساد يعيثُون فى الأرض، يسرحون ويمرحون، دون أن يوجِّه لهم أهل الخير والصلاح النصحَ، أو يمنعوهم من اقتراف الموبقات هلك الجميع ونزل عقاب الله وإن منعوهم من الفساد والإفساد رست بهم السفينة على بر الأمان.

    وفى الحديث إشارة إلى أن القائمين بأمر الله من الدعوة إليه والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هم الأعلون، وأن الذين يتخبطون فى ظلمات المعاصى هم الأدنون. وكلها من مفردات حياتنا اليومية، سهلة النطق، واضحة المعنى وتأمل معى ـ أخى الكريم ـ ألفاظ الحديث، واستخدام الصور البيانية، والمحسنات البديعية التى تزيد القارئ وضوحاً فى الفكرة، ومعرفة بالغرض.
    ـ تشبيه القائم على حدود الله بمن سكنوا أعلى السفينة، والواقع فى حدود الله بمن فى أسفلها.
    ـ والطباق أو التضاد بين أعلاها، وأسفلها / وبين القائم والواقع.
    ـ والجناس فى قوله (خرقْنا ـ خرْقاً)
    ـ والتكرار فى لفظة (نجوا) و (ونجوا جميعاً)
    وهكذا يتضح لنا من الحديث أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو طوق النجاة لجماعة المسلمين وأن تركه سبب الهلاك والضياع.

    هذا ... وبالله التوفيق ومنه الهداية
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    ----------------
    (1) أحمد عن أبى بكر. صحيح الجامع 1974.
    (2) أحمد فى المسند 4/268 والترمذى 2/26، والبخارى 2/111 - 164

  7. #7
    أنواع الأرض



    الدكتور. عبد الرحمن إبراهيم فودة
    أستاذ الأدب المقارن بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة


    بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد،
    مستمعى الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وأهلاً بكم مع
    "قبس من نور النبوة"
    أخى المستمع الكريم:

    روى البخارى ومسلم (1)
    عن أبى موسى الأشعرىِّ رضى الله تعالى عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:"إن مثلَ مابعثنى الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً. فكانت منها طائفة طيِّبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعُشب الكثير. وكان منها أجادِبُ أمسكت الماء. فنفع الله بها الناس. فشربوا منها وسَقَوْا ورَعَوْا. وأصاب طائفة منها أخرى. إنما هى قيعانٌ لا تُمسك ماءً ولا تُنبت كلأً. فذلك مَثَلُ مَنْ فَقُه فى دين الله، ونفعَه ما بعثنى الله به. فَعِلم وعلَّم. ومَثَلُ من لم يرفعْ بذلك رأساً. ولم يقبلْ هدى الله الذى أُرسلتُ به".
    يصور هذا الحديثُ أحوالَ الناس مع شريعة الإسلام، فيجعلُهم طائفتين: الأولى منهما فى قسمين: نافعةٍ منتفعة. أو نافعة فقط.

    والثانية غير نافعة ولا منتفعة. ويرشد إلى هذه القسمة نهاية الحديث (فذلك مَثَلُ من فَقُه فى دين الله .. ومَثَلُ من لم يرفع بذلك رأساً).

    ويستخدم الحديث ضرب المثل وهو من الأساليب التى تشوق السامع إلى الخير فيشرئب له عنقه، وتصغى له أُذنُه، فيترسخُ المعنى فى نفسه. فتمثيل مَنْ فَقُه فى دَينْ الله تعالى، وانتفع بما بُعث به رسولهُ صلى الله عليه وسلم فَعِلم وعلّم بالطائفتين الصالحتين من أرض طيبة، فى صورة حسية أَوِْفَت بالغرض وملأت النفس إعجاباً وروعة. تأمل معى:
    1ـ كلأُ وعشب كثير / أنجبته الأرض غِبَّ الغيث / جَنَّة فينانة فيها الخير والبركة / والزيادة والنماء / ومتعة القلب وبهجة الخاطر كم يعرفُ العربى فى صحرائه المضنية قيمة هذا التمثيل ؟
    2ـ ومياهُ ظاهرة فى هذه البوادى، تجمع الرائح والغادى، ويشربُ فيروى، ويسقى سواه، ويزيدُ فيزرعُ .. كم تكونُ هذه الأرض نافعةً/ وكم يكون الرضا بها، والدعاء لها بالخير والصلاح ؟
    أليس ضمن هذا تجسيمُ الدِّين الذى جاء به النبى صلى الله عليه وسلم فى صورة الغيثِ المغيثِ الذى تقام له الأعياد، وتزف البشرى عند أهل البادية والبعيدين عن المنابع والأنهار ؟
    يكفى الطائفةَ الأقلَّ انتفاعاً من أختها دعاءُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله " نضّر الله امرأً سمع منا شيئاً فبلّغه كما سمعه، فرُبَّ مُبلَّغٍ أوعى من سامع"
    وقوله " فَرُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقه منه".

    إن هذا التمثيل حافز للعاقل على حرصه أن يكون فى الأمثل من هذه الطوائف.

    ويأتى تمثيلُ الطائفة التى لم ترفع بالدين رأساً ولم تقبلْ هُدى الله بالطائفة من الأرض التى خابت وخاب قاصدُها، وبارت وباءت بكآبة الوجه والمنظر وسوء المصير، حتى لا يعرف خبرَها مرتحلٌ إلا نأى بجانبه عنها حذر الموت والهلاك.

    إن تمثيلها بهذا حامل للنفس على الأناة والتهدّى، ودافعٌ لها إلى المقارنة والنظر حتى لا تكون فى الهالكين.

    وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى،
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    ----------------
    (1) البخارى كتاب العلم باب فضل من عَلِم وعلّم. ومسلم كتاب الفضائل باب بيان مثل ما بعث النبى صلى الله عليه وسلم به من الهدى والعلم.164

  8. #8
    الصلاةَ ـ الصلاةَ



    الدكتور. عبد الرحمن إبراهيم فودة
    أستاذ الأدب المقارن بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة


    بسم الله والحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.. مستمعي الكرام.. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وأهلاً بكم مع (قبس من نور النبوة).. حديثنا اليوم عن ركن عظيم من أهم أركان الإسلام..
    أخى المستمع الكريم
    لقد أهمل كثير من الناس هذا الركن، وعدوه عبئاً ثـقيلاً عليهم، وإذا ما ذكرهم أحدٌ به التمسوا لأنفسهم ألف عذر وعذراً، فتعللوا بأنهم مشغولون بأمور هامة، واعتبر أحدهم عملَه عبادةً، واعترف بعضهم بالتقصير ودعا بالهداية، وجاهر فريقٌ آخر بالمعصية، وبدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا أنفسهم دار البوار (فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فَرَّت من قسورة) [المدثر 51:49].

    أخى الحبيب
    إن حياة الإنسان تستدعى الطعام والشراب، ذلك لأن بهما قِوامَ الجسد ومادةَ العيش غير أن هناك أموراً، الإنسانُ أشد حاجة إليها، ولا يستطيع أن يستغنى عنها إنها شعائر الدين، وعلى رأسها الصلاة فهى قوامُ الروح ومادة الطمأنينة تسمو بصاحبها وترفعه من سفاسف الأمور فيستقيم فى حياته على الجادة، استقامته بين يدى ربه فى الصلاة.

    ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
    روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
    " أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات. ما تقولون؟ أَيُبقى ذلك من درنه شيئًا ؟ قالوا: لا يُبقى ذلك من درنه شيئًا. قال: فذلك مثلُ الصلواتِ الخمس يمحو الله بهن الخطايا"
    يقرر النبي صلى الله عليه وسلم لأمته فضيلةَ الصلاة وعظيم أجرها ليصبروا على أدائها في أوقاتها, فمثَّل المؤمن الذي يُعِدُّ نفسه للصلاة فيصليها, ثم يُعد نفسه للصلاة فيصليها حتى يُتم فرضَ اليوم, بحال المؤمن الذي يمرُّ ببابه نهرٌ فهو يغتسل فيه خمس مرات كل يوم.

    فتكرار الصلوات يمحو الخطايا, كما أن تكرار الاغتسال لا يُبقى من الدرن شيئًا. وهنا ينتقل المؤمن كلما توضأ ليصلي, أو كلما سمع النداء إلى تصور نهرٍ لا يُجهدُه بُعْدُه, إذ هو قريب ببابه.

    وتصورِ دَرَنٍ يؤذيه بقاؤه, وتصور اغتسالٍ يُورثُ النشاط ويُزيلُ الدرن, فَيرى نفسَه مندفعًا إلى الصلاه سعيدًا بها لينقىَ نفسَه مما يؤذيها، ويبرأُ مما يثـقله.

    ويبدأُ الحديثُ باستفهامٍ من النبى صلى الله عليه وسلم لِيُطيلَ الشوقَ ويَزيدَ الانتباه [أرأيتم لو أن نهراً ..] وهو صلى الله عليه وسلم لا يطلب منهم جواباً لهذا السؤال التقريرى ثم لا يلبث أن يتبعه بسؤال آخر: أيُبقى ذلك من درنه شيئاً ؟ وتأتى إجابتهم بالنفى : لا يبقى ذلك من درنه شيئاً تأمل معى كلمة (نهر) التى توحى بالرِّقة والصفاءِ والعذوبة وقوله صلى الله عليه وسلم (بباب) وهى توحى بالالتصاق بين النهر والباب، حتى لكأن الدارَ تجرى من تحتها الأنهار .. وكلمة (يغتسل) التى توحى بالتجدد والحدوث، وهذا الفعل وإن كان يتكرر خمس مرات وهى العدد المحصور فى اليوم،

    فإنه يطّرد مع العمر بإضافة لفظة (كل)، ليوحىَ باتصال النعيم ودوامِه، فلا يُبقى هذا الاغتسالُ من الدرن شيئاً.
    أخى الكريم ... من التناسق الفنى الجميل فى هذا الحديث أن يجعل المعصية قذراً تتقزز منه النفس السوية وتنفر، والصلواتِ الخمسَ نهراً جارياً كثير الماء عَذْبَه، لا يحمل خبثا، وهو بعد ذلك غير ملوث.

    لذا .. أخى الحبيب فإن الصلاة فريضة الله على المؤمنين، وقد ورد الأمر بها فى آياتٍ كثيرة من كتاب الله كما فى قوله تعالى (فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا) [النساء 103] وقولِه (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) [البقرة 238]، وجعلها النبى صلى الله عليه وسلم الركن الثانى من أركان الإسلام العظيم حين قال: بنى الإسلام على خمس .. شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة .. والصلاة تطهر النفس وتزكيها، وتهيئ العبد لمناجاة الله تبارك وتعالى فى الدنيا ومجاورته فى الآخرة، وهى تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) [العنكبوت 45].

    ولعظم أهمية الصلاة كانت آخر ما وصى به صلى الله عليه وسلم قبل رحيله إلى الرفيق الأعلى حين قال (الصلاة الصلاة .. وما ملكت أيمانكم).
    فبادر أخى المسلم بالمحافظة على الصلاة جماعة فى المسجد حتى تُغفَر ذنوبك وتُمحى سيئاتك وتَنال رضا الله عز وجل واعلم أن الصلاة أول ما يحاسب عليه العبد فإذا صلحت صلح سائر عمله .. واعلم أنه لن يغنى عنك أحدُ من الله شيئاً، ولن يتحمل وزرك، ولن يدفع عنك أحد عذاب الله إن حل بك فإياك وتركَ الصلاة فإن تركها يورث الحسرة والندم فى يوم لا ينفع فيه الندم ويعض الظالم على يديه يقول ياليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا ..

    ثم أترضى أخى المسلم أن يكون قول العلماء فيك إذا تركت الصلاة مترددًا بين الكفر والفسق ؟!
    ألا فشمِّر واجتهد وأقم الصلاة لوقتها فإن ذلك من أحب الأعمال إلى الله وقد سئل النبى صلى الله عليه وسلم أى العمل أفضل ؟ فقال عليه الصلاة السلام (الصلاة لوقتها).
    وها هو حديث اليوم يلفتنا إلى أهمية الصلاة فى حياتنا وينبهنا إلى أنها سبب لتكفير خطايانا.

    نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان والعمل الصالح...
    أستودعكم الله الذى لا تضيع ودائعه
    والسلام عليكم ورحمة الله بركاته

    منقول للفائدة

  9. #9
    إياك والمظاهر الخداعة



    الدكتور. عبد الرحمن إبراهيم فودة
    أستاذ الأدب المقارن بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة


    بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد... مستمعى الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأهلاً بكم مع "قبس من نور النبوة".
    أيها المستمع الكريم
    معنا اليوم حديث شريف، يشتمل على ـ قصة بل قصتين ـ قصيرة تبين لنا مظهراً من مظاهر ضعف الإنسان فى هذه الحياة ألا وهو اغتراره بالمظاهر وانخداعه ببريقها دون أن يفطن إلى ما تخفيه فى طياتها من شر ..
    روى البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "لم يتكلم فى المهد إلا ثلاثة .. عيسى .. وكان فى بنى إسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلى . جاءته أمُّه فدعَتْه فقال أجيبها أو أصلى؟ فقالت : اللهم لا تُمِتْه حتى تُرِيَه وجوهَ المُومِسات، وكان جريج فى صومعة فتعرضت له امرأة فكلمته فأبى، فأتت راعياً فأمكنته من نفسها فولدت غلاماً فقالت : مِنْ جريج، فأتوه، فكسروا صومعته، فأنزلوه وسبُّوه، فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام فقال : مَنْ أبوك يا غلام ؟ قال : الراعى. قالوا : نبنى صومعتك من ذهب ؟ قال لا إلا من طين.

    وكانت امرأة ترضع ابناً لها من بنى إسرائيل، فمرّ بها رجلٌ راكبٌ ذو شَارَةٍ، فقالت : اللهم اجعل ابنى مثله، فترك ثديها وأتى على الراكب فقال: اللهم لا تجعلنى مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه ثم مرت بأَمَةٍ يقولون لها : زَنَيْتِ ـ سرقت ـ فقالت: اللهم لا تجعل ابنى مثل هذه، فترك ثديها وقال اللهم اجعلنى مثلها، فقالت : لِمَ ذاك ؟ فقال : الراكب جبار من الجبارة، وهذه الأمة يقولون سَرَقَتْ ـ زَنَتْ ولم تفعل.
    ولننظر إلى الرضيع وأمه لنرى ما قصتها: أمٌّ فقيرة بائسة تقف على قارعة الطريق أمام الغادين والرائحين، تطعم وليدها من ثديها، وبينما هى على تلك الحال، إذ تجد نفسها فجأة أمام راكب ذى شارة، إنها أمام رجل عليه مظاهر العز والقوة والغنى، فاستشرفت نفسها أن يكون ولدها فى مستقبله كهذا الرجل فدعت أن يكون ابنها مثله ... لكن الرضيع يعترض على هذا الدعاء ويدعو ألا يكون مثل هذا الرجل.

    ثم ترى الأم صورة أخرى تناقض تماماً الصورة الأولى فهى ترى امرأة سوداء تُضْرَب لاتهامها بالسرقة والزنا .. فتسارع المرأة بالدعاء ألا يجعل اللهُ ولدها مثل هذه الجارية .. فيدعو الرضيع أن يكون مثلها ... وهنا يتراجعان الكلام معاً (الأمُ والرضيع) .. فالأم حيرى من أمر ابنها .. تراجعه الحديث، وقد اطمأنت إلى نطقه غير المألوف، علها تجد عنده ما يريحها من هذه الحيرة المستبدة التى نشأت من التناقض بين دعائها له، ودعائه لنفسه، وإذا به يتجه إليها، يكشف لها ولنا السر فى تلك المفارقة، ويفسر ذلك الموقف الغامض العجيب ببيان حقيقة ذلك الراكب الذى يبدو فى مظهر الخير، وتلك الجارية التى تبدو فى مظهر الشر، مع أن الواقع أن كلا منهما على نقيض ما يظهر للناس من أمره، وهو كشف غيبى يجريه الله العلى القدير الفعال لما يريد على لسان هذا الرضيع.
    مستمعى الكرام ..
    ما يقال عن الفرد فى قضيتنا هذه ـ يقال عن الأمم أيضاً فرُبَّ أُمَّةٍ صائلة، فى الأرض جائلة، تملأ القلوب هيبة وفزعاً، وهى من داخلها خاوية على عروشها، فجسدها معطوب، وأخلاقها مريضة، وضمائرها مستترة، تريك من نفسها الأمن وهى خائفة وتُظهر لك الشبع، وهى جائعة، يغتر بها المغرورون، ولكن الله عز وجل يكشف أمرها، ويهتك سترها، وعن مثل هذه الأمة يقول تعالى:
    "وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون" [النحل 112].
    وعلى العكس من ذلك فقد كان الصحابة رضى الله عنهم أمة قليلة العدد والعتاد والمال والثروات، وكانوا فى ظاهر أمرهم ضعفاء، لكنهم كانوا عند الله عظماء، ولذا فقد أيّدتهم ملائكة السماء.

    هذا ابن مسعود يصعد أعلى نخلة فيعجب الصحابة لدقة ساقيه، فيبين لهم النبى صلى الله عليه وسلم أنها عند الله عز وجل أثقل من جبل أحد. هكذا إخوتى الكرام بينت لنا هذه القصة كيفية النظر إلى الأشياء فلا نغتر بالمظاهر، وإنما نبحث عن الحق فى داخله، والله تعالى لا ينظر إلى صورنا وأجسادنا ولكن ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا.

    هذا والله أعلى وأعلم ومنه الهداية
    وإلى لقاء فى حلقة قادمة
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  10. #10
    العقوق جريمة كبرى



    الدكتور. عبد الرحمن إبراهيم فودة
    أستاذ الأدب المقارن بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة


    الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد،

    مستمعى الكرام .. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته .. وأهلاً بكم ومرحباً فى برنامجكم (قبس من نور النبوة) حلقةُ اليوم عن أمرٍ يُبغضه الشرعُ الحنيف، ونحن لا نتحدث عنه لأنا نحبُّه، معاذ الله، ولكن من باب :
    عرفت الشر لا للشر لكن لتوقِّيهِ *** ومن لا يعرفُ الخَير من الشر يقع فيه

    إنه (عقوق الوالدين) الذى كثر وانتشر، وتعددت أشكالهُ وألوانه عافانا الله وإياكم من العقوق وشره ..

    وقد وردت الأحاديث الكثيرة فى النهى عن العقوق كما فى قوله صلى الله عليه وسلم الذى رواه البخارى عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبى صلى الله عليه وسلم (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثًا قلنا: بلى يا رسول الله قال : الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، و كان متكئاً فجلس فقال : ألا وقولُ الوزر، وشهادةُ الوزر، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت) وكما فى قوله صلى الله عليه وسلم (الكبائر : الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس) رواه البخارى ومسلم من حديث أبى بكرة نفيع بن الحارث رضى الله عنه.
    وقوله صلى الله عليه وسلم " إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعاً وهات، ووأد البنات وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال" متفق عليه من حديث المغيرة بن شعبة رضى الله عنه.

    وخرج البخارى ومسلم فى الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن رسول الله  قال : "من الكبائر شتمُ الرجلِ والديه" قالوا: يا رسول الله، وهل يشتمُ الرجلُ والديه؟ قال : "نعم ، يسبُّ أبا الرجل فيسُبُّ أباه، ويسبُّ أمَّه فيسُبُّ أمَّه".

    أيها المستمع الكريم .. إن الذنوب لتتفاوتُ بحسب مفاسدها، وإن عقوق الوالدين من أعظم هذه الذنوب، إنه نكران للجميل، ونسيان لحق الوالدين، واحتقارٌ لأصالة الإنسان.

    لقد أمر الله عز وجل فى كتابه سبحانه بتوحيده وعدم الإشراك به، وقرن هذا الأمر بالإحسان إلى الوالدين (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا) [النساء 36] (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) [الإسراء 23] لقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين لا سيما عند الكبر، وذكّر الابن بأنهما أحسنا إليه وربياه صغيرا، فالصغرُ ضعف، وبحاجة إلى رعاية وتعهد، وقد قام الوالدان بهذا الواجب خير قيام.

    والكبر ضعف، وبحاجة إلى عناية ورعاية فليقم الابنُ إذاً بالمطلوب وليحسن إلى والديه، ولا يتأفف عندهما ولا ينهرهما وإنما يقول لهما القول الكريم الطيب.

    وفى هذه الأحاديث تحريمٌ للعقوق وتشديد على التنفير منه، وبيانُ حرمة سب الآباء والأمهات، أو تعريضهما للسب والإهانة، وأن الطبع السليم المستقيم يأبى أن يسب الرجلُ والديه أو أن يتسبب فى سبهما، وهى دعوة لترك السباب والشتائم خشية أن يعود السب على والدى الشاتم.

    أفلا يستدعى كل هذا أن يكون المرء بارًا بأبويه، منتهياً عن عقوقهما.

    إذاً فلنستمع إلى بيانٍ شافٍ يذكّرنا بحق الأبوين علينا، لا سيما الأم لعل الذين غلبت عليهم شقوتهم أن يرجعوا إلى رشدهم، ويحسنوا معاملة آبائهم وأمهاتهم، فالأم هى التى "أرضعتك من ثديها لبنا، وأطارت من أجلك وَسَنا، وغسلت بيمينها عنك الأذى، وآثرتك على نفسها بالغذا، وصيرت حَجرها لك مهدا، وأنالتك إحسانا ورفدا، فإن أصابك مرض أو شكاية، أظهرت من الأسف حتى النهاية، وأطالت الحزن والنحيب، وبذلت أموالها للطبيب، ولو خيرت بين حياتك وموتها لاختارت حياتك بأعلى صوتها، هذا وكم عاملتها بسوء الخلق مرارا، فدعت لك بالتوفيق سرًا وجهارا، فلما احتاجت عند الكبر إليك، جعلتها من أهون الأشياء عليك، وشبعت وهى جائعة، ورويت وهى ضائعة، وقدّمت زوجتك عليها بالإحسان وقابلت أياديها بالنسيان، وصعب عليك أمرها وهو يسير، وطال عليك عمرها وهو قصير، وهجرتها ومالها سواك نصير، يا هذا نهاك الله عن التأفيف، وعاتبك فى حقها بعتاب لطيف،
    ستعاقب فى دنياك بعقوق البنين، وفى أخراك بالبعد عن رب العالمين، وتُنادى بلسان التوبيخ والتهديد، ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد.
    ولا أريد أن أوذى أسماعكم أحبتى فى الله بصور من العقوق، غير أن أقسى صورة من صوره وأشدها إيلامًا صورة هذا العاق الذى يقتل أمه لحفنة من المال، والأكثر إيلاما هو توجع القلب المحزون قلب الأم الذى قتله ولدها . . استمع معى إلىهذه القصة الرمزية:

    أغرى امرؤ يومًا غلامًا جاهلاً بنقوده كـى ما ينـال بـه الوطـر
    قال ائتنى بفؤاد أمك يا فتى ولك الجواهـر والـدراهـم والـدرر
    فمضى وأغرز خنجرًا فى صدرها والقلب أخرجه وعاد على الأثر
    لكنه من فرط سرعته هوى فتدحرج القلـب الـمقطـع إذ عثـر
    ناداه قلب الأم وهو معفرولدى حبيبى هل أصابـك مـن ضـرر؟
    فكأن هذا الصوت رغم حنوه غضب السماء عـلى الغلام قد انهمر
    فدرى فظيع جناية لم يجنها ولـد سـواه منـذ تـاريـخ الـبشر
    فارتد نحو القلب يغسلـه بمـا فـاضـت به عيناه من سيل العبر
    ويقـول: يا قلـب انـتـقـم منـى ولا تغفر فإن جريمتى لا تغتفر
    فـاستـل خنجـره ليطعـن قلبـه طعنـا فيبقى عبرة لمن اعتبر
    ناداه قلب الأم كف يداً ولا تطعـن فؤادى مـرتين علـى الأثـر.

    ... هذا هو قلب الأم .. وهذا هو حالُها معك .. ألا تتقى الله فيها .. وتحسنُ إليها .. وتدعو لأبويك معا (رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا) [الإسراء 24] جعلنا الله وإياكم من أهل البر والإحسان إلى الآباء والأمهات، وجنبنا وإياكم داء العقوق.

    هذا وبالله التوفيق .. وإلى لقاء فى حلقة قادمة
    وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. الرسول - صل الله عليه وآله وسلم - في رمضان
    بواسطة ندى نحلاوي في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-04-2014, 10:59 PM
  2. إختصار سيرة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم
    بواسطة أبو فراس في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-19-2014, 08:16 PM
  3. محمد صلى الله عليه وسلم ،
    بواسطة ظميان غدير في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 10-05-2013, 12:52 PM
  4. الصخرة التي عرج منها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء
    بواسطة شذى سعد في المنتدى فرسان السيرة النبوية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 05-07-2012, 07:22 AM
  5. شوق يؤججني إلى لقياك (في مدح رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم )
    بواسطة الهام بدوي في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 07-16-2011, 04:59 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •