خــاتم سليمــان
غريب أمـر هـذه المديرة التي فرضت نفسها علينا فرضا، كلمـا وضعت رجلي على عتبة المؤسسة الخاصة التي أدرس بها إلا و بسملت و حوقلت حتى الجـن الأحمـر يخشـاهـا و يخـاف منهـا.
في كـل مرة نسمع عن اتخـاذ الإدارة قرارهـا بفصـل المديرة، إلا و يتهلل وجوه المدرسين، و يستبشرون خيرا، لكن سرعـان مــا تعود المديرة إلى مكتبهـا سـالمة غـانمة.
لهـا مع كـل مدرس و مدرسة حكـاية، و كـل حدث يقـع داخـل المؤسسة لهـا يد فيه، فمن بعيد تتحكم في خيوط اللعبة.
حين تبصرهـا من بعيد و هي مرتدية بذلتهـا السوداء و حقيبتهـا السوداء، تخـالهـا سفيرة البرازيل في فرنسـا.
لا أحد يصدق أن هذه المديرة الصـامتة الهـادئة تحمـل بداخلهـا كـل قوى الشـر، مهووسة بالسؤال عـن كـل صغيرة و كبيرة في المؤسسة. تسأل عمن تزوج من المعلمـات، و عمن خطبت، و عن المدرسين من ولدت زوجته الحـامل، و من ختن ابنه البكر و تغيب.
لو قدر لك أن تلتقي بهـا في الطـابق الأول فستطيل فيك النظر، عينهـا حـادتـان كالصقر، لكنهـا خاوية من الداخـل.
أسئلتهـا ساذجة و بليدة، لا تفهم لا في البيداخوجيـا، و لا في الكفـايـات و لا التدريس بالأهداف، و لم تخضع لأي تكوين.
متعجرفة و متكبرة، فهي تعتقد في قرارات نفسهـا أنها مديرة بصح و صحيح، و لا شيء يعجبهـا، غير خـاتم التوقيع الذي تحمله معهـا أينمـا حلت و ارتحلت، مخـافة أن تفقد مركـزهـا بغيـاب الخـاتم.
كـان الضحك يغـالبني كلمـا رأيتهـا تتأبط خـاتمها السحري العجيب، و عـادت بي الذاكرة إلى مـا قرأته عـن رغبة الكثيرين من العـاجزين في امتلاك خـاتم سليمـان السحري لامتلاك نـاصية العـالم، و التحكم في الإنس و الجن.
كـانت تعرف أن الكل يكرههـا، لكنهـا مصرة على التشبث بمنصبها، فهي معجبة بهذه الصفة، و الويل كل الويل لمن يتجاهلها.
كـل أهـالي الحي أفهمتهم أنهـا مديرة، و الحقيبة لا تفـارقهـا، و لا أحد يدري مـاذا يوجد في هـذه الحقيبة السوداء.
لـم أرهـا قط تقرأ كتـابـا أو تتصفح مجلة أو رواية، حتى المذكرات الوزارية لا تعرف مضـامينهـا، و عـاجزة عـن الإجـابة عنهـا و إرسالها لنيابة التعليـم أو الأكاديمية.
لـم أبصـر في حيـاتي مديرة من هـذا الصنف مصـابة بالعي و الحصـر
حين يتكلم الكـل لا تتكلم تظل صـامتة ، صمت القبور، و تكتفي بتوزيع نظراتهـا الحـادة على المدرسين. نظرات بلهـاء و ليست لهـا معنى. حتى الاجتماعات لا تسيرهـا و لا تضع جدول أعمـالها، و لا تنجز تقـاريرهـا، فقد كنت أنـا العبد الضعيف من يقوم بالتقـارير، و ديبـاجتهـا بشكـل مفصل و مرتب، و صاحبتنا في آخـر المطاف تحصل على نسخة من التقرير.
كلنا في المؤسسة نعرف أنهـا لاتفهم مـا هو مكتوب في تلك التقارير، و مع ذالك تدمدم بكلمات غير مفهومة ، نستنتج منها أنها تتقـد غيظا و حقدا على صـاحب التقـارير الفصيحة،
و هي العجمـاء التي لا تفصح.
لا أحد في المؤسسة، و العـاملين بهـا سبق أن تفوه في حضرتهـا بلفظة – المديرة- بل وضعوا لهـا عدة ألقـاب منهـا – الشريرة- الخبيثة – حمـالة الحطب – وجـه النحس – الغـادرة – المـاكرة - .....
مديرة خـاوية على عروشهـا، بالرغـم أنهـا حـاصلة على شهـادة مديرة، الله أعلـم من أيـن أتت بهـا و من منحهـا – مهمة – المديرة، و حـاصلة أيضـا على شهـادة جـامعيـة – لا تشبههـا في شيء فهي بعيدة عنهـا كالفرق بين الحـق و البـاطـل.
كنت دائمـا أتسـاءل، هـل اقتنعت هـذه المديرة يومـا، أنهـا على بـاطل، و أن مركزهـا الناعم محفوف بالأشواك، و على جنـباته ترقد أفـاعي رقطاء ستلذغهـا ذات يوم.
المديرة أقيلت.. المديرة أدبرت.. المديرة أسرت.. المديرة أعلنت.. و بين الإقبـال و الإدبـار و السـر و العلن و الصمت و الإيحـاء، تستمر المديرة متسمرة في مركزهـا، و تحت مكتبهـا مرت ميـاه كثيرة آسنة، لم ينقذهـا منهـا غير رائحـة عطر –مستوردة-
هـي تسأل و تسأل، و لا تجد جوابـا، لكن عواصف تسونـامي و فيضـانهـا الخطير مقبل لا محـالة.