إنّ لله تعالى رجال, وأي رجال! خبأهم لنصرة الإسلام وعزته في أوقات الشدّة.ومن بين هؤلاء بطل ذكي يقظ منّ الله عليه بسرعة البديهة وتوقّد الذّكاء.أتدرون من هو هذا البطل ؟ إنّه نعيم بن مسعود الأشجعي الغطفاني, كان أيام الجلية الغابرة واحداً من ندماء يهود بني قريظة يجالسهم ويشرب معهم وكان بينهم وبينه ود حتى إنهم كانوا يثقون به ويحبونه. ولما آن لنور الهداية أن يسطع في ذلك القلب,بدأ نعيم رضي الله عنه يمضي في طريق جديد يوم الأحزاب, واستطاع وبمهارة نادرة أن يسجّل في كتب التاريخ وقائع لا تنسى مهما تعاقبت الأيام والليالي.لقد بطلنا سبباً في إنقاذ الأمة المسلمة بأسرها وعلى رأسها رسول الله صلى الله عليه وسلم من هلاك وشيك الحلول.
ماذا قدّمت الدين الله عز وجل ؟
لقد استطاع نعيم بن مسعود رضي الله عنه أن يكون سبباً لإجلاء حشود هائلة من المشركين اليهود ومتنصرة العرب تحلّقت حول المدينة المنوّرة للقضاء على الإسلام واستئصال شأفة المسلمين. هذا ما قدّمه نعيم رضي الله عنه,فاسأل نفسك ما الّذي قدمته أنت لنصرة دين الله؟ الجواب عندك, ولن استطيع الإجابة عنك فأنت أعرف بما قدّمت.
جاء نعيم الأشجعي رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت عصيب مشحون بالضيق والشدّة,قلوب تكاد تخرج من الصدور,جيش قوامه عشرة آلاف مقاتل, سلاحهم حقد يملأ الصدور,وعتاد موفور من خيل وسيف ورمح , وخيام تؤيهم,طعام وخمر,جوار وقينات,هذا كلّه مشحون بحميّة الجاهلية التي جاء دين الله لإزاحتها من واقع العرب,لتحلّ بدلاً عنها الحمية للدين. في هذه اللحظات الحرجة نقض يهود بني قريظة العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلك شكّلوا تهديداً داخليّاً خطيراً زاد الموقف حرجاً . هؤلاء هم اليهود لا يجيدون إلاّ الغدر والخيانة ونكث العهود على امتداد تاريخهم , ونرى في هذه الظروف من مدّ يده إليهم وأبرم العاهدات وعقد الاتفاقيات متناسياً حقائق التاريخ , أقول: في هذا الكرب العظيم وفد البطل الفدائي سيّنا نعيم رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله لقد أسلمت. ولم يعلم قومي بإسلامي فمرني بما شئت,فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي إنّما أنت فينا رجل واحد , فخذّل عنّا إن استطعت,فإنّ الحرب خدعة . ) فخرج نعيم رضي الله عنه, حتى أتى بني
قريظة,فقال :" يا بني قريظة قد عرفتم ودي إيّاكم, خاصة ما بيني وبينكم," قالوا: صدقت,لست عندنا بمتّهم,فقال لهم : إنّ قريشاً وغطفان ليسوا كأنتم البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم, لا تقدرون عل أن تحوّلوا منه إلى غيره,وإنّ قريشاً وغطفان قد جاؤوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره,فليسوا كأنتم,فإن رؤوا نهزة أصابوها,وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ولا طاقة لكم به إن خلا بكم,فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهناً من أشرافهم,يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمداً حتى تناجزوه," فقالوا له : لقد أشرت بالرأي. ثم خرج حتى أتى قريشاً فكلّم أبا سفيان ومعه رجال من قريش,فقال:" قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمداً وأنه قد بلغني أمر قد رأيت عليّ حقاً أن أبلغكموه نصحاً لكم فاكتموا عني , قالوا نفعل. قال: تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد وقد أرسلوا إليه أن قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين قريش وغطفان رجالاً من أشرافهم نعطيكهم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم ؟ فأرسل إليهم أن نعم , فإن أرسلت يهود إليكم يلتمسون منكم رهناً من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلاً واحداً. ثم خرج حتى أتى غطفان,فقال:" يا معشر غطفان إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إليّ ولا أراكم تتهمونني,فقالوا: صدقت,ما أنت بمتّهم عندنا,فقال:اكتموا عني,قالوا: نفعل,فما أمرك,فقال لهم مثل ما قال لقريش وحذّرهم ما حذّرهم . وتتدخّل السماء ففي ليلة السبت الخامس من شوّال يرسل أبو سفيان ووجهاء غطفان عكرمة بن أبي جهل في نفر من القبيلتين إلى بني قريظة ليقولوا لهم :إنّا لسنا بدار مقام فقد هلك الخفّ والحافر فاغدوا للقتال حتى نناجز محمداً ونفرغ مما بيننا وبينه. فأرسلوا إليهم أن اليوم يوم السّبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئاً . وقد كان بعضنا أحدث حدثاً فأصابه ما لم يخف عليكم.ولسنا مع ذلك ممن يقاتل معكم محمداً حتى تعطونا رهناً من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمداً فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتدّ عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلدنا ولا طاقة لنا بذلك منه.فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة. قالت قريش وغطفان : والله إن الّذي قال نعيم بن مسعود لحق. فأرسلوا إلى بني قريظة: إنّا والله لا ندفع إليكم رجلاً واحداً من رجالنا , فإن كنتم تريدون القتال, فاخرجوا فقاتلوا.فقال بنو قريظة لما انتهت إليهم الرسل بهذا : إن الّذي ذكر لكم نعيم لحق,ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا,فإن رأوا فرصة انتهزوها وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم وخلّوا بينكم وبين الرجل في بلدكم.فأرسلوا بطلب الرهائن إلى قريش وغطفان فأبوا عليهم وخذّل الله بينهم. وأرسل الله ريحاً في ليال شاتية شديدة البرودة فكفأت القدور وطرحت الأبنية.
وبقي سيدنا نعيم رضي الله عنه بعد ذلك اليوم المشهود موضع ثقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فولي له الأعمال وحمل له الرايات.ويم الفتح الأعظم فتح مكة كان رضي الله عنه يحمل راية قومه, وقد رآه أبو سفيان لما استعرض جيش المسلمين. لقد كان نعيم رضي الله عنه حريصاً كل الحرص على استدراك كل لحظة من ماضيه بلحظة يملؤها بطاعة لله ورسوله ليجعل مكانها أياماً بل شهوراً زاخرة بالطاعات. لقد عاش عصر الراشدين ناصراً الحق إلى أن توفي في عهد عثمان رضي الله عنه وأرضاه .
نداء إلى شباب أمتي :
يا أحبابي .. يا أخوتي ..يا أبنائي : هذا شاب من شبّان الصحابة حرّي أن تحبّوه وتترسّموا خطاه عقيدة وسلوكاً وعملاً لتقدّموا لهذه الأمة خدمة في زمن الترهّل والشتات,فأمتكم تبني عليكم الآمال,لتمتدّ يدكم الحانية إليها لتحدث النهضة الإيمانية التي ترقى بها لتنفض عن كاهلها ما خلّفته القرون المنصرمة من تراكمات القهر والظلم والعنت . قلاع العلم والعمل والعبادة تناديكم, فهل تجيبون كما أجاب نعيم ؟ أسألكم وأنا وأنتم نصغي إلى صوت الحق والعقل والإيمان من الأولى بالحب شاب مثل نعيم,أم مطرب أو ممثل يقودكم إلى أودية الضياع ؟ فتخسروا دينكم ودنياكم , وتهتز رجولتكم وتذوب شخصياتكم في أندية الميوعة والتحلل والإباحية ؟ ها أنا أدلكم على من هو جدير بالحب والاقتداء به فهل أنتم سامعون ؟ آمل ذلك سائلاً الله أن يهديكم ويرعاكم.