في ثقافة الأطفال
هيا نقرأ...من أجل طفل قارىءنزار نجاريتفق علماء النفس والمربون ورجال التربية والإعلام على أهمية ترسيخ القراءة عند الأطفال في سنواتهم الأولى، وهذه السنوات تعد مسؤولة إلى حد كبير عن تحديد الملامح الشخصية لكل طفل في المستقبل.
وتؤكد دائرة المعارف البريطانية على أن طفل اليوم يختلف كثيراً عن طفل الأمس، لأن مؤثرات البيئة المعاصرة التي يعيش فيها الآن تسرع في نضوجه المبكر، والطفل لا تقتصر قراءاته على كتب الأطفال وحدها، بل يمكنه أن يطالع كتب الكبار أيضاً!!.
وتهدف ثقافة الأطفال بعامة إلى بناء شخصية الطفل وتشكيل حياته، وهي تمثل أسلوب الحياة السائد في مجتمع الأطفال، وثقافة الأطفال تضع في اهتمامها دائماً رغبات الأطفال واحتياجاتهم وخصائصهم في إطار من القيم السليمة والمثل القويمة.
والتعليم في المدارس وحده لا يكفي لتنشئة الأطفال التنشئة المثلى، لذلك تسعى الدول الناهضة مع بعض الهيئات والمؤسسات الخاصة إلى توفير مناخ ثقافي يسهم في تزويد الأطفال بالمعارف والثقافة العامة بما يؤدي إلى توسيع مداركهم وفتح الآفاق لهم على عالم أرحب، ورؤية أوسع.
ويمكن القول: إن استراتيجيات خطط التنمية تركز على إعطاء الأولوية للقراءة والاطلاع وتزويد الأطفال بالمعرفة وتعريفهم كيفية الاستفادة منها.
- القراءة قبل دخول المدرسة (القراءة المبكرة):
يتعلم الطفل كثيراً من الأشياء في بيئته الأسرية، وتجيء القراءة في مقدمة اهتمامات الآباء والأمهات، لذا يرغب الأبوان في حث الطفل، منذ الصغر، على الكتابة والقراءة، ومتابعة ذلك في وقت مبكر، ليستعد - بعدئذ- طفلهما لدخول المدرسة.
ودخول المدرسة ليس هاجساً عند الأسرة التي تعنى في السنوات الأولى بأطفالها، وهو لا يشكل مصدر خوف أو مبعث نفور طالما أن الاهتمام بدأ مبكراً.
وتكوين الحالة الايجابية في المواظبة على القراءة على الأعم الأغلب- يبدأ من البيت، من داخل الأسرة، من الأم والأب والأخوة، وقد ثبت ذلك في أكثر من تجربة علمية، ثبتت هذه الحقيقة في مهارات الأبوين اللذين يتابعان تحفيز الطفل على المزيد من القراءة والمطالعة، التحفيز الذي يتسم بالخصوصية في الأداء وممارسة فنون الترغيب وبعثها في نفسه، وفي شخصيته الجديدة، والقراءة المبكرة لها أهميتها، القراءة وسيلة إلى السعادة والفرح والمتعة، وهي طريقة أيضاً لتفتح مدارك الطفل والإحساس بما يدور حوله في العالم المحيط به.
ولتوجيه الوالدين، وإرشادهما إلى الطرق العملية في حث ميول الطفل إلى القراءة أثر بالغ في هذا الإطار، فالوالدان يهيئان الأجواء التي تشيع المتعة والفرح والحب والأمان، وهما أكثر قدرة على استمالة فضول الطفل، أكثر قدرة على تحريك طموحه وتحفيزه وجذبه نحو القراءة، وليس هناك شك أن لكل طفل ذوقه الشخصي الخاص به، ولكن هناك خصائص مشتركة لدى الأطفال بالنسبة إلى القراءة والمطالعة خصائص يشترك فيها معظم الأطفال.
في البداية تترك الحرية للطفل ليقوم بالعبث في الكتب والدفاتر، والقصص الملونة وقراءتها بحسب رغبته، وفي الوقت الذي يحب، ولا بأس أن نبعث إليه برسائل بريدية تثير فيه الاهتمام وتحفزه على معرفة محتواها، وسوف يركض الطفل وهو يحمل هذه الرسائل، يركض خلف أبيه وأمه لاكتشاف ما في الرسالة وهذا ما يزيد الرغبة لديه في القراءة، ويشعره باستقلاله ووجوده وحضور شخصيته، ثم بعدئذ يطور إمكاناته في الكتابة ليستطيع الرد على تلك الرسائل!.
والطفل - حين يتلقى الرسائل- يشعر بسعادة، ويندفع بالوقت نفسه إلى قراءتها ثم تحثه بعد ذلك على الكتابة بالرد عليها، حتى لو كان يخطىء بالكتابة!.
وعندما يقضي الأبوان قليلاً من الوقت للإصغاء إلى الطفل والاستماع إليه باهتمام، وحين يرويان له ما جرى في اليوم ويحدثانه بهدوء في البيت وفي السيارة وفي الطريق ويستمعان إليه ويجيبان عن أسئلته، حين يفعلان ذلك يشقان الطريق إلى تشكيل المحرضات النفسية والميول الكامنة والنوازع القوية إلى متعة القراءة والاطلاع، بل يجعلانه مغرماً بالكتب، مقبلاً عليها يقلب صفحاتها بشغف ويلتهم أسطرها ويتناغم مع حروفها ويواظب على التواصل معها.
ربما يروي الأب شيئاً من الذكريات من تاريخ الأسرة، ربما يذكر له حادثة أو قصة عاشها صغيراً، والطفل يتوق إلى سماع قصص أبيه وحكايات أمه وأحاديث جدته أو جده، يرغب في التعرف إلى مواقف أسرته.
هنا يمكن للأبوين أن يستغلا الوقت بعدئذ بقراءة رواية أو قصة قصيرة له كل يوم قبل النوم أو عندما يكون مستيقظاً أو حين يطلب الطفل ذلك، وفي كل قصة مفردات جديدة سوف يفهمها كأنه يقرؤها بنفسه.
وحين يقرأ الأبوان للطفل كتاباً يمكن أن يشيرا إلى الكلمات والجمل بالاصبع، فذلك يفيد الطفل في تعلم الكلمات وتقدير أماكنها ومعرفة بداية الجمل وانتهائها والصفحة وأرقامها والقراءة مع الصور.
وليس هناك أجمل من أن يقرأ الأب أو الأم الكتب والمجلات والصحف بحضور الطفل، إذ سيدرك متعة القراءة وفائدة المطالعة وما ستجنيه من سعادة وسرور.
كما أن محاولة الأبوين الكتابة أمام الطفل، كتابة موعد أو عمل أو تذكير بأمر، يجعل الطفل يفهم ويدرك أثر الكلمات التي تكتب وتدون ويتعرف عندئذٍ إلى أهميتها في الحياة.
ويمكن أن يكشف الأب والأم لطفلهما الكتابات المتعلقة بالمنزل أو الشارع أو السوق، بقراءة الأسماء والعناوين أمامه بصوت عالٍ أو حين يتصفحان مجلة أو صحيفة يرددان بعض الجمل أو الكلمات في حضوره.
ومن المهم أن يخصص للطفل ركن أو زاوية في البيت للقراءة والكتابة يستطيع من خلالها الدخول في عالم القراءة والكتابة سواء كان بمفرده أو بمساعدة أبويه، ويطلب منه قراءة ما كتب أو ما سيكتبه ولو كان ذلك بطريقته الخاصة.
وفي الأسرة حين يشجع الأبوان أفرادها على القراءة اليومية سيجد الطفل نفسه متحمساً معهم.
وحين يذهب الأبوان إلى المكتبة مع طفلهما ويشارك الجميع في شراء الكتب والمجلات يبعث ذلك في نفس الطفل الرغبة في اقتناء الكتاب مع توجيه ميله إلى القراءة.
وإن لزيارة الأبوين إلى معارض الكتب ودور الثقافة أثرها الحميد عند الطفل وكذلك مرافقته إلى المكتبة الخاصة للأطفال أو الأجنحة التي تتوفر فيها كتب الأطفال ومجلاتهم وذلك يبعث فيه السعادة ويحثه على القراءة ويفتح آفاق فكره ومداركه وخياله، ولابأس أن يناقش الطفل حول الكتاب الذي يفضله أو المجلة التي يختارها أو القصص التي يحبها، وأن يحاور حول شخصيات القصص وزمان القصة ومكانها والتحدث عما فهم من تلك الحكاية أو القصة.
وبعد..
إن هذه النقاط المشار إليها كلها تمثل توجيهات مباشرة، تأخذ أسلوب التحفيز والحث والتوجيه عن طريق الترغيب لتشكل بعدئذ في مجموعها الدافع القوي عند الطفل للقراءة المبكرة والمطالعة الأولية، وتثير في نفسه روح البحث والكشف والتفكير المنطقي السليم.
http://www.albaath.news.sy/user/?id=468&a=43119