جامع درويش باشا (الدرويشية) أجمل وأرقى ما شهده الفن المعماري الإسلامي في دمشق
نيوز سنتر
أعيد فتح جامع الدرويشية التاريخي في قلب العاصمة السورية دمشق، بين طرفي «المدينة القديمة» و«المدينة الأحدث».بعد أعمال الترميم والإصلاح الواسعة فيه، بعدما استغرقت نحو السنتين. وعاد الجامع لاستقبال المصلين وإقامة صلوات التراويح في حلته الجديدة وعمارته البهية وقببه اللامعة المميزة ومئذنته الباسقة الجميلة وسبيل مائه المزدانة بفن القاشاني الرائع، حيث أعيدت مفردات بنائه كما كانت عليه في زمن بنائه الأول قبل نحو 450 سنة، أيام الوالي العثماني درويش باشا.
ويعتبر من أجمل وأرقى ما شهده الفن المعماري الإسلامي في دمشق جامع درويش باشا. هذا المسجد بناه الوالي درويش باشا وهو من الأوابد الأثرية الذي تم بناؤه في الفترة العثمانية.
يقع جامع الدرويشية مقابل قلعة دمشق الأثرية وحي سيد عامود "الحريقة" خارج أسوار المدينة القديمة ومجاوراَ لبازار الدرويشية (أي سوق الدرويشية)، والذي يعتبر من أهم أسواق الشام لاتصاله بسوق الحميدية، وسوق السنانية، وسوق الحريقة، و سوق باب الجابية، وسوق فخري البارودي.
ويتكون الجامع من مجموعة أبنية مؤلفة من المسجد والتربة والمدرسة والمكتبة والسبيل وسوق بازار؛ وقد بدأ في إنشائها والي الشام العثماني درويش باشا رستم في نفس العام الذي تم تعيينه والياً على الشام سنة 979 هجريةـ 1571 للميلاد و انتهى من بنائها في سنة 982 هجريةـ 1574 للميلاد. زمن السلطان العثماني مراد خان الثالث ابن السلطان سليم الثاني كما هو محفور على اللوحة الرخامية عند باب الجامع.
و يوجد فوق اسفكة الباب كتابة تاريخية منقوشة و محفورة، وهي عبارة عن أبيات شعر ما نصها:
في دولة السلطان بالعدل مراد *** من قام بالغرض وأحيا السنة
درويـش باشـا قد أقام معبدا *** وكـم لـه أجـر بـه ومنه
بنـاه خيـر جامـع تاريخـه *** فـاســجد واقترب بجنـه
لم يتبع مهندس المسجد عند بنائه لهيكل قواعد بناء القبة و حرم بيت الصلاة للطابع العثماني الكلي فيه، ربما لقربه من المدرسة السيبائية الضخمة المبنية على الطراز المملوكي، لكن المنارة الخاصة بالمسجد جاءت عثمانية بحته، فالمهندس جعل محيطها من الحَجَر الأبيض الجميل، وجعل بوابتها كبيرة نوعاً ما.
ويتميز هذا المجمع ببنائه الأبلق الجميل (الحجر الأسود والأبيض المتعاقب البناء) ليضيف لشكل الجامع منظراً أنيقا جداً نسبة لتلك الحقبة التي اتسمت بطابع فن العمارة العثمانية التي أخذت صبغة خاصة بها هندسياً، من النواحي الزخرفية التزيينية والجمالية لبناء القباب.. حيث تعلو الجامع قبة ضخمة الحجم فوق حرم بيت الصلاة ويحيط بها عدة قباب صغيرة الحجم على نحو العمائر العثمانية، إلى حد أن أطلق عوام أهل الشام عليه اسم جامع القباب فأضحى من أعظم جوامع دمشق وأبهاها منظراً.
وقد أحصى الشيخ الفاضل عبد القادر بدران أوقافه فقال فيه أن الوالي درويش باشا رستم وقف عليه أوقافا داره، وجعل به مدرسين حنيفا وشافعيا .. فدرس به من الشافعية الشيخ إسماعيل النابلسي ثم الحسن البوريني ثم الشيخ عبد الغني ابن الشيخ إسماعيل النابلسي، ثم ولده الشيخ إسماعيل وذلك بموجب شرط الواقف.
ويبدو باب الجامع الخشبي الصنع ضمن قوس على شكل محراب حجري أبلق التركيب مع استخدام المدك في تركيبة القوس ويعلوه لوحة مزخرفة بخط الطغراء العثمانية تشير إلى تاريخ بناء الجامع حيث ترتفع فوقه المئذنة.
والمئذنة ذات جذع طويل مثمن مضاعف الأضلاع بعدد 20 ضلعاً ؛ يبدأ بقاعدة هرمية للجذع وتقطعه الأشرطة التزيينية، وفي القسم الأعلى للجذع توجد شرفة حجرية مضلعة البناء يتدلى منها مقرنصات منحوتة وزخارف على هيئة شبه معين كما يحيط بها درابزين حجري مزخرف جميل وترتفع فوقها مظلة خشبية على شاكلة الشرفة يعلوها جوسق مسدس الأضلاع ؛ في أعلاه نوافذ مزدوجة صماء لينهي بقلنسوة مخروطية الرأس على شكل هرم تم تصفيح أضلاعها الكثيرة بألواح التوتياء المسطحة لتأخذ شكل «السروة المؤنفة» كبقية المآذن العثمانية لتنتهي بتفاحة كبيرة وهلال المتجه إلى الباري عز وجل.
سقطت مظلة المئذنة في القرن الماضي و قد أعيد بنائها مرة أخرى في عام 1365 للهجرة الموافق 1946 للميلاد عندما تم تجديد الجامع ككل و المئذنة معاً وهذه الصورة في ثلاثينات القرن العشرين و تبدو المئذنة بدون مظلة.
صحن الجامع مستطيل الشكل، تتوسطه بركة مياه ( بحرة ) حجرية مضلعة ومطوقة بعقد رخامي ومحمولة على أرضية الصحن، والرواق يقع في جنوب الصحن تتقدمه خمسة عقود محمولة على أعمدة مستديرة ذات تيجان وقواعد مختلفة. ويعلو الرواق خمس قباب صغيرة، أما الجدران فهي أبلقية التركيب كما هي الأعمدة المتراكبة بصحن الجامع يعلوها أقواس على نسق الجدران وتنتهي بعتبة حرم بيت الصلاة الغني بألواح الخزف الدمشقي و بروائع القاشاني الشامي والذي يغطي أكثر جدران حرم بيت الصلاة الداخلي.
حرم بيت الصلاة عبارة عن قاعة كبيرة مستطيلة الشكل، تغطيها سبع قباب متواترة ومستديرة تقوم القبة الكبرى في وسط حرم الجامع.
كذلك يتوسط المحراب الجدار الجنوبي من الحرم، ويعد آية في الإبداع والفن، وعلى جانبي المحراب إطارات هندسية عريضة من الرخام الأبيض المموج بالسواد . ويعد المحراب من أكثر مساجد الشام نقشاَ برخام المدكك ذو رسوم هندسية دقيقة جداَ . مع خلفيات رخامية بيضاء، وتم تزيين المحراب بالخط الثلث وما زال هذا المحراب يوحد الله عز وجل منذ تاريخ إنشائه وحتى اليوم.
أما منبر جامع الدرويشية فهو مصنوع من المرمر، وأهم ما فيه قبة الخطيب المبنية على أربع دعائم رشيقة يعلو كلاً منها قوس مدبب تكتنفه زوايا مزخرفة. ويلاحظ أن الزخارف الرائعة تزين الجامع من بابه إلى محرابه.
والإضافات على المسجد تبدو كأنها منفصلة عنه، فالمسجد يضم من الناحية القبلية التربة الدرويشية التي دفن بها الوالي، ففيها مدفن كبير أنشأها الوالي نفسه بجانب الجامع ليضم قبره وقد توفى باسطنبول سنة* 987 للهجرة الموافق 1579 للميلاد، وقد طلبت زوجته حسب وصيته بنقل رفاته إلى دمشق من شدة عشقه للشام ليدفن فيها، وبجوار ضريحه يوجد ضريح آخر يمكن أن يكون لزوجته.
كما يحتوي المسجد من الناحية نفسها غرفاً للتدريس وللمدرسة التي تعلوها قبة، وأول من درّس في هذه المدرسة الشيخ إسماعيل النابلسي ثم خلفه الحسن البوريني. وهذا الأخير لم يذكر درويش باشا أو يضع له ترجمة في مؤلفاته العديدة، ويستطيع الزائر المرور عبر قنطرة تحتوي في أعلاها قاعات التدريس وسكن الطلاب ولها رواق أرضي يصل إلى الأزقة الخلفية المجاورة للمسجد والمؤدية إلى منطقة القنوات.
أما السبيل: فهو موجود بالواجهة الشمالية من الجامع الواقع في الحي المنسوب إليه (الدرويشية) والجدير بالذكر أن معظم المنشآت الدينية والنفعية مثل المساجد والمدارس والخوانق والتكايا والزوايا والرباطات والبيمارستانات والخانات كانت تقام على ضفاف الأنهر ومصبات المياه في مدينة دمشق الشام للاستفادة قدر الإمكان من هذا العنصر الحيوي الهام للحياة.
وهذا السبيل من السُبل العثمانية المسجلة مع الجامع في عداد الأبنية الأثرية في دمشق، هو سبيل جميل جداً تزين واجهته ألواح القيشاني،
وقال ابن العماد في شذرات الذهب ما حاصله: وفي سنة سبع وثمانين وتسعمائة توفي درويش باشا ابن رستم باشا الرومي تولى أيالة دمشق وعمر بها الجامع خارج باب الجابية لصيق المغيربية وعمر القيسارية والسوق والقهوة، وعمر خان الحرمين و الحمام داخل المدينة بالقرب من الأموي ويعرف الآن بحمام القيشاني علماً بأن البناءين يعودان إلى عهد السلاجقة، وكان الخان معروفاً باسم خان القوسين، ووقف ذلك فيما وقفه على جامعه وشرط تدريسه للشيخ إسماعيل النابلسي وكان خصيصا به وعمر الجسر على نهر بردى عند عين القصارين بالمرجة ومات ببلاد قرمان ونقل تابوته إلى دمشق فدفن بها انتهى.
وأقول: وهذا الجامع من أعظم جوامع دمشق و أبهاها منظراً وأغناها نقوشاً وزخارف وقاشانيا، أما محرابه و منبره فهما آيتان من آيات الفن.
وهو على النمط العثماني في طراز صحنه و قبته و منارته الجميلة، وفي يسار المحراب لوحة قديمة يرجع عهدها إلى سنة 488 للهجرة ولا شك في أنها منقولة من موضع آخر.
ونلخص القول بأنه مجمع متكامل على غرار طراز العمائر العثمانية الصرفة في القرن السادس العشر الميلادي.
و قد هيأ الله تعالى لهذا الجامع كادر فني متكامل حاول قدر الإمكان إعادة الجامع إلى ما كان عليه من الجمال و التقانة وإدخال التحسينات التي يتطلبها العمل من تكييف وتدفئة وإنارة وفرش بإشراف الأستاذ محمد نبيل الدروبي, ومن فضل الله تعالى وإحسانه أن هيأ وألهم أبناء المحسن الكريم "إبراهيم ديب السيروان "رحمه الله تعالى, بالتبرع والصرف على ترميم هذا الجامع عن روح والديهم رحمهم الله تعالى وجعل ذلك في صحائف حسناتهم وأثاب كل من عمل وأشرف وساهم في دعم وترميم هذا الجامع وجعله خالصا لوجه الله تعالى إنه سميع الدعاء.
المصدر
http://scn-sy.com/ar/news/view/1287.html