طروادة مدينة يونانية ذكرتها الملاحم وألأساطير وردت في الأشعار والسّير ... مدينة كانت عصيّة على الغزاة .. حربٌ ضروس خاضتها ولم يتمكن الغزاة من النيل منها فلجأوا الى الحيلة صنعوا ذاك الحصان الضخم واهدوه لأهلها إكراما لصمودهم ...لكن كان ذاك الحصان فخّا اسقط المدينة الصامدة وأنهارت في لحظات ...
لا احد يعرف بالضبط كيف نشأ هذا الكيان الهلامي المدعو " داعش" فجأة خرج من القمقم كالمارد وانتشر من سوريا الى العراق وصار بقدرة قادر دولة " الدولة الاسلامية" وصار يمتلك العدة والعتاد والإستراتيجيا ...
لكن إنّ المتامّل فيما قالته " هيلاري كلنتون" في مذكّراتها يدرك تماما من هو "داعش " ومن هي " النصرة " وما هي اهدافهما ؟
ذكرت كلنتون أن داعش هي صنيعة امريكية وبالتالي فهي امتداد طبيعي لتنظيم القاعدة وللحركات الارهابية الاسلاموية التي انشأتها امريكا وبها غزت افغانستان والعراق متخذة ذريعة محاربة الارهاب وحماية الامريكان ومصالحهم تعلّة لذلك .. هذا ما هو الظاهر ..لكن في الحقيقة ان الاستراتيجية الامريكية المتّبعة في العالم عموما وفي منطقة الشرق الاوسط خصوصا بنيت على النقاط التالية
1)الحفاظ على امن الكيان الصهيوني وجعله الاقوى في المنطقة وذلك بخلق فتن وحروب في دول الجوار للحد من نموها وتقزيم قوّتها
2) الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية بالحفاظ على موارد الطاقة وذلك بالحفاظ على سلطة الامراء والملوك الموالين لها والقضاء على كل من يمثل تهديدا لهذه المصالح الاستراتيجية ) العراق مثلا(
هذه الاستراتيجية جعلت من دول المنطقة تدور ضرورة في فلك امريكا وتمسي ادوات منفذة لمطامحها المتعددة .. فامريكا تسعى أن تكون المهيمن الوحيد في العالم وسيده وتمسي الامبراطورية المهيمنة على كل الكون وموارده وهي في ذلك تتبع سياسة الترغيب والترهيب ...
وما داعش الا حلقة من حلقات الاستراتيجية الامريكية التي تعتمد على صدام الحضارات والفوضى الخلاّقة لتحقيق مآربها ..
.داعش المرحلة الثانية لما بعد الفشل في سوريا
راهنت امريكا على شيئين أثنين لتحقيق حلم الشرق الاوسط الكبير بعد أن فشلت في ذلك منذ 2005 و2006 ثم 2008 اذ لاحت لها الفرصة في
1 الحراك في الشارع العربي او ما يسمى بالربيع العربي وتوظيفه
2 وضع الاخوان في سدة الحكم في دول ما يسمى بالربيع العربي وتنفيذ مآربها دون عناء ..أي السلطة للإخوان مقابل انهاء القضية الفلسطينية وحركة المقاومة
قد يبدو للوهلة الاولى أن الامر نجح في تونس وليبيا واليمن ومصر لكن فشل تماما في سوريا وسقطت ورقة او حجر الدومينو وسعت امريكا عبر كل المنظمات وبالقوانين وعبر الوكلاء لضرب سوريا والتدخل المباشر فيها لكنها فشلت فناورت بالكيمياوي وجنيف1 و2 فاصطدمت بصمود محور روسيا الصين ايران
.. حينها لجأت الى دعم الحركات الارهابية بالمال والسلاح والخبرة على امل أنهاء الصمود السوري وبالتالي تأمين
1 الكيان الصهيوني
2 تفتيت المنطقة على أسس طائفية ومذهبية
3حصر روسيا في الزاوية وغلق منفذها على المتوسط وجعلها دولة قارّية
4 خنق الاقتصاد الروسي بتزويد اوروبا بالغاز الخليجي والمكتشف السوري
فشل هذا الرهان فلجأت الى خلق أزمة في الحدود الروسية للضغط عليها من أجل ترك دعمها لسوريا ...
كل هذا تداعى فظهرت تلك الداعش فجأة في شمال العراق وزحفت نحو الموصل وصارت دولة من الرّقة الى الموصل .. لم يهتم الامريكان بالامر بداية وناوروا بمجرد كلمات ثم سعوا لتغيير المالكي الداعم لإيران وسوريا ونجحوا في ذلك بالتآمر مع عربان الخليج السعودية أساسا ثم قرروا ضرب هذا الداعش جوّا في العراق دون ضربه في سوريا ودون مشاركة ايران وروسيا وسوريا المعنية اصلا بهذا الارهاب ..
التحالف القائم الآن هو في الاصل تحالف ما يسمّى " اصدقاء سورياسابقا" ... الهدف المعلن منه محاربة داعش والارهاب ونسي هؤلاء أن النصرة أيضا أرهاب لكن النصرة ألآن لا تهدد المصالح الامريكية في كردستان الثمرة الاولى للتقسيم ...
الفرصة ألآن ملائمة لأمريكا لضرب سوريا ولضرب ّاهداف داخل العمق السوري بحجة محارية الارهاب كما أنها ستسعى لخلق منطقة حظر في الرّقة ودير الزور تسيطر عليها جوّيا واحتمال ان تسيطر عليها فصائل ارهابية موالية لمريكا ومعادية للدولة السورية وبذلك يكون الكيان الثاني بعد كردستان قد نشأ مع العلم أن "جون كيري " طالب بتسليح العشائر في العراق في المناطق التي نسيطر عليها داعش ... فوضى السلاح كما في ليبيا للتقسيم والتناحر والتفتيت ...
مبدئيا نجحت امريكا في مأربها وغيّرت تكتيكها نجاح مرحلي في انتظار ردة فعل الدب الروسي الذي رفض تجاهله وأستنفر قواته ...
الروس يدركون تماما ما ترمي إليه امريكا ويدركون ان ضياع سوريا يعني خسارة عمق إستراتيجي لا يمكن تعويضه ويدركون أن داعش هذه ماهي إلاّ حصان طروادة ..لمزيد الهيمنة الامريكية على المنطقة
ستتجلى الامور أكثر وينقشع غبار المعركة قريبا وتتضح رؤية الامريكان وتنكشف اهدافهم ومراميهم من وراء داعش هذه رغم إني اجزم أنها واضحة وأن وراء الاكمة ما وراءها وأن المشروع جارٍ تنفيذه ... التقسيم التفتيت التغيير الجيوسياسي مزيدا من خلق التفوق للكيان الصهيوني ولكن للسوريين وحزب الله وحلفائهما رأي آخر ....العالم مقبل على مرحلة حرب قاسية وضروس ......
--