من ذكريات الماضي
كل من عاش زمناً عاش إحساسه وذكراه، سواء طالت المدة أو قصرت ولكن كلما كان الزمن الذي عاشه أحدنا يختلف عن حاضره صار أكثر تمكناً في ذاكرته لتميزه بصفات مختلفة لوجود الفوارق الكبيرة بين أمسه ويومه، ماضيه وحاضره، كذلك المدة التي عاشها أحدنا في ذلك الزمن، فبطولها تتعمق الذكريات وتكتسب نكهة خاصة إن صحت العبارة حول النكهة والذاكر للذكرى .قد نمتلك الإحساس بالأمس، ونستشعر الكثير من صوره التي مررنا بها وعشناها، وقد نملك الكثير من الذكريات ولكن القليل منا هو الذي يمكنه التعبير المتوافق مع ذلك الماضي .
الماضي البسيط ببساطة مكوناته التي تصل إلى حد التلاشي، فالدار التي سكناها لا شيء فيها سوى قليل من الزاد وبعض الفرش المطوية التي تنتظر عودة أصحاب الدار من أعمالهم لترتمي أجسادهم المتعبة فوقها.
ورغم قسوة الحياة فيما مضى إلا أنها كانت أنس الجميع ولم يذكر أحد غير ذلك، فصار الحنين إليها هاجس من تذكرها.
إنها حياة بسيطة ولذيذة وإن كانت متعبة بدنياً، أو ربما كنا أطفالاً يحمل همنا أولئك الكبار ويخفونها عنا في صناديق صدورهم من أجل أن نسعد ولا تتكدر أيامنا، لكن المؤكد أنهم أيضا سعداء معنا رغم التعب، هكذا كنا نقرأ في صفحات وجوههم وعلى قسماتهم المشرقة، ونلمس من حديثهم وتلطفهم تلك السعادة.
لنبحر مع شاعر استطاع أن يزور الأمس مستجلبا لنا صورة تشدنا إليه مع إحساسه الجميل:
الشاعر: عبدالله المجيدل
بيوت الطين لا شفته تذكرني زمانٍ دار
زمانٍ رغم ما به من قساوة ماحدٍ سبه
وهذا بيتنا وأطلاله اللي عودت تذكار
وذاك الروشن وهذا مكان الزير والقبه
وصفة جدتي ما باقي الا بابها واجدار
وصوت الباب يصفر كلما هب الهوى هبّه
وهذا ما بقى من صفة امي والغمى منهار
غماها من جذوع الاثل واحلى من غمى الصبّه
وهذا كان مطبخنا وهذا هو مشب النار
قبل لا نعرف الغاز وقبل لا تطلع الدبّه
وهذا هو مجبّبنا وهذاك الكمر ووجار
وذيك الدكه القصيا وهذا الحوش نلعب بّه
سقى الله ذيك الأيام الخوالي ليتها تندار
سقى الله لا تجمعنا وصارت عندنا الشبّه
سقى الله يوم تبرق ثم ترعد والسما مطار
وصوت المثعب يسورب وكنك جالس بجنبّه
وجتنا الجدة تسبحن علينا يوم هنا اصغار
على شمعة سراج القاز قبل لا نعرف اللمبّة
زمن به للطفولة في خيالي ذكريات اكثار
يا ليته ترجع الايام لوقتٍ راح واحبّه
ولكن ما مضى هيهات يرجع والزمن دوار
يروح الوقت مع ناسه ويبقى ربي وربّه
صدقت والله
أحبتي من له ذكريات الماضي نصيب ليطلعنا عليها هنا
سلمتم ودمتم من كل شر
__________________
ذيبان