منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1

    محمد الماغوط /..الوجه الكئيب الذي نسيناه أو كدنا !!

    محمد الماغوط
    ..الوجه الكئيب الذي نسيناه أو كدنا !!
    يبدو الشاعر الراحل محمد الماغوط من خلال أعماله المسرحية والدرامية، رجلاً فكهاً مفعماً بالفرح، لديه جعبة من المسرات، ومصنعاً وفير الإنتاج للضحكات وأسباب الغبطة، وقد يظن البعض الذي لايعرفه عن قرب أنه مجبول بطول البال والأناة والقدرة الدائمة على إضافة الهدوء والشاعرية على الوقت والأمكنة، وأنه يدخل البهجة دائماً إلى نفوس الآخرين، يسربها من بين أوجاعهم وهمومهم إلى السبل المودية إلى قلوبهم، هذا ما يلمسه من لايعرفه عن قرب، لكن في الحقيقة الشاعر الماغوط شخص حزين مثقل بالأوجاع والهموم، هاو للنكد، صائد للابتسامات، يهادنه حزنه أحياناً ويصقل ابتهاجه بشفيف شاعريته التي تتبدى عادة في كلماته كضوء شاحب ينزف في روحه تراثاً من الوجع والاستكانات المؤلمة.
    كان الماغوط يعرّف عن نفسه بعبارات “اسمي محمد الماغوط أو “العصفور الأحدب” ووطني غرفة بملايين الجدران، الفرح ليس مهنتي، ووجهي هو الكآبة، فقد كان متمرداً على كل ماهو أعوج، ساخراً حتى من السخرية، متوحداً مع نفسه، يحب الحرية بكل صدق، تسيد المسرح العربي الحديث، وهو رائد أكبر تجربة سخرية سوداء عرفها العالم العربي في العصر الحديث، كان شخصاً متشائماً ولم يكن يرى سبباً واحداً يدعو للتفاؤل، وأن صدق الإنسان مع نفسه لايفرض عليه أن يكون متفائلاً، لأنه بحسب معطيات الواقع كما كان يرى أن التفاؤل مرتبط بالكذب، وهو ضد الكذب.

    كان يميل لقصيدة النثر أكثر من القصيدة الموزونة، وحول ذلك يقول: “أستطيع أن أكتب قصيدة موزونة خلال يومين وتكون أجمل من قصائد البحتري لكنني لاأحب أن أوقع عليها اسمي، أما بالنسبة لقصيدة النثر فهي بقدر ما تعبر وبصدق عن تاريخ هذه الأمة تستمر وترسخ أسلوباً ونهجاً لذلك أميل إليها، ولو أنني لم أتعمد كتابة قصيدة النثر فقد عشت تجربة قاسية في السجون خرجت منها بمذكراتي التي كتبتها على ورق المحارم هرَّبت قسماً منها، وأحرقت البقية بعد إخلاء سبيلي، ولما رآها أنسي الحاج قال لي بأنها شعر نثري”.
    واليوم في الذكرى الخامسة لرحيل الشاعر الماغوط توقفنا مع بعض أصدقائه والمقربين منه الذين استمروا معه حتى وفاته ليعرفونا على الجانب الإنساني والحياتي في شخصيته ، ووقفتنا الأولى كانت مع الشاعر أحمد خنسة الذي بدأ حديثه عن علاقته بالشاعر الماغوط بقوله: تعرفت إلى الشاعر الماغوط في دمشق أثناء دراستي الجامعية وكان حينها رئيساً لتحرير مجلة الشرطة، وقد قمت بزيارته أكثر من مرة، وأنا كنت من المحبين لشعره بشكل يتجاوز ابن البلد، وأعتبره الرائد الأول لقصيدة النثر تحديداً فقد أعطاها هوية في المضمون والشكل، وقد أطلعته على بعض الأشعار التي كتبتها فنشرها لي في الصفحة الثقافية، وكان يحضر أمسياتنا الطلابية التي كنا نقيمها هو والشاعران محمد عمران وعلي الجندي، وكنا نسمى بالشعراء الشباب، وكانوا يشجعوننا كثيراً.
    بعد ذلك تطورت معرفتي به من خلال لقاءات متباعدة بدمشق، وفيما بعد أثناء مرضه في سلمية، وقد كرّمته بأن أخرجتُ مسرحية للكاتب علي الأمين مأخوذةً من مقالاته الساخرة “سهرة في ضوء القمر” وتدخلت قليلاً في مضمونها، وكان مسروراً من العمل وطلب مني أن أقوم بعرضه في باقي المحافظات، لكن لم تتيسر الأمور لتحقيق طلبه هذا.
    في السنوات الأخيرة من حياته كان يتصل بي بشكل يومي ويطلب أن أحضر له الأشياء التي يحبها “كالأكلات السلمونية” القديمة مثل “فطاير الفقير والكشك والشنكليش” وغيرها من المأكولات التي اشتهرت بها مدينة السلمية، كذلك كان لديه حنين للغناء الشرقي فكان يطلب أشرطة تسجيل كنت أرسلها له وكان يستمتع بسماعها لأنها كانت تعيده للطفولة والماضي، وقد طلبت منه أن يأتي إلى سلمية والبقاء فيها لنكون أكثر قرباً منه نبدد وحدته ونعوضه بعضاً من غربته التي أقضت روحه بعد وفاة زوجته وزواج ابنتيه اللتين سافرتا وتركتاه لوحده لكنه رفض، وفي الفترة الأخيرة أصبح كالطفل، وكان قد أدرك أن مشواره في الحياة أصبح قصيراً فأصيب بحالة شديدة من الخوف وانعزل عن الناس، متلفعاً بحنينه لزوجته سنية الشاعرة والأم التي كانت تفهمه تماماً والدليل آخذه من نص القصيدة التي كتبها بعد وفاتها بعنوان “حملتني على كتفيك” والتي تؤكد وفاءه وحبه لها، هو الذي أثقل عليها كثيراً في حياتها.
    أما الأديب حسين عبد الكريم الذي تعود صداقته مع محمد الماغوط إلى العام 1984، وقد جمعته مع الماغوط كما يقول حالات ثلاث هي: السخرية النبيلة وشعرية العلاقة مع الطبيعة والإنسان، والتمرد الذي هو حالة من الأصالة التي يمثل التمرد أهم علاماتها، و الذي يأتي من قناعتنا الجوهرية بوجودنا الإنساني والتي نحميها بتمردنا.
    ويخبرنا عبد الكريم عن أحاديث الإبداع التي كانت تدور بينهما أثناء لقاءاتهما بالقول: كانت مرحلة بيروت وعلاقته بمجلة شعر من أكثر المراحل التي تلح على ذاكرة الشاعر الماغوط ، فقد كان يعتبر بيروت أمه الثانية، ودمشق أمه الأولى، أما سلمية فكان يعتبرها أماً من تراب، وفعلاً هي كذلك لأنها أنجبته وأعادته إلى صدرها بعد رحيله، لذلك كانت أماً من تراب، ودمشق كانت ملاذه الذي استطاع فيها أن يحاور وجدانها، ووجدان الطبيعة، الربوة، الناس الفقراء والبسطاء، كان يشبه فيروز بقلة الكلام الذي يحكيه وغنى المعنى، وهنا أشير إلى أن الماغوط استفاد كثيراً من مسرح الرحابنة في تلك الفترة، واستثمر ماقدموه من أعمال فمثلاً سيارة ميس الريم المتوقفة تشبه “تراكتور” غربة إذ بنى عليها سخرية مؤلمة وممتعة بآن معاً.
    ويعود عبد الكريم بنا إلى المرحلة الأخيرة من حياة الماغوط وكيف كان يعيشها فيقول: في السنوات العشر الأخيرة تصدع جسد الماغوط، هذا التصدع الذي حوَّل اهتماماته الروحية إلى مادية بحالة أشبه بالطفولية تجاه الطعام والشراب، هذه الحالة أيقظت فيه ذائقة الطفولة الأولى، ذائقة القرية وأصدقاءه الذين عاش معهم فيها، فكان يتصل بالكثير من النساء والرجال ويطلب منهم بعض الأكلات الفلكلورية التي نعرفها جميعاً، هكذا تحول اهتمام الماغوط الروحي والمشاغبات مع الأحلام والكوابيس، باتجاه المشاغبات مع الطعام والشراب، حتى أن النكتة لديه أصبح طابعها طعامياً.
    ويضيف عبد الكريم: تمتد رفقتي للشاعر الماغوط منذ العام 1984 وحتى وفاته، وكانت تربطني به علاقة يومية كان الشرب بالنسبة له متعة حتى بالمرحلة الأخيرة، فكان يجلس للشراب ساعة وللكتابة ربع ساعة، حتى أصبح قلقه الوجداني أضعف من قلقه الغذائي ، ولهذا تراجعت أهمية كتاباته الأخيرة، كما تنازل عن مجد السخرية الأدبية التي ورثها عن أهالي سلمية الذين يملكون بالفطرة حس السخرية اللاذع، وأصبح يعوض عنها بقضايا أخرى، حتى أنه ترك المشي إلى مقهى أبو شفيق، وحتى إلى مقهى فندق الشام، وهذا كله بسبب خيبة روحية كبيرة مع الكتابة، لم يعد يكتب، فهو مثلاً كان يستوحي كل كتاباته من فارس الذي كان يقدم له طلباته في مقهى أبو شفيق، وفارس هذا كان يشبه إلى حد كبير سنديانة فيها القليل من الريح لكنها يابسة، كان يشبه إبريقاً اسودّ لونه من كثرة اللهب، كان فارس يحب الماغوط الذي كان يستوحي منه إحساسه الجميل وأوجاعه التي قدمها بغربة وضيعة تشرين وكاسك ياوطن، ومن ينتبه قليلاً يرى أن مسرح الماغوط هو مقهى، هذا المقهى مستوحى من مقهى أبو شفيق الذي كان بسيطاً وجميلاً، كان أبو شفيق يوحي للماغوط بإنسانيته وطفولته، بالموسيقا التي يقدمها، حتى أننا كنا عندما كنا نمشي كان يحمل مسجلة صغيرة يستمع عبرها إلى فيروز صباحاً، ولفريد الأطرش وفؤاد غازي، كان يحب كل شيء بسيط وبعيد عن التعقيدات.
    وقد رافق الماغوط في سنواته الأخيرة ابن اخته الطبيب محمد بدور الذي كان معجباً بكتاباته فأقام معه يشرف على أدويته ويؤمن له احتياجاته الحياتية، ويحدثنا الدكتور محمد عن علاقته بخاله، تلك العلاقة التي استمرت بشكل متواصل منذ عام 1998 حتى وفاته عام 2006، وعن التغيير الذي طرأ على حياته يقول د. محمد: على الصعيد الإبداعي لم يتوقف عن الكتابة التي ظلت تشكل هاجسه الأول، فكثيراً ما كان يستيقظ في الليل ليكتب فكرة تراوده ثم يتناول رشفة قهوة أو “ويسكي” ثم يعود إلى النوم، فقد كان موضوع الإبداع يؤرقه أكثر من موضوعه الشخصي، وقد علق آمالاً كبيرة على مسرحية “خارج السرب” لكن الخيبة كانت حصيلته، بعدها نشر عدة موضوعات في مجلة الوسط، ومن ثم اعتزل من عام 2000 إلى عام 2001 لكن الكتابة بقيت ملاذه.
    ويضيف د. محمد : كنت أتحدث معه بموضوعات حياتية وفكرية كثيرة كالأكل والطرب والسينما، كنا نتناقش بالأدب والحياة وكل شيء، فأنا رهنت لأجله حاضري ومستقبلي لأنه شخص لا يعوض، وأهم إنسانة بحياته كانت الراحلة سنية صالح، وبقدر ما كان نزقاً كان سلساً وطيباً حتى أنه يمكن أن يفتح قلبه ويتحدث بأوجاعه لأي إنسان يشعر أنه قريب منه، وقد بدأت عزلته بالتدريج عندما خسر مادياً، فأصبح يبتعد عن الناس حتى دخل بحالة من الزهد، و الشرود وسيطرت عليه حالة من الحزن وكأنه يحمل حزن العالم كله، وكان يعتبر محبة الناس مسؤولية كبيرة ممنوع الغلط فيها.


    سلوى عباس
    http://www.albaath.news.sy/user/?id=1102&a=97820

  2. #2

    رد: محمد الماغوط /..الوجه الكئيب الذي نسيناه أو كدنا !!

    موضوع رائع عن هذا الشاعر
    الذي يعتبر مدرسة جديدة في الشعر في عصرنا الحديث
    تحية

  3. #3

    رد: محمد الماغوط /..الوجه الكئيب الذي نسيناه أو كدنا !!


    رحمه الله واسكنه الجنان
    كان سابق عهده
    تحسين

المواضيع المتشابهه

  1. منتخبات من مؤلفات محمد الماغوط
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-15-2015, 02:40 AM
  2. المصباح والفراشة/محمد الماغوط
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى منقولات قصصية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-15-2015, 01:48 AM
  3. الأعمال الشعرية لـ محمد الماغوط
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-31-2013, 07:47 PM
  4. «محمد الماغوط العاشق المتمرد»
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11-12-2006, 09:49 AM
  5. سنونو الضجر...محمد الماغوط
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى من روائع الشعر
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-08-2006, 03:31 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •