السلام عليكم

--------------------------------------------------------------------------------

التعليم بين العرب والآيسويين
عبدالله الباكري

الطلبة والتلاميذ في بلداننا العربية يتلقفون العلم في معاهدنا ومدارسنا ويجترونه اجترارا لأن مناهج التعليم لدينا بنيت على التلقين والحفظ دون أي نوع من التحفيز أو الإثارة أو خلق أي شكل من المداعبة للخلايا العقلية بالتساؤل وإثارة فضول البحث والتقصي ودون إخضاع المعلومات المتلقاة للفحص والتجربة ، وهذا التعليم المتكرر نمطا في جميع المراحل الدراسية المتنوعة لم نجن من فائدة كبرى ولم نلمس منه أية نقلة نوعية كما حصل مع بلدان لم تبعد عنا في نقلاتها النوعية كالهند وباكستان ، لأن التعليم بهذه الطرق التقليدية وأساليبه العقيمة يوسع دائرة الوثوق الأعمى ويعمق دائرة التوهم ويغلق أبواب المعرفة ويمنع سبل البحث ولذا يبقى الدوران كاتجاه والثبات كسرعة من أبرز سمات البيئة التي نعيشها 0

يجب أن يركز التعليم كخطوة أساسية في البناء المنهجي على تدريب المعلمين ورجالات التربية وحتى الآباء وأولياء الأمور على غرس مبادئ الشغف العلمية في أنفس المتلقين وترسيخ مبادئ الفحص وتحليل المواقف والأحكام وإعطاء الرؤية الشخصية في الحوار ومنح الفرصة للآخر في التعبير وتفهم النظرات المخالفة دون انتظار الأوامر والتعليمات المسبقة الحكم من لدن السائد المتكرر والمألوف في البيئة ، لأن المشهد المألوف في نظم التفكير تبقي المجتمع دون حراك لأنها لا تقبل النقد وتتوهم الأفضلية وتنتقص من الآخر ، فالشعب الصيني والهندي والماليزي وحتى الياباني كانت نقلاتها النوعية بعد الحرب العالمية الأخيرة ، وكانت علل هذه النقلات تدور حول محور التحرر من فكرها الموروث والذي أقعدها عن الفكر والتقصي وجعلها أسيرة ثقافتها قرونا عدة ، فالنقد هو روح الحضارة ودافعها الرئيسي نحو الإزدهار 0

أرباب الفكر النقدي هم من يرشدون شعوبهم وأممهم إلى أضرار المسلمات الخاطئة في بيئاتهم ويلحون على ضرورة إخضاعها للفحص والفك والأخذ بإيجابياتها وطرح الفكر السلبي الموروث فالقراءة المتأنية في التاريخ الإنساني تقودنا إلى ذكر أن جميع الحركات الإصلاحية التي قامت في العالم ككل كانت ثورة على فكر سائد في بيئة معينة ، وربما يتساءل القارئ الكريم عن سر هذه القوة البيئية التي تحكم كل هذه الفئات البشرية دون وعي منهم أو إدراك ، والسبب أن الأغلبية والسواد الأعظم من أهالي البيئة يتوهمون ببيئتهم والتي تتحكم في نظرتهم للأمور ومنهج فكرهم السائد بأفضليتهم وتملكهم للحقيقة دون سواهم وتنتقص من حق باقي البشر، ولذا يظلوا مأسورين ببيئتهم التي تغلق عليهم منابع الفكر والنقد دون إدراك منهم بهذه القبضة الخانقة التي تحرمهم من الخير والتقدم 0

جذل الناس بتصوراتهم وعقليتهم التي يرون من خلالها عالمهم تتفاوت من شعوب إلى أخرى ، فكل بيئة تجبر منتميها على الدوران حولها كثقافة تحكمهم قسريا دون وعي منهم لأنهم يرفضون ( إملاء منها ) أية دعوة أو محاولة للإصلاح أو التغيير ويخشون كل طارئ أو متغير عليها خصوصا إن كان يمس الذات ، ولا غرو فالطبيعة الإنسانية لديها القابلية لنقد الآخر وفي نفس الوقت لديها الحساسية المفرطة تجاه الذات حتى ولو كانت في أبشع صورها ، ومظاهر هذه الصور ودلائلها منتشرة بين كل الفئات البشرية وفي كل المجتمعات ولذا دائما ما نجد أن العباقرة والعظماء والقادة هم من استطاعوا الإفلات من هذه السيطرة البيئية وتمكنوا من التحليل والنقد الصائب 0
عبدالله أحمد الباكري
منابر ثقافية