عبقرية الاقتصاد الإسلامي

ماجد سليمان دودين


إن الاقتصاد له أهمية وضرورة في كل عصر لأن المال عصب الحياة وتبرز أهمية الاقتصاد في عصرنا الحاضر بصورة جلية نتيجة لتطور حاجات الإنسان وتنوع مطالبه، واتساع نشاطات المجتمع الإنساني العصري وتنوعها وتعددها.
الاقتصاد اصطلاحا هو تدبير شؤون المال بإيجاده وتكثير موارده وهذه مسألة يبحث فيها النظام الاقتصادي الذي يحدد على اختلاف نزعات واضعيه ومذاهبهم كيفية تملك الثروة والتصرف فيها وتوزيعها.
لقد زعم مؤرخو علم الاقتصاد أن هذا العلم لم يظهر كعلم مستقل يقوم على دراسات دقيقة إلا في القرن الثاني عشر الميلادي وذلك بعد أن وضع (( آدم سميث )) الكاتب الإنجليزي كتابه
(( ثروة الأمم )) سنة 1776م وهو الكتاب الذي تحدث فيه عن الظواهر الاجتماعية وما بينها من علاقات وارتباطات وما يحكمها من قوانين ثابتة.
بينما يذكر (( محمد نشأت )) في رسالته عن الفكر الاقتصادي في مقدمة ابن خلدون إن كتابة ابن خلدون جديرة بأن تكون البدء للمدرسة العلمية في الاقتصاد فقد سبق المفكر المسلم المدارس الاقتصادية التي تدعو إلى حرية التداول التجاري وعدم إيغال الدولة في التداخل والتسلط وعدم الإسراف في فرض الضرائب ويؤكد ابن خلدون أن الدولة إنما تقوم على الشعب وعلى روح الإقدام التي يتحلى بها وعلى مدى إنتاجه ثم يؤكد أن المبالغة في تدخل السلطات الحكومية تعيق التطور الطبيعي للاقتصاد وتسبب نقصاً في الثروة وضعفاً في الإنتاج.
وهذا ما يحدث فعلاً في تجارب المذاهب الاقتصادية من شيوعية واشتراكية إذ تنقص الثروة ويضعف الإنتاج في الدول التي طبقت تعاليم ((ماركس )) وأحالت المرافق الاقتصادية من تجارة وصناعة وزراعة إلى مؤسسات حكومية وجعلت شعوبها طبقة من الفقراء والبؤساء فيما يعرف بالبلوريتاريا.
ومن سوابق الاقتصاد الإسلامي تشريعة الزكاة وجعلها حقاً واجباً لا إحساناً يتفضل به الغني وقد اعترف بذلك (( دانيل جيرج )) حيث تقال: (( إن المجتمع الغربي لم يعترف بحق الفقراء في أموال الأغنياء إلا في بداية القرن السابع عشر الميلادي عندما أصدرت ملكة بريطانيا قانوناً اسمه (( قانون الفقراء )) ثم تبعتها أمريكا وغيرها من دول أوروبا )).
ويقول (( توماس كارليل )):" إن في الإسلام خلة من أشرف الخلال وأجلها وهي التسوية بين الناس، والإسلام لا يكتفي بجعل الصدقة سنة محبوبة بل يجعلها فرضاً حتماً على كل مسلم وقاعدة من قواعده ثم يقدرها بالنسبة لثروة الإنسان فتعطى لمستحقيها وما هذا إلا صوت الإنسانية والإخاء والمحبة".
إن نظام الاقتصاد الإسلامي يحر ص على حرية الفرد المسلم وكرامته ويعمل على توزيع الدخل القومي بحيث يرتفع الفقراء إلى مستوى قريب من الأغنياء ولا يحرم أصحاب المال والثروة من حق الاستغلال والاستثمار والربح وحرية التملك ويفرض حقاً معلوماً في أموالهم في حين أن الشيوعية في مختلف أشكالها ومناهجها تهدف إلى حرمان المالك من حريته الاقتصادية السياسية والاجتماعية وتعمل على توزيع الدخل القومي بحيث يهبط الأغنياء إلى مستوى الفقراء.
إن منهج الإسلام في الاقتصاد منهج وسط، لا شرقي ولا غربي، وهو يجعل المجتمع الإسلامي متوازناً متعاوناً وهو بذلك لا يلتقي مع الشيوعية التي تنحدر بالأغنياء إلى مستوى الفقراء وتسلبهم حريتهم وكرامتهم الإنسانية، ولا يلتقي كذلك مع الرأسمالية التي تقوم أساساً على مبدأ التنافس غير المحدود، التنافس الذي يحكمه قانون البقاء للأقوى والأغنى .
وهذا القانون احتكاري استغلالي لا يمكن أن يسود في المجتمع الإسلامي الذي تحكمه مبادئ البر والتقوى والتعاون على الخير والإحسان.
ماذا يقول علماء الغرب أنفسهم عن الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد في عالمهم؟
يقول (( جون آيز )) أستاذ الاقتصاد في جامعة كنساس الأمريكية: (( لقد أصبح رجال الأعمال عندنا تائهين في مطاردة المال الذي يجب أن يكون وسيلة إلى الحياة الطبية لا غاية في ذاتها، حتى نسو الغاية وأمعنوا في التعلق في الوسيلة )).
ويقول (( آرلوند توينبي )) المؤرخ المعاصر في كتابه ((العادة والتغيير)): (( إن الرأسمالية أخطأت السبيل لا في إصرارها على احترام فردية وحرية الفرد ولكنها أخطأت في تضحيتها بالعدالة في سبيل الفردية، كما أخطأت الشيوعية في إصرارها على العدالة الاجتماعية مقابل تضحيتها بالحرية من أجل العدالة، إن كلاً منهما يؤيد جانباً على حساب جانب وكلتا النظريتين مادية ولما كان الإنسان لا يستطيع أن يعيش بالخبز وحده فإن التفسيرين الماديين للعدالة والحرية تفسيران خاطئان )).
يقول- المسيو ليون روشي – في كتابه (( ثلاثون عاماً في الإسلام )) : إن هذا الدين الذي يعيبه الكثيرون هو أفضل دين عرفته ، فهو دين طبيعي ، اقتصادي، أدبي.. ولقد وجدت فيه حل المسألتين (( الاجتماعية والاقتصادية)) اللتين تشغلان بال العالم كثيراً: الأولى في قول القرآن: (( إنما المؤمنون إخوة )) فهذه أجمل مبادئ التعاون الاجتماعي. والثانية فريضة الزكاة في كل ذي مال بحيث يحق للدولة الإسلامية أن تستوفيها غصباً إذا امتنع الأغنياء عن دفعها طوعاً.
وأروع من كل ما ذكر ما قاله عمر رضي الله عنه:
(( والله ما أحد أحق من هذا المال من أحد. وما أنا بأحق به من أحد، والله ما من المسلمين أحد إلا وله في هذا المال نصيب. ولأن بقيت لكم ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال. وهو يرعى مكانه )).