ماذا نريد من مراكزنا الثقافية؟
بكثير من الود نسأل ونتساءل، نسأل الذين لا يوفرون فرصة لإلقاء اللوم والعتب، وربما أكثر من ذلك، على القائمين بأعمالهم في المراكز الثقافية دون أن يستثنوا أحداً، ولا نسمع أو نقرأ في المقابل أي لوم على أية جهة أخرى، أو شخص آخر، نسألهم ماذا تريدون من المراكز الثقافية، وطالما يعتبر أولئك اللائمون أنفسهم مهتمين بالحالة الثقافية ومنشغلين بهواجس ومشاريع ثقافية، أين اقتراحاتكم لتفعيل الحركة الثقافية، لماذا لا تتحفون بها العاملين في المراكز الثقافية تتناقشون وتتحاورون معهم لنصل معاً إلى وضع نقبل به جميعاً..؟
هل حدث ذلك وقوبل بالرفض..؟ وإذا كانت الظاهرة العامة هي قلة حضور الجمهور للفعاليات التي تقيمها المراكز، فمن المسؤول عن ذلك..؟ وإذا كانت المراكز هي المسؤولة فما هو المطلوب منها لتدارك هذا الخلل..؟
وهنا لست بصدد الدفاع عن المراكز الثقافية ولا اتهام جهات أخرى، لكنني سأحاول توصيف الحالة كما هي، وباعتبار صوتي نابعاً من داخل المراكز الثقافية سأحاول أن أكون موضوعياً قدر الإمكان، وذلك لأنني معني بهذه الظاهرة أولاً، ولأنني مستاء ثانياً باعتباري من المشتغلين في المجال الإبداعي ومن خلال مراجعة بسيطة لبرامج المراكز الثقافية نجدها ممتلئة كماً ونوعاً، وهذه أولى مهام المراكز التي تشرع منابرها أمام المفكرين والمبدعين كافة، ولا أظن أن مركزاً ثقافياً رفض مشاركة أحد في فعالياته.
ومن الناحية الإعلامية يقوم العاملون في مديريات الثقافة ومراكزها بإبلاغ وسائل الإعلام جميعها وإرسال البرنامج الشهري وبطاقات الدعوة خلال وقت يسبق موعد النشاط بأسابيع، وهذه المهمة الثانية للمراكز، وهنا لابد أن نسأل المحاضر أو المبدع، ألا يعرفون مسبقاً قلة الحضور..؟ وهل هم غائبون عن الحياة الثقافية في بلدنا..؟ فلماذا لا يساعدوننا بتجاوز هذه الظاهرة...؟ وخاصة أن المحاضر يأخذ حصته من بطاقات الدعوى، أليس معنياً بهذا الأمر..؟ ثم يأتي في موعد النشاط وحيداً ليصبّ جام غضبه على المركز، وفي أغلب الأحيان- وهذا مؤسف - من خلال الصفحات الثقافية في الجرائد اليومية، يشاركه في ذلك القائمون على العمل في الصحافة، وتحديداً الصحفيون في الصفحات الثقافية، وهذا ما حدث مؤخراً حيث قامت إحدى الصحفيات بكتابة مادة صحفية تناولت ظاهرة عدم الحضور في مهرجان شعري قام به أحد المراكز الثقافية، تلك الصحفية لم تكلّف نفسها حضور فعاليات المهرجان وكأنها غير معنية بهذا الأمر، وأن متابعة النشاطات الثقافية ليست من مهماتها، وتأتي بعد انتهاء المهرجان لتلتقي ببعض الشعراء المشاركين وتكتب مادتها على عجل، وهنا نسأل الزميلة الصحفية عن أي جمهور تتحدثين طالما استثنيت نفسك من هذا الجمهور..؟ ويأتي شاعر مشارك في المهرجان ليلقي اللوم على العاملين في المركز والمديرية والوزارة بسبب عدم الدعم الإداري، ولست أدري ماالذي يقصده بهذه العبارة، أو يلوم راعي المهرجان لعدم حضوره أو حضور من يمثله، وهنا لن أتساءل وإنما سأقول إن هذه الأمور قضايا إدارية، وإن الشعراء غير معنيين بها طالما أنهم مهتمون بإيصال أصواتهم إلى الجمهور الذي كان عدده كافياً قياساً لما نراه في النشاطات الأخرى، وهذا يشهد عليه الشعراء أنفسهم.
أسئلة كثيرة تتبادر إلى الذهن، أسئلة مؤلمة، لكننا نحاول تجاوزها ونبدأ بالتساؤل ، لماذا نبرىء أنفسنا من مسؤولية التقصير في أداء مهماتنا، سواء كنا عاملين في المراكز الثقافية، أو كنا ضيوفاً عليها، إن الاعتراف بالتقصير فضيلة تقود إلى التفكير في تجاوز حالة مرضية مؤلمة، ونحن جميعاً معنيون ومسؤولون عن الارتقاء بالحالة الثقافية، ولنتوقف عن كيل الاتهامات، وخاصة من قبل المثقفين الذين لا يعرفون أماكن المراكز الثقافية، ويشكون من قلة الحضور، أليس ذلك مؤسفاً..؟ وبقليل من المودة والإحساس بالمسؤولية ندرك كمبدعين ومفكرين أن أداء المراكز الثقافية ليس بالصورة التي نطرحها على صفحات الجرائد، فلنضع أيدينا على ضمائرنا ولنتكلم بمزيد من الموضوعية، عند ذلك فقط نستطيع ملامسة العلة في جوهرها، فالجميع مقصرون، والجميع معنيون، والجميع مسؤولون عن تجاوز الخلل في الساحة الثقافية الراهنة.
نصر محسن
جريدة البعث السورية