القصة الشاعرة تصور دور المواطن في المستقبلإذ يعبر عباس العقاد عن " اللغة الشاعرة " بصفتها اللغة التي يقوم عليها فن الشعر، يمكننا – و نتيجة طبيعية للتطور – اعتبار أن اللغة هي تلك القصص الحياتية، و المزج بين الجنسين – رغم خصوصية كل جنس – يحدث تفاعلاً ينتج عنه جنس آخر له خصوصيته الجديدة ,
فإذا تصورنا - ذهنياً- أن جنسين يتفاعلان معاً , فإنه سوف ينتج جنس جديد و الدافع في مثل هذا التصور يمثله التقدم بحذر لإحداث هذا التفاعل و التشبث بإحراز هذا التقدم , أما الشعور فيتمثل في صعوبة التراجع , و الانفعال يمثله الفرح عند إحراز التقدم أو الحزن عند الفشل , و السلوك يتمثل في تنسيق الدافعين ( التقدم بحذر , و التشبث بالتقدم ) مما يؤدي إلي تعدل طبيعة التجربة الإنسانية ( و يتمثل هذا التعدل في قبول جنس أدبي جديد ) و النزعة بهذا التصور التفاعلي يمثلها الاعتزاز بالهوية و رفض القمع و هيمنة الثقافة الغربية و مواجهة السرقات الأدبية , و حتى المشاركة في مثل هذا التصور الذهني تكون نزعاته المتباينة متمثلة في التطور أو التجديد , و قد تكون مناصرة المبدعين و مواكبة الجلل من الأحداث المتلاحقة في مفردات المجتمع المعقدة و التي لا يمكن التعامل معها إلا بتفاعل جنسين , و أثر الجنسين – مهما كانا – لابد أن يكون أفضل من جنس واحد ,
و السلوكيات قد تتمثل في وضع منهج علمي أو كتابة نماذج أولية لما تم تصوره , و محاولة إثبات أن من يقوم علي التجديد لابد أن يكون متشبعاً بالموروث يساعده في ذلك تفاعله مع الأصدقاء والخبرات الحياتية و ذوي الحس المرهف مع الاطلاع علي ثقافات الأمم المختلفة حوله و احترام خصوصية كل أمة و التواصل بين هذه الثقافات بنفس القدر الذي ينبغي فيه التواصل مع أفراد الأمة الواحدة ( من خلال قصة شاعرة مثلاً ) , فلا يمكن أبداً أن يصح الفصل بين أفراد الأمة الواحدة – لاستخدامها لغة رسمية ما أو لغة نصوص خاصة تخالف اللغة الحياتية – مما يؤدي إلي عدم فهم من المتلقي لما يعنيه المبدع , و يفقد التواصل جوهره , و إن لم ينجح هذا التواصل بين الأفراد , فهل ينجح بين الأمم ؟!
و تنجح التكتلات الدولية كلما كانت فيما بينها لغة مشتركة ( و لتكن لغة المصالح ) مع احترام خصوصية كل دولة , فإذا كان هذا ما يحدث في التكتلات الدولية أفلا يستطيع الأفراد التكتل حول جنس أدبي جديد – أيا كان نوعه – إثباتاً للوحدة و الإفراز الطبيعي بالتقدم و مواجهة للقمع الخارجي في الصور المختلفة .
و من خلال الاطلاع علي الثقافات يمكن للعربي مثلاً أن يستشهد بثقافة غربية بشرط إلا تهدد الثقافة العربية و موروثاتها , بل بما هو يضيف إلي ثقافته الأصلية و خصوصيته , فإذا استشهدنا بمقولة ا.ا رتشاردز في تعريفة للإحساس أنه " شعور ما بالدافع أثناء مرحلة معينة من مراحل تطوره " و للانفعالات بأنها " تراكيب أساسها الاحساسات العضوية للفرد و تعتمد علي الظروف الباطنية العامة للفرد أكثر مما تعتمد علي طبيعة المنبه الخارجي " , و مقولته حول الحساسة العامة " إن الاضطرابات مثل غصة الحلق , توق الأمعاء , و انكماش الجلد , و صعوبة النفس , تؤدي إلي نتائج لا تأخذ عادة صوراً بارزة و إنما تمتزج بمجموعة الاحساسات الباطنية بأسرها , فتؤلف الحساسة العامة أو الشعور الجسدي و تلونه و تعدل من طبيعته " , فإنه يمكن صياغة تعريف للحساسة العامة في " القصص الشاعرة " – و هي جنس أدبي عربي – بأنها " عبارة عن التأليف الناتج من امتزاج نتائج مؤثرات معاني نص ( تلك التي نجمت من تفاعل جنسيى القصة و الشعر متخذة شكل الأكثر خصوصية رغم عموميتها ) مع مجموعة الأحاسيس الباطنية لدي الأفراد " و ترجع أهمية الحس المرهف إلي القدرة علي إحلال الصورة محل الحدث الصريح , و لا تأتي الجمل اعتباطاً .. إذ يشترط أن يكون لكل مكون من مكونات القصة الشاعرة نظيره في الحياة و أن يكون موحياً بتصوراته الذهنية إلي هدف ما , أو عدة أهداف .., و بتعانق المكونات كلها تمتزج الأهداف – عبر دلالات – لتصبح هدفاً عاماً .., فالحدث في القصة الشاعرة يصف الفعل الصريح الذي يقوم به المواطن في واقع الحياة , و اختيار الحدث الصريح – بمرجوعه الذهني – يأتي لتوضيح الدلالات التي نصل بها إلي نزعات سبب الحدث ..,
فالمواطن العادي يقوم بحدث ما ( علي هيئة سلوك صريح ) .. هذا الحدث له دلالته , و بسرده ضمن أحداث القصة الشاعرة يمكن الوصول إلي نزعات المتسبب في الحدث ( رغم تباينها ) , و ليكن مثلاً هو التاجر الكبير كونه المتحكم في حركة السوق , و بمعرفة نزعاته ( باعتبارها العقدة الرئيسية) و تحليل الحدث ( سلوك عامة التجار و المواطنين الذي يؤدي إلي رفع الأسعار) يمكن إيجاد الحلول الحتمية ..,
و يأتي التناول الفني الشاعر باستخدام الدوران الشعري ( عدم الوقف بالتسكين بين التفاعيل ) كدليل صريح - مع باقي الأدوات الفنية الصريحة - لعدم الانفصال , و نري الدوران نظيراً لنزعة التواصل عند الأديب و الفنان في الحياة مثلاً .., أما الانفصال فتمثله نزعة التاجر في الهيمنة ( كنموذج ذهني ) يقابلها سلوك المواطن ( كفعل صريح ) و لا سيما إذا كان المواطن ليس من ذوي الحس المرهف و الذي لا يتمتع به الكثيرون .., و تكمن الخطورة إذا كان هذا المواطن من أصحاب المواقع القيادية , فيلجأ لحلول افتراضية و استدلالية بلا جدوى , و بما يؤدي إلي ما يسمي الروتين و الذي يواجهة سرد فني بدلالات منتظمة و بساطة طرق التفكير ( و ليس بساطة التفكير) .
إذن .. التناول الفني للدلالات عن طريق الحدث يجعل النص موحياً – ذهنياً – بالحلول ( كفعل صريح , كذا تناول الأديب و الفنان لنزعات النموذج الذهني للهيمنة في التاجر – عن طريق سلوك المواطن – يوحي ذهنياً للناقد و الحاكم و القاضي و رب الآسرة بالحلول أو الأحكام كسلوك صريح , و بعد قراءة النص تكون الاستجابة الذهنية من القارئ , فيحيل النص من خلال حساستة العامة إلي واقع الحياة , فيعرف دوره المنوط له تبعاً للسياق العام .
و نستخلص ... إن القصة الشاعرة هي تعبير عن خصوصية قارئها و مكانته في الوضع العالم للحياة, فعندما يعيش القارئ داخل القصة الشاعرة و التي هي من نتاج التفاعل الذهني بين جنسيي القصيدة و القصة و استفادتهما من باقي الفنون المستفيدة بطبيعتها من عناصر الحياة كلها , يكون بذلك قد جمع عناصر الحياة و تمثلها ,
باختصار... إن من يقرأ القصة الشاعرة يحيلها إلى الواقع فيعرف من خلالها دوره الذي يجب أن يقوم به حسب تصوره الذهني لمكانه في مكونات هذا العمل الأدبي , فيصدر الاستجابة ( كفعل صريح ) في الواقع و أيا كان شكل تلك الاستجابة فإنها ستكون إحدى مقومات الإصلاح و التطور .